أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - يدهشني أحيانا الدهاء الإسرائيلي وقدرته على استغلال الاحداث فإسرائيل لا تترك شاردة أو واردة إلا وأن تستغلها فهي تحشر أنفها في كل شيء حتى تخرج رابحة وذلك هو العقل الذي كتب عنه الكاتب الإنجليزي ويليام شكسبير في رائعته تاجر البندقية.

تورطت السعودية في عمل أخرق وغبي بأن قتلت أحد مواطنيها في قنصليتها في اسطنبول وحاولت أن تتجاهل القضية أو تدافع عن الاتهام بروايات ركيكة ثم اعترفت أخيرا بما حدث وفي البدايات كانت التهمة ثابتة والدلائل كبيرة وهذا ما شكل قيدا على حكومات أوروبا والولايات المتحدة في ظل غياب رواية سعودية مقنعة للجريمة لكن حين اعترفت السعودية بما حدث بدأ العالم يستعيد رغبته بالعودة للتعامل مع المملكة فمصالحه أكبر من قتل عربي في ظل هذه المذابح التي تحدث في المنطقة العربية والتي ذهب ضحيتها مئات الآلاف في سوريا وحدها لذا بدأ بالتعاطي قبل ثلاثة أيام مع السعودية وروايتها على ضعفها بان هناك مشاجرة حصلت داخل السفارة أدت لمقتل الرجل وأن المملكة بدأت باتخاذ إجراءات ضد بعض المسئولين هناك.

لكن إسرائيل التي ترى في ورطة السعودية واستمرارها ما يمكن أن يمكنها من ابتزازها ربما لتجد تلك المملكة في إسرائيل واحدة من الدول التي يمكن أن تنقذها من الورطة وإسرائيل ليست راضية عن رغبة العالم بتجاوز الجريمة البلهاء لأن في تجاوزها ما لا يترك لإسرائيل متسع من التدخل والاستفادة وابتزاز المملكة وتقديم نفسها كطرف قادر على لعب دور في الأزمة وإطفاء الحريق الذي أشعلته السعودية بنفسها.

فقد نشر معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب ورقة موقف أمس حول قضية خاشقجي مشيرا إلى استمرار التطورات فيها وأن الأمن لن يمر وأن القضية لا زالت بعيدة وأن العلاقات السعودية الأميركية ستتزعزع مشيرة إلى أن ثمة تخوف من خدش صورة الرئيس وذهبت أبعد إلى الإشارة إلى أن السعودية تعتبر أن صهر الرئيس جاريد كوشنير في جيبها وهو كلام مستفز للإدارة الأميركية بل ويمنعها تمرير الموضوع ويشكل إهانة للولايات المتحدة.

كأن إسرائيل تحذر أميركا من تمرير الموضوع وتنبه البيت الأبيض من عواقب تجاوزه بل وتذهب أبعد من ذلك بالقول أن سمعة الرئيس الأميركي على المحك وربما يخسر الحزب الجمهوري الانتخابات النصفية إذا ما تعاملت الويات المتحدة بليونة أو فكرت بمساعدة دولة كانت على هذا القدر من الجهل رغم أن إسرائيل لا تتورع عن القتل وأن جهاز الموساد يمتهن هذه الوظيفة بل ويفاخر بها.

أغلب الظن أن السعودية التي اعتقدت أن الأمر يمكن أن يمر بقوة المال تلقت صدمة وصفعة من دول العالم وأغلب الظن أنها تعض أصابعها ندما على ما ارتكبته من حماقة ولم تعرف أن كل ما تملكه من قوة له حدود حين تتحول أية قضية إلى قضية رأي عام وقد كان حظها العاثر أن المغدور يكتب في صحيفة أميركية وأن صراعها مع قطر سيفتح عليها نيران الجزيرة وأن اغتيال الخاشقجي يتم في دول في حالة خصومة مع السعودية بعد انتهاء شهر العسل بينهما في سوريا ونذكر جميعا ما فعلته هاتين الدولتين من مغامرات راح ضحيتها مئات آلاف السوريين وان الخاشقجي آنذاك جزء من ماكينات شحن القتل والتحريض والتقطيع وإن كنا ندافع عن حقه في الحياة وحرية الكتابة.

الاسوأ لم يأت بعد بالنسبة للسعودية سيتم ابتزازها حتى الرمق الأخير لكن الأكثر سوء أن الصراع العربي المفتوح بشكل جماعي أو فردي لم يتوقف ومعارضته الأكثر قناعة أن العربي يقتل العربي ومن أجل مسح جريمته يدفع للأجنبي وتلك أكثر ما يهين أي عربي هو الشعور بهذا الامتهان الذي لم يتوقف بالتعامل الغربي مع العرب باعتبارهم مجموعات بدائية تخلو من العقل وأنظمة ساذجة يمكن التلاعب بها وتخويفها وابتزازها كيفما يشاؤون والكارثة أننا نمارس ما يؤكد تلك النظرة الاستعلائية ننتقم من الخصوم على نمط العقل العشائري بعيدا عن الدولة المدنية... نحن مذنبون فهل نعترف أننا نقدم لهم كل الذرائع؟ أم سنستمر بعقلنا القبلي ومنتجاته وندفع الثمن مضاعف كشعوب وكدول عندما ننتظر العالم أن يصفح عنا مقابل جهلنا؟.