نبيل عمرو - النجاح الإخباري - لدى الفلسطينيين أينما وجدوا نزوع فطري نحو الوحدة، وبفعل ذلك يشعرون بخيبة أمل وإحباط شديدين كلما حصل انقسام في صفوفهم، أو انشقاقات في الكيانات السياسية والوطنية التي تقودهم أو تمثّلهم.
وعبر مسيرة الثورة الفلسطينية وقبلها، الحركة الوطنية بكلِّ مكوناتها واجتهاداتها، حدثت في الجسد الفلسطيني انقسامات كثيرة وانشقاقات أكثر، وكلُّ ذلك كان يجري في وقت يفترض فيه أن تتعمَّق الوحدة وتتكرَّس، ولأنَّه لا يوجد عند الفلسطينيين دستور يلتزم به الجميع، ونظام سياسي راسخ ومستقر يفرض نفسه على الجميع، فإنَّ الانقسامات والانشقاقات تتكرَّس كظاهرة لا خلاص منها، وبحسبة بسيطة فإنَّ الانقسامات والانشقاقات أعاقت كثيرًا تقدُّم الحركة الوطنية نحو أهدافها، وحرمت الشعب الفلسطيني من أن يستفيد من ظروف موضوعية مواتية، ودخل معضلة خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف.
ولكي لا يظلّ هذا الاستنتاج نظريًّا، فلدينا واقعتان راهنتان تجسدان مرض الانقسام عند الفلسطينيين، أحدهما عمره اثنتي عشرة سنة، وموطنه الضفة والقطاع، وثانيهما عمره أسابيع قليلة وموطنه منطقة الـ (48).
الأوَّل وصل بعد موسكو حالة غير مسبوقة من العداء والإجراءات المتبادلة، ومع أنَّ الواقع الموضوعي يقول إنَّ ما يجري هو انفصال كياني وسياسي وإداري وجغرافي، إلا أنَّنا لا نحب الاعتراف بالحقيقة، وما إن يُقترح حلٌّ فيه قدر من الموضوعية يسارع أقطاب الانقسام إلى رفضه تحت عنوان عجيب غريب، يقول إنَّ هذا الاقتراح يكرِّس الانقسام، وكأنَّ اثنتي عشرة سنة من الانفصال الفعلي تحتاج إلى اثنتي عشرة سنة أخرى على الأقل كي نعترف بأنَّ هنالك انقسام.
أثناء انعقاد حوار موسكو الذي يصدق عليه الوصف بالحوار السياحي، جرى حديث بيني وبين صديقٍ روسي كان وما يزال أكثر التزامًا من الفلسطينيين بقضيتهم وحقوقهم، كان متحمّسًا للقاء ومتفائلًا بنجاحه، وفسرَّ لي سبب تحمسه بأنَّ الفلسطينيين يدركون أهمية الوحدة بينما يقف خطر داهم على قضيتهم خلف الأبواب، لم أرغب في إحباطه لذا لم أقل له إنَّ تفاؤلك ليس له مرتكزات في الواقع، ولكن اتفقنا على أن نجري مكالمة أخرى بعد انفضاض الاجتماع، وحدث ذلك بالفعل.
قال.. ما الذي دهاكم؟ أتيتم إلينا وأنتم مختلفون بنسبة تسعين بالمائة وخرجتم من عندنا وأنتم مختلفون مائة بالمائة، حتى منظَّمة التحرير التي يعترف العالم كلَّه بتمثيلها وقيادتها للقضية الفلسطينية خرجت من لقاء موسكو مهشَّمة وممزَّقة، لم أجد ما أقول لصديقي الروسي فماذا يمكن أن أقول بعد الذي حدث.
أحزنني قول أحد المتحاورين، إنَّ هنالك خططًا لاستئناف الحوار في القاهرة أي أنَّ القوم لم يقلعوا بعد عن سياحتهم المفضلة التي عنوانها حوار ولا اتفاق.
وفي هذ الوقت وبينما الحكومة اليمينية في إسرائيل حولت العرب هناك إلى مواطنين من الدرجة الثانية عبر قانون القومية البغيض، نشاهد انقسامًا مهما ساق البعض تبريرًا له وترويجًا لمزاياه، إلا أنَّه نفسيًّا وسياسيًّا واستراتيجيًّا وحتى رمزيًّا أطاح برغبة الفلسطينيين في التوحّد وجعل الانقسام علامة فارقة لهم ومن غير المنطقي أبدًا أن يحدث هذا مع إجماع عربي على مستوى الشعار يقول لا لقانون القومية العنصري، كيف يستقيم هذا لا أحد يعرف.
نملك بعد كلِّ هذا الإخفاق أن ندعو الله وحده أن يهدي القوم.