النجاح الإخباري - لم يعد هناك ما ينكتب على جثة وطن يتفحم لشدة تواضع سياسيوه الذين تسببوا بكل هذا الحريق الوطني الذي يأكلنا جميعا، أي شعب وأية أمة وأي وطن الذي يجري التنكيل به إلى هذا الحد ونحن جميعا شهود على انحداره بشكل ثابت دون تعرج في خط الهبوط المستقيم, كيف كل عام أو كل شهر يأتي يكون أسوأ من سابقه؟ تلك أحجية حتى المشتغلين بالسياسة لدينا والمنساقون إلى حتفنا جميعا لا يعرفون أنهم يسيرون في هذا المسار النازل وربما يخترعون ما يشاؤوا من روايات التعويض النفسي ثم يصبحوا أسرى لها تتحول تلك الروايات إلى أساطير ثم حقائق يجري التنظير لها ثم يجري استعداء الشارع والكتاب لأنهم لم يصدقوها أو لم يروجوا لها وتلك واحدة من سخريات السياسة.
ليس لدينا ترف الكتابة عن السياسة والإقليم والإسرائيليات والمشروع الوطني وحل الدولتين الذي تآكل فقد جرنا الانقسام إلى أشد حفره رداءة لنبقى أسرى الهم الأول والمرض الأول والنكبة التي علقنا بها دون مخرج كأن الأمر يحتاج إلى حل سحري خارج امكانيات البشر مثل لؤلؤة في قلب سمكة زرقاء أو رجل نملة ذكر أو ذبابة حامل أو شيء من خرافات لأمراض تستعصي على البشر.
الانقسام تلك الطامة الكبرى حصل ببساطة بعد أن فشل الطرفان في تقاسم السلطة والثروة صحيح أن هناك خلافات أخرى ولكنها ليست الأساس فقد حدثت الكارثة بعد العودة من مكة واتفاقها وفشل التوافق على توزيع الأمن والقوة و وزارة الداخلية ثم بعد فترة وجيزة من الانقسام بدأ الطرفان حوارا لينهي تلك الأحداث الأكثر سوداوية في التاريخ الفلسطيني ومن حوار إلى حوار ومن جولة إلى أخرى ومن عاصمة إلى أختها إلى أن وصلنا إلى النتيجة الواضحة لكل هذا الأداء وهي أن السياسيين أقل قدرة و أكثر عجزا من أن ينهوا هذا الوضع.
علقنا وعلق الشعب والوطن والحاضر والمستقبل واحترق كل شيء السلطة والمنظمة والمؤسسة والبرنامج أو البرامج العشوائية التي اتضح انكشافها إلى هذا الحدا فحركة فتح ومنظمة التحرير تطالب بوقف الاتفاقيات مع إسرائيل وهي صانعتها والمنظر لها منذ ربع قرن كسياسة وحيدة وواقعية أمامنا وحركة حماس تطالب باستمرار العمل السلمي والتظاهرات الشعبية بعيدا عن السلاح وهو المشروع العسكري الذي تنظر له منذ ربع قرن وكل منهم يذهب إلى النقيض دون أن يعترف أحد أننا كنا أرنبة التجربة في مختبر هواة السياسة وصانعيها.
كلما ذهبنا إلى حل نكتشف أن الأمر يزداد تعقيدا ونغرق أكثر في الفراغ دون خارطة طريق بل نمارس عشوائية السياسة التي تزيد تباعدنا لنتفتت أكثر وليس لنا سوى قفزات في الهواء لا تعني كثيرا في عالم السياسة فماذا يعني أن يقرر المجلس المركزي وقف كل الاتفاقيات مع إسرائيل مع بقاء السلطة وهي من أبرز نصوص الاتفاق؟ وهل يمكن حقا تعليق هذه الاتفاقيات مع بقائها؟ وما هي تداعيات ذلك القرار على الوضع القائم؟ وبالمقابل ماذا يعني رفع الحصار عن قطاع غزة وبقاء الانقسام؟ بكل بساطة يعني الانفصال... تلك هي العشوائية التي تعمل بردود الفعل وليس الفعل الذي يرسم مساره بهدوء.
لا يحتاج إنهاء الانقسام وهو الخطوة الأولى في المشروع والبرنامج والكفاح ضد دولة تكشر عن أنيابها اليمينية وأنياب جرافاتها الاستيطانية انهاء الانقسام لا يحتاج إلى حل ذلك اللغز الكبير ولا إلى حوارات ولا خارطة طريق ولا اشتراطات ولا وساطات لا يحتاج الأمر أكثر من أخذ رأي الشعب كما يفعل العالم عندما يصطدم النظام السياسي ولا يتمكن من الخروج فقط من خلال انتخابات وتلك معروفة لكل السياسيين ولكن هل يريدون؟
لا أحد يريد الانتخابات لذا نشهد كل هذا الحوار المستعصي علينا ونقاش التفاصيل حتى لا نصل إلى شيء وحتى ننفصل تماما كما يستدرجنا الإسرائيلي وتلك باتت مدعاة القلق التي تسير بنا ليس نحو مجهول هذه المرة بل نحو معلوم رسمته الدوائر الإسرائيلية مبكرا أما استمرار الحديث عن فشل المصالحة كأنها تحتاج إلى عرافة يونانية أو حلول سحرية أو وصفات خارج الطبيعة فهذا استخفاف شديد بعقول البشر.