وكالات - النجاح الإخباري - قد تبدو البحيرات والغابات والضباب والثلوج في شبه جزيرة كولا، في أقصى شمال روسيا، وكأنها مشهد أخاذ من قصة خيالية، ولكن غطاء معدنيًا ثقيلًا صدئًا، مثبتًا بأرضية خرسانية وسط هذا الجمال الطبيعي، قد يكون بالنسبة للبعض فوهة الجحيم.
وتعتبر "بئر كولا" التي يبلغ عمقها 12.2 كيلومترًا، أعمق فتحة حفرها الإنسان في الأرض، لدرجة أن السكان المحليين يقسمون أنهم يسمعون منها، صرخات الناس الذين يعذبون في الجحيم، وقد استغرق حفرها 20 عامًا، قبل أن يُتوقف عند هذا الحد في ظل الفوضى السائدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، والذي يعتبر نحو ثلث الطريق المستهدف في استكشاف القشرة الأرضية، وفقًا لموقع "بي بي سي".
وكانت القوى العالمية العظمى في فترة الحرب الباردة، تتبارى في الحفر للوصول إلى أعمق نقطة ممكنة داخل القشرة الأرضية، على أمل استكشاف وشاح الأرض (الطبقة التي تقع تحت القشرة الأرضية)، في حين يخطط اليابانيون اليوم لتحقيق رقم قياسي جديد في هذا الأمر.
ويقول شون توتشكو، مدير برنامج "الوكالة اليابانية لعلوم الأرض": "يعتبر هدف المشروع الجديد، الحصول على عينات من الوشاح كما هي عليه اليوم"، ويضيف: "يمكنك الحصول على عينات من الوشاح، بالقرب من سطح الأرض في أماكن مثل عمان، لكنها كما كانت عليه منذ ملايين السنين، أي أنها أشبه بعظم ديناصور متحجر بالنسبة لديناصور حي".
وإذا شبهنا الكرة الأرضية بالبصلة، ستكون القشرة الأرضية هي قشر الكوكب الرقيق، الذي يبلغ سمكه 40 كيلومترًا فقط، في حين يعتبر الوشاح الذي يبلغ سمكه 4000 كيلومتر هو اللب، الذي يتسابق العلماء في أنحاء العالم لاستكشاف أغواره غير المعروفة، مثلما يتسابقون لاستكشاف الفضاء، والفرق الوحيد أن الأميركيين لم يفوزوا هذه المرة، في الواقع لم يفعل ذلك أحد!
وبدأ العلماء الأميركيون أول خطة جادة لاستكشاف الوشاح، من خلال مشروع "موهول" في أواخر خمسينيات القرن الماضي، وحاولوا الحفر في قاع المحيط الهادئ قبالة جزيرة غوادالوبي بالمكسيك، لأن أرق مناطق القشرة الأرضية تقع في المحيطات، إلا أن المشكلة هي وجودها في أعمق نقطة هناك، كما بدأ السوفييتيون الحفر في القشرة الأرضية بالدائرة القطبية الشمالية عام 1970، في حين باشر برنامج الحفر القاري الألماني هذه المهمة في بافاريا عام 1990، وحقق عمقًا نهائيًا بلغ 9 كيلومترات.
وواجه مشروع "موهول" الأميركي عام 1961 العديد من المشاكل، إذ لم يكن التنقيب عن الغاز والنفط في أعماق البحار ممكنًا في وقتها، وبالتالي كانت الآلات المستخدمة في الحفر أقل تطورًا، وبعضها لم يكن قد اخترع بعد، في حين كان التحدي الأكبر الذي واجهه الألمان، هو محاولة حفر فتحة عمودية قدر الإمكان، والتقنية التي ابتكروها معتمدة اليوم لحفر حقول النفط في العالم، إلا أنها لم تساعدهم سوى في الوصول إلى 7.5 كيلومترات عموديًا، ثم انحرف اتجاه الحفر بعدها.
ويذكر أن كل البعثات إلى باطن الأرض انتهت بخيبات الأمل، إما بسبب بدايات خاطئة، أو بسبب التكلفة أو السياسة (ألغى الكونغرس الأميركي تمويل مشروع موهول بعد أن وصلت تكلفته لـ 40 مليون دولار بقيمة عملة اليوم)، أو بسبب درجات الحرارة العالية التي ترتفع كلما حفروا باتجاه الداخل (توقف مشروع بئر كولا عام 1992، عندما وصلت درجة الحرارة في العمق إلى 180 درجة مئوية، وتوقف التمويل أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي)، مما حول أحلامهم بتحطيم الرقم القياسي لأعمق حفرة، إلى هباء منثور.