نابلس - أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - كنا نحتاج إلى 25 عاما كي نفهم الأزمة والكمين الذي وقعنا به ، تأخرنا عشرون عاما عن السؤال الأهم هل يمكن أن تستمر السلطة تحت الاحتلال؟ هل يمكن أن يتمكن الفلسطيني من حكم نفسه في حين تتحكم إسرائيل في الموارد؟ قد يكون ممكنا في السنوات الخمس الأولى على اتفاق أوسلو ولكن ما أن بدأ يتحول المؤقت الزمني إلى ثابت كان يجب أن نقف جميعا لنسأل السؤال الذي يباغتنا الأن بعد قطع أموال تعادل نصف مليار شيكل وماذا لو اقتطعت إسرائيل أكثر؟
ماذا لو نفذت السلطة قرار الرئيس أبو مازن بعدم تسلم الأموال في حال اقتطاع جزء منها؟ وهل فعلا ستفعل كما قال عضو اللجنة التنفيذية أحمد مجدلاني؟ وإلى متى ممكن أن تتحمل؟ وهل سيؤدي ذلك إلى انهيارها أم سيتخذ قرار بحلها كما قال أمين سر اللجنة التنفيذية صائب عريقات؟ تلك الأسئلة لا اجابات لها وهي أسئلة حملت منذ ربع قرن لتلد على عتبة صفقة القرن كان يجب أن نحسب بشكل استراتيجي مبكرا ولكن تواطأنا جميعا على اخفاء الأسئلة الحرجة إبنة الضرورة الوطنية.
اضطربت السياسية كثيرا لدينا خلال الفترة الماضية فقط لأن البيئة السياسية القائمة في الغلاف الإسرائيلي أكثر تعقيدا وأكثر استاتيكية من قدرتها على الحركة أو اتخاذ أي قرار لذا فإن كثيرا من القرارات اتخذت في المجالس المركزية التي انعقدت منذ 2015 لتحديد شكل العلاقة مع الاسرائيلي أو لمراجعة هذه العلاقة في مجالات محددة ولكنها لم تستطع تنفيذ أي منها.
لم يكن ممكنا التنفيذ لأن الاسرائيلي كان ماهرا في صياغة كل بند في الاتفاقيات بحيث وضع كل شيء في يده ووضع يده في رقبة الفلسطيني وجعل من غير الممكن التراجع أو مراجعة أي بند بشكل منفصل وهنا حين ندرك عمق الأزمة كان ولا بد بأن نقول بكل وضوح أن الحلول الترقيعية أو الحلول الجزئية لا يمكن أن تنفذ وأن الحلول بطريقة انتقائية لا يمكن أن تتحقق وليس سوى حلول بالكليات إما حل السلطة ووقف الاتفاقيات وإما إبقاء السلطة وابقاء الاتفاقيات والالتزام بها كي تستمر الحياة .
هنا كان أمامنا نموذج السلطة التي أنشأتها حركة حماس في قطاع غزة فقد أنشأت سلطة متحللة من أي اتفاقيات مع اسرائيل وتنكرت لاتفاق أوسلو وهكذا كان النموذج الذي تراءى أمامنا حالة من البؤس والفقر والجوع والحرمان أدى إلى انهيار المجتمع ودفع أبناؤه للرحيل دون تحقيق أي انجاز وطني بل هي محاولات اغاثة انشغلت بها الحركة من قبل الدول الميسورة بحدها الأدنى.
إذا لم تتسلم السلطة الأموال وبقيت أجهزة الحكم قائمة تحت الاحتلال فهل سيتكرر نموذج حماس بغزة أم أن تجربة غزة ستدفع النظام السياسي الفلسطيني للحلول الكلية وحل السلطة وتحميل الاسرائيلي مسؤولية السكان وإذا تسلمت الأموال منقوصة هذا يعني أنها وافقت وقبلت أن يفعل الإسرائيلي ما يريد وكيفما يريد وعليها أن تؤهل نفسها لمزيدا من الاجراءات التي يمكن أن تؤدي بالنهاية أيضا إلى انهيارها.
إذا السلوك الإسرائيلي يعني في كلياته السلطة ووجودها إلا إذا تراجع نتنياهو وأن القرار مرتبط بالدعاية الانتخابية ولكن إذا ما نفذ هذا يعني أن اسرائيل بدأت فعليا بالتضييق على السلطة لأن كل الطرق تؤدي إلى نتيجة واحدة إما الانهيار أو الحل بإرادة فلسطينية وهذا الأخير لن يكون ولكن كل الخيارات تبدو صعبة أمام الفلسطينيين وخصوصا أن القرار يتزامن مع قرار أميركي مشابه إلى حد ما.
هل يعني ذلك أن اسرائيل لم تعد تريد السلطة في الضفة الغربية ؟ ممكن ذلك ، وخصوصا أنه يتوافق مع منطق ضم الضفة وشرعنة الاستيلاء ومع منطق اسكان 2 مليون يهودي جديد فيها ومع منطق توسيع الإدارة المدنية وصلاحياتها ومع منطق اليمين الذي يعتبرها أرض التوراة ومع منطق الحل في غزة ومع منطق أوسلو الذي قام على غزة وألحقت بها أريحا ومع كثير من الوقائع القائمة .
تأجلت أجوبة أسئلة المصير الفلسطيني طويلا وكان ثمن التأجيل من لحم ودم وأرض ومشروع تآكل مع مرور الزمن لتتبدد كل الأحلام من حل الدولتين وإقامة الدولة نحو بقاء السلطة أو عدمها كان للانقسام الفلسطيني الدور الأبرز في حالة التآكل ليس فقط لأن الفلسطينيين انقسموا وقسموا الغنيمة بل لأن الجهد الفلسطيني انصب على التخطيط والتآمر الداخلي ضد بعضهم البعض استنزفوا أنفسهم حتى خارت قواهم فيما الاسرائيلي كان يرسم مشاريعه على مهل وينفذ مستفيدا من الزمن الذي عمل لصالحه فيما كان الفلسطينيون يتقاتلون فانهكوا أنفسهم وشعبهم ومشروعهم وبدو للحظة في نظر المواطن أنهم أكثر عجزا من أن يقيموا مشروع أو ينجحوا بحمله, اجتماع موسكو كان نموذجا لفشلنا...!