وكالات - النجاح الإخباري - تعد نبتة الولفيا أصغر نبات مزهر والأسرع نموا، وللكشف عن أسرار هذه النبتة قام باحثون بتحليل حمضها النووي.
وفي تقرير نشرته مجلة "نوفيل أوبسرفاتور" (L’OBS) الفرنسية، قال جون بول فريتز إن فريقا دوليا من العلماء كشف عن أسرار هذه النبتة بعد دراسة شريطها الوراثي، مؤكدين أن نتائج البحث توفر بيانات مهمة لمجال الزراعة في عالم يشهد أزمة مناخية.
حجم الأرض في 4 أشهر
وتعتبر الولفيا من النباتات المائية التي يشار إليها عادة باسم طحلب البط، وتنمو في المياه الراكدة. ومن بين أنواعها نجد ولفيا أنجوستا (Wolffia angusta)، وهي أصغر نبات مزهر على وجه الأرض، في حين تعتبر ولفيا ميكروسكوبيا (Wolffia microscopica) الأسرع نموا على الإطلاق.
وتتميز هذه النباتات الصغيرة بشكلها البيضاوي وحجمها الذي لا يتعدى رأس الدبوس، ولا تحتوي على جذور أو سيقان أو أوراق فعلية. ومع ذلك، يمكنها إنتاج أزهار تتفتح في الجزء العلوي منها، وتتكون من السداة (عضو التذكير في الزهرة) والمدقة (العضو الأنثوي).
وهذه ليست طريقة تكاثرها الرئيسية، نظرا لأنها تتكاثر بشكل أساسي عن طريق إنتاج نباتات أخرى تنمو عليها لتنفصل عنها فيما بعد، وهنا تكمن سرعة النمو. وتشير التقديرات إلى أن نبتة الولفيا الواحدة قادرة على إنتاج نبتة أخرى كل 30 أو 36 ساعة.
ويؤكد اختصاصي حبوب اللقاح الدكتور واين شيو أنه "في ظل الظروف المثالية، يمكن لنبتة ولفيا واحدة أن تنتج مجموعة نباتات بحجم الأرض في غضون 4 أشهر تقريبا من خلال التكاثر اللاجنسي".
جينوم "الحد الأدنى"
كيف تستطيع نبتة الولفيا التكاثر بهذه السرعة؟ للإجابة عن هذا السؤال ألقى الفريق الدولي بقيادة البروفيسور تود مايكل، من مختبر البيولوجيا الجزيئية والخلوية في معهد سولك للدراسات البيولوجية (Salk Institute for Biological Studies) في كاليفورنيا؛ نظرة فاحصة على جينوم سلالات ولفيا أستراليانا الفرعية، ونُشرت النتائج بعد ذلك في مجلة أبحاث الجينوم (Genome Research).
ولفهم أسباب النمو السريع لنبتة الولفيا، راقب العلماء سلوكها خلال دورات النهار والليل عن طريق تحليل الجينات التي كانت نشطة في مختلف أوقات اليوم. وبناء على ذلك، توصل العلماء إلى أن نمو معظم النباتات تنظمه هذه الدورة، ومعظمه يحدث في الصباح.
وأوضح تود مايكل أنه "من المثير للدهشة أن الولفيا تمتلك نصف الجينات التي تنظمها دورة الضوء/الظلام مقارنة بالنباتات الأخرى، وربما يكون ذلك سبب نموها بسرعة كبيرة، وذلك كونها لا تملك القواعد التي تحد وقت نموها".
إلى جانب ذلك، تفتقر الولفيا إلى الجينات الأخرى التي تميز عالم النبات، مثل الجذور وآليات الدفاع. وفي المجموع، يبلغ تكوين "الحد الأدنى" من الجينات لديها حوالي 15 ألف جينوم، في حين يحتوي نبات مثل القمح على 107 آلاف جينوم. وقد توصل مايكل إلى استنتاج مفاده أن "هذه النباتات تتخلص من معظم الجينات التي لا تحتاجها، ويبدو أنها تطورت لتركز فقط على النمو السريع".
نموذج مختبري
يؤكد مؤلفو الدراسة أن هذا الجينوم الخاص يساعد على فهم أفضل "للمبادئ الأساسية لبيولوجيا النباتات وكيفية نموها". ويتيح هذا الجينوم فهم كيفية إدارة النباتات تطورها، وكيف توفق بين النمو وتطوير جذورها والدفاع عن نفسها ضد الآفات.
وقال المؤلف المشارك في الدراسة جوزيف إيكر "يمكن أن توفر بيانات جينوم نبتة الولفيا رؤية مهمة حول كيفية تطوير النباتات خطتها التنظيمية"، مضيفا أن "الفكرة تكمن في إمكانية استخدام نبات بسيط تماما مثل الولفيا لفهم الوظائف الأساسية التي تجعل النبات نباتا".
وحسب جوزيف إيكر فإنه "يمكن أن يصبح هذا النبات نموذجا مختبريا جديدا لدراسة الخصائص المركزية لسلوك النبات، بما في ذلك كيفية مساهمة الجينات في الأنشطة البيولوجية المختلفة".
مغذية مثل فول الصويا؟
ونظرا لخصائصها المغذية، فإن الولفيا تعد جزءا من النظام الغذائي للعديد من شعوب دول جنوب شرق آسيا، بما في ذلك لاوس وبورما وتايلند. وتنمو هذه النبتة في المياه العذبة في جميع القارات، باستثناء القارة القطبية الجنوبية، مما يجعلها موردا متاحا في العديد من المناطق.
وأثبتت نتائج مسح شامل أجراه فريق كلاوس أبنروث من جامعة يينا (University of Jena) الألمانية نُشر في مجلة "فرونتيرز إن كيميستري" العلمية (Frontiers in Chemistry) الصفات الغذائية لنبتة الولفيا.
واعتمادا على الأنواع الفرعية، تحتوي الحصة الواحدة من نبات الولفيا الجاف على ما بين 20 و30% من البروتين، في حين تحتوي الصويا على حوالي 36%؛ وما بين 10 و20% من النشا، وما بين 1 و5% من الدهون، وحوالي 25% من الألياف.
وتعتبر الولفيا من النباتات الغنية بالحديد والبوتاسيوم، غير أنها تحتوي على نسبة ضئيلة من الصوديوم، مع وجود آثار لبعض المعادن المفيدة الأخرى مثل الزنك والمنغنيز. كما تحتوي على مستويات عالية من الكاروتينات وافيتامين إي (E) والفايتوستيرول.
الكافيار الأخضر
وبدأ سيريل هيس وميلاني بينجيلي، وهما طالبان في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ (ETH Zurich) زراعة هذه النبتة الشهيرة بهدف تذوق ما أسموه "الكافيار الأخضر". وبالنسبة لهم، يمكن أن تصبح الولفيا طعاما خارقا للأشخاص النباتيين بالنظر للعناصر الغذائية التي توفرها.
وطوّر الطالبان حوضا مائيا يسمح بزراعة الولفيا، وتمكنا من إنتاج ما يصل إلى 1.5 كيلوغرام من النباتات يوميا. ومع ذلك، يتعين عليهم تأمين الحوض خاصة ضد الأمراض القادرة على تلويث النباتات، والحصول على موافقة سلطات الاتحاد الأوروبي قبل تسويق هذا الطعام الجديد. وفي الوقت الذي يبحث فيه العلماء عن مصادر بديلة للبروتين الحيواني قد تبدو الولفيا حلا مناسبا.