د. سمير مصطفى أبو مدلله - النجاح الإخباري - يفتقر قطاع غزة لكافة مقومات الحياة، جراء عزله عن العالم الخارجي بفعل الحصار الإسرائيلي الشامل والممنهج منذ العام 2007، مما انعكس سلباً على معظم مؤشراته الاقتصادية والاجتماعية.
حيث شهد قطاع غزة أحداثاً وتطورات اقتصادية وسياسية وأمنية هامة خلال العام 2018، مما انعكس على النشاط الاقتصادي والنمو بشكل مباشر، لاسيما في ضوء تطبيق هذه الإجراءات وتأثراتها على الأوضاع المعيشية والإنسانية والاقتصادية في العام 2017. حيث جرى تطبيق اجراءات الخصم على رواتب الموظفين الحكوميين في قطاع غزة، واحالة الآلاف منهم إلى التقاعد الاجباري، والتي تواصلت في العام 2018 وزادت نسبة الخصم حتى أصبح معظم الموظفين يحصلون على 50% من رواتبهم، مما انعكس بشكل مباشر على النشاط الاقتصادي والإنتاج، وتراجعت القدرة الشرائية بشكل كبير، وسادت حالة ركود عامة أصابت مختلف القطاعات الاقتصادية.
وقد وصل الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة عام 2017 إلى ما يقارب 3384.2 مليون دولار، بنسبة انخفاض 0.33% عن العام 2016. ويلاحظ استمرار تراجع النشاط الاقتصادي في قطاع غزة، حيث أصبحت معدلات النمو سلبية اعتباراً من الربع الثالث 2017، حيث استمر تراجع معدل النمو في إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الثابتة من -2.9% في الربع الأول للعام 2017، إلى -6.1% في الربع الثاني 2018، مقارنة مع الربع المناظر في العام 2017. كما تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي بالأسعار الثابتة بنسبة 9% في الربع الثاني 2018 مقارنة مع نظيره في العام 2017. ولقد انعكس تراجع معدلات النمو سلبياً على نصيب الفرد سواء من الناتج المحلي أو الدخل القومي حيث بلغ 1741.6 دولار في قطاع غزة في العام 2017 مقارنةً مع 2328.2 دولار في العام 1994 أي أن نصيب الفرد تراجع بحوالي 25.1%، بخلاف الحال في الضفة الغربية حيث ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي من 2413.5 دولار في العام 1994 ليصل إلى 3762.4 دولار في العام 2017، أي زيادة بمقدار 55.9%.
وتأثرت مستويات الاستثمار سلبيا منذ الحصار عام 2007، حيث وصل التكوين الرأسمالي الثابت الإجمالي إلى 584.3 مليون دولار في عام 2017 بواقع انخفاض نسبته 8.5% مقارنة بالعام 2016، وكان للحصار الأثر الواضح على مستويات الاستثمار، حيث عمل على تدمير البنى التحتية والأراضي الزراعية وغيرها، مما عمل على خفض الحافز الاستثماري أمام المستثمرين، وأدى لهروب رؤوس الأموال للخارج.
واعتمد النمو الاقتصادي بشكل كبير على قطاع الخدمات الذي مثّل 62.9% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2018، وبالتالي فإن حصة الأنشطة السلعية بلغت 37.1% فقط للزراعة والصناعة والإنشاءات، حيث أسهمت الزراعة بنسبة 2.8% مقابل 11.5% للصناعة، و6.5% للإنشاءات، مما يشكل خللاً كبيراً في هيكلية الناتج المحلي الإجمالي، إذ من الأهمية أن يكون الإنتاج الوطني السلعي قادراً على إنتاج كميات كافية من مختلف السلع الواجب توافرها في الأسواق المحلية، وهذا يعكس ضعف قطاعي الزراعة والصناعة وانخفاض مساهمتهما في الناتج المحلي الإجمالي وضعف القاعدة الإنتاجية، وتأثرهم بالاعتداءات والإجراءات الإسرائيلية المتبعة ضد قطاع غزة، ناهيك عن الخسائر التي لحقت به جراء الاعتداءات العسكرية ضد القطاع.
تعد مشكلة ارتفاع معدلات البطالة من أخطر المؤشرات والمشكلات التي يعاني منها قطاع غزة، لا سيما في ظل الحصار المشدد، وارتفاعها في صفوف الشباب والخريجين الجامعيين. حيث أظهرت نتائج التعداد 2017 ارتفاع معدل البطالة ليصل إلى 48.2%، وبحسب نتائج مسح القوى العاملة في الربع الثالث 2018 ارتفع معدل البطالة في قطاع غزة إلى 54.9%، مقارنةً بحوالي 17.3% في الضفة الغربية، وبذلك يرتفع عدد العاطلين عن العمل إلى 295700 ألف عاطل عن العمل في قطاع غزة، مقارنةً مع 150100 عاطل عن العمل في الضفة الغربية، علماً أن هناك 131200 عامل في إسرائيل والمستوطنات من الضفة الغربية (منهم 23000 عامل في المستوطنات)، وتصل البطالة في صفوف خريجي الجامعات إلى 72% في قطاع غزة وهي الأعلى عربياً.
كما سجلت نسب الفقر ارتفاعاً ملحوظاً في قطاع غزة، حيث أن أكثر من 53% من سكان قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر في العام 2017 وفقاً لأنماط الاستهلاك الشهري منهم 33.8% فقر مدقع مقارنةً بحوالي 13.9% في الضفة الغربية.
أما الوضع المصرفي، ازدادت ودائع العملاء من قطاع غزة من 1101.3 مليون دولار عام 2016 ليصل إلى 1127.8 مليون دولار عام 2017 وبنسبة نمو 2.4%، أما العام 2018 فقد وصلت إلى 1157 مليون دولار بنسبة 9.5% من مجموع الودائع، أما الضفة الغربية فقد بلغت الودائع 9503.3 مليون دولار، 10854.7 ، 11069.6 مليون لنفس الفترة ويشكل 90.5% من مجموع الودائع، مع العلم أن معظم ودائع العملاء في المصارف العاملة في قطاع غزة هي للقطاع الخاص، ويعزى ذلك الى أن حسابات المؤسسات الحكومية والقطاع العام موجودة في الضفة الغربية، علماً بان ودائع القطاع العام ككل لا تتجاوز 5% من اجمالي ودائع العملاء في فلسطين بشكلٍ عام.
وبلغ إجمالي عدد الشيكات المعادة في غرفة مقاصة غزة 30834 شيك، بقيمة 85.8 مليون دولار في العام 2018، ويلاحظ تراجع ملحوظ في عدد وقيمة الشيكات المعادة في قطاع غزة خلال العام 2018 مقارنةً بالعام 2017، حيث وصلت إلى 35484 بقيمة 112.8 مليون دولار، وهذا أدى إلى ارتفاع قضايا الذمم المالية في القطاع بسبب الاجراءات المتعلقة بالخصم والتقاعد الاجباري. أما الضفة الغربية فقد بلغ عدد الشيكات المعادة 735317 شيك عام 2018 بقيمة 1039.7 مليون دولار مقارنة بـ 699.9 ألف شيك بقيمة 1041.3 مليون دولار للعام 2017. كما برزت على السطح اقتطاع جزء من أموال المقاصة في عملية قرصنة ولصوصية من قبل الاحتلال الإسرائيلي. حيث بلغ الاقتطاع 138 مليون دولار، تحت ادعاء أن هذه الأموال تذهب لأسر الشهداء والمعتقلين، مما سيؤثر على الوضع الاقتصادي للسلطة، علماً أن أموال المقاصة بلغت 2255 مليون دولار عام 2018 متراجعة بنسبة 9% عن عام 2017 والذي بلغت فيه 2483 مليون دولار.
إن قطاع غزة أضحى مركزاً للأزمات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، والتي تفاقمت في الأعوام الأخيرة جراء الحروب والحصار الإسرائيلي المتواصل والممنهج، إضافة للانقسام السياسي. إذ تزيد نسبة الأسر التي تعاني من نقص حاد في مستويات الأمن الغذائي عن 70%، في حين أن هناك 93% من الأسر في غزة لا تلبي احتياجاتها الضرورية من السلع والخدمات، فيما يعتمد على المنح والمساعدات الإغاثية أكثر من 80% من الأسر الفلسطينية، فيما أن 70% من طلبة الجامعات غير قادرين على تسديد رسومهم الدراسية. ويضاف إلى ذلك أن 90% من المياه غير صالحة للشرب، و73% من شاطئ قطاع غزة أصبح ملوثاً، فيما ساعات قطع الكهرباء تصل إلى 16 ساعة يومياً أثرت على الوضع الإنتاجي. حيث شهد في قطاع غزة ارتفاعاً في عدد المرضى المترددين على مراكز الصحة النفسية الحكومية بنسبة 69%، ونسبة فقر الدم لدى الاطفال 70% وعند الحوامل 40%، فيما بلغت عدد حالات الطلاق 3000 حالة سنويا، وتراجعت نسبة الزواج بـ 10.8% غالبيتها لأسباب اقتصادية.
وحذر البنك الدولي من أن تردي الاوضاع الاقتصادية في فلسطين بات مثيرا للقلق، مع دخول قطاع غزة مرحلة الانهيار الاقتصادي، فيما تتعرض الخدمات الأساسية المقدمة للسكان إلى الخطر مع شح السيولة، وقال إن «الوضع الاقتصادي في قطاع غزة آخذ في الانهيار تحت وطأة حصار مستمر منذ 12 عاماً، وشح السيولة في الفترة الأخيرة، وذلك على نحو لم تعد معه تدفقات المعونة كافية لحفز النمو». وأضاف «أنه يعاني شخص من كل اثنين من الفقر».
الحصار الإسرائيلي هو المشكلة الرئيسية في قطاع غزة، إضافة إلى عوامل أخرى، منها التقليص التدريجي لبرنامج معونات الحكومة الأميركية الذي يتراوح بين 50 و60 مليون دولار سنويا، وتخفيضات لبرامج وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
إن هذه المؤشرات أعلاه، توضح كارثية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في القطاع وتأثيرها على كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، لذا بات من الضروري، العمل على الإسراع على فك الحصار، وإنهاء الانقسام وكافة تداعياته، والإسراع في الإصلاح وإعادة الإعمار، لتحفيز النشاط الاقتصادي وخلق فرص عمل مدرة للدخل، مع تقليص الاعتماد على المساعدات الخارجية والتخلص تدريجياً من التبعية والارتهان للاقتصاد الإسرائيلي، وضرورة العمل على تحسين البيئة الاستثمارية وخلق مناخ استثماري مشجع لجذب مختلف الاستثمارات.