النجاح الإخباري - غريب أن يثير قانون القومية الذي أقرته اسرائيل استغراب السياسيين والمتابعين والمحللين كأن في ذلك خروج على القواعد التي أقيمت الدولة على أساسها أو كانه خروج على ثقافة التأسيس منذ أن قرأ دافيد بن غوريون بيان الاستقلال قائلاً "هنا أقيمت دولة اليهود" وهذا القانون جرى الترويج له منذ سنوات بشكل صم آذاننا جميعاً أثناء المطالبات المتكررة والمكثفة لحكومات نتنياهو للفلسطينيين بالاعتراف باسرائيل كدولة يهودية ".
من قرأ التاريخ اليهودي والثقافة اليهودية والدين اليهودي والتراث اليهودي يعرف أن الحالة اليهودية حالة فريدة من نوعها ليس فقط على صعيد الديانة كحالة وحيدة ليست تبشيرية بين الديانات بل أن النصوص حملت مبكراً بذو تمايز استعلاني أمام باقي شعوب الأرض وبامكان قراءة سفر التكوين وحده لمعرفة رأي اليهودي بنفسه ورأيه بالآخرين مع ملاحظة أن البذور التميزية كانت قد بدأت قبل وجود ديانة يهودية ولمجرد التمييز بين سلوك أبناء نوح حام والذي من نسله كنعان الذين ورثناه والابن البار سام الذي تعتبر الديانة اليهودية أن اليهود جاؤوا من نسله.
وليس غريباً أن يبدو اليسار الاسرائيلي بهذا الانكشاف من عدم مشاركته في مسيرة السبت الضخمة التي شملت العرب والدروز وقليل من اليهود لأن التجربة مع اليسار في هذه القضية لم تكن أفضل من تجربة اليمين ففي كامب ديفيد 2000 والتي رفض فيها باراك عودة اللاجئين طبعاً لأسباب قومية وحتى لا تغرق البلاد بالفلسطينيين وتظل محافظة على طابعها اليهودي والأكثر انكشافاً كان حزب ميرتس آنذاك برئاسة يوسي ساريد اصطف تماماً مع باراك في رفض عودة أبناء قومية قد تؤثر علىالتوازن القومي في اسرائيل.
قانون القومية ببساطة يعني تفضيل اليهودي على الفلسطيني هكذا كتب ألون مزراحي في صحيفة هآرتس أول أمس والسؤال منذ متى كان العربي الفلسطيني في حالة مساواة مع اليهودي في اسرائيل؟ فالعرب خضعوا للحكم العسكري لما يقارب العقدين ظل ضابط المخابرات اليهودي هو من يحكم القرى والبلدات العربية حتى عام 66 أما من حيث الاندماج والعمل والوظائف الحكومية فلم يكن على الاطلاق أي حضور للعرب بل أن شركة الكهرباء القطرية كان يندر أن تجد فيها العرب.
كما قال أحد الكتاب الفلسطينيين في مناطق 48 أن اسرائيل هي الدولة الوحيدة التي كلما زاد مستوى تعليم العرب فيها كلما قل اندماجهم في المجتمع والوظائف وتلك تحتاج الى تأمل بينما ذهبت احدى الصحف الروسية القريبة من حزب ليبرمان قبل عقدين الى المطالبة باخصائهم والحد من الانجاب لديهم رغم أن هناك تشريعات تنص على ذلك بشكل غير مباشر مثل دعم العائلات كثيرة الأولاد اذا ما خدم أحدهم في الجيش أو درس في معاهد التوراة لكن التقرير القديم الأهم صدر عام 96 من مكتب نتنياهو تم تسريبه يعتبر أن العرب في اسرائيل يشكلون خطرا أمني كامن.
في مظاهرات بداية الانتفاضة قتلت اسرائيل ثلاثة عشر فلسطينياً لمجرد أنهم أغلقوا شارع في حيفا، يمكن كتابة دراسات في موضوع الدولة اليهودية وقانون القومية والممارسات على امتداد سبعة عقود والتي أعطى وصفها الدكتور أسعد غانم باعتبارها متنافية مع الديمقراطية ليسميها دولة اثتوقراطية أي ديمقراطية الاثنية الواحدة والدين الواحد وتلك كتب فيها الكثير من قبل باحثين من الفلسطينيين في اسرائيل وغيرهم من المناطق الفلسطينية ومراكز الدراسات العربية وحتى التقارير السنوية للخارجية الأميركية كانت تشير وان بخجل لتلك الممارسات.
هل كل ذلك مجرد مصادفات أم أنها جزء من بنية الفكر والعقل والدولة؟ بالتأكيد واضح للجميع وليس فقط الباحثين أن كل تلك القوانين والممارسات انعكاس للبنية الثقافية والفكرية والتي تمت ممارستها في أوروبا وأبرز تعبيراتها هو الجيتو اليهودي للانعزال عن المجتمعات والحفاظ على التفوق القومي الديني لذا المهم ليس تراجع الدولة عن القانون لأن هناك قوانين تمت صياغتها في السنوات الأخيرة مكملة أو ممهدة لهذا القانون بل فرصة لمزيد من كشف الدولة التي تقدم نفسها للعالم بشكل مغاير.
في سنوات البدايات والستينات والسبعينات حكم اليسار اسرائيل استطاع احداث ما يكفي من التمويه ابتعد عن القوانين الفجة وقدم صورة وردية لكن اسرائيل في العقود الأخيرة تنزاح نحو اليمين القومي الديني لأسباب ديمغرافية تعكس نفسها في بنية النظام السياسي وهذا هو المهم أن يستمر الضغط عليها وكشفها وعزلها كدولة دينية وقد كانت تظاهرة السبت هامة على هذا الصعيد وكل ذلك يحتاج الى برنامج متكامل الدولة تقدم أدوات اضعافها المهم كيب نستغلها ؟ هذا هو السؤال الجوهري ...!!