النجاح الإخباري - يعد الطبيب وعالم البكتريولوجيا الاسكتلندي، ألكسندر فلمنغ، واحداً من أبرز العلماء في تاريخ البشرية. فبمحض الصدفة، تمكن الأخير من تحقيق اكتشاف علمي ساهم في تطور الطب وإنقاذ البشرية من أمراض عديدة لطالما أنهكتها.
قبل سنة 1928 تميزت الحياة المهنية لفلمنغ بكثرة العثرات فعلى الرغم من أبحاثه العديدة التي أجراها خلال الحرب العالمية الأولى والسنوات التي تلت نهاية هذا النزاع العالمي لم يتمكن الرجل الاسكتلندي من تحقيق إنجازات تذكر حيث تم تقزيم دوره العلمي بشكل كبير .
وخلال فترة الحرب العالمية الأولى، التحق فلمنغ بالجيش البريطاني ليعمل كطبيب ميداني على جبهة القتال الغربية. وتزامناً مع تواجده داخل المستشفيات الميدانية، لاحظ أن الجروح والعدوى أهلكت العديد من الجنود المصابين. وأثناء علاجه لهم، أجرى الطبيب أبحاثاً عديدة أكد من خلالها أن لا قيمة تذكر للمطهرات التي تستخدم لعلاج الجنود المصابين بل على العكس، فقد نوّه أن مثل هذه المواد مضرة بخلايا الجسم ولا قدرة لها على القضاء على البكتيريا اللاهوائية. وخلال تلك الفترة رفضت الجمعيات العلمية البريطانية مقترح فلمنغ حول المطهرات على الرغم من تشبث الأخير بفكرته.
وعقب نهاية الحرب العالمية الأولى، عاد فلمنغ نحو مختبره بمستشفى سانت ماري بلندن لمواصلة أبحاثه. وفي حدود عام 1922 حقق إنجازاً علمياً غير مسبوق، حيث أقدم على وضع مخاطه عقب إصابته بنزلة برد حادة داخل علبة بتري. وبعد إجراء عدد من الأبحاث حوله، أثبت فلمنغ وجود إنزيم يحمل اسم ليزوزيم يعمل كمضاد فعال ضد بعض أنواع البكتيريا.
ومطلع عام 1927، باشر الطبيب بإجراء عدد من الأبحاث على خاصيات المكورة العنقودية (Staphylococcus) داخل مختبره. وخلال أيلول/سبتمبر 1928 وبعد نهاية إجازته التي استمرت شهراً كاملاً، عاد فلمنغ إلى مختبره لتفقد عدد من مزارع بكتيريا المكورة العنقودية التي تركها قبل بداية الإجازة ليكتشف حينها انتشار أحد الفطريات بإحدى مزارعه.
للوهلة الأولى سعى فلمنغ للتخلص من هذه المزرعة، لكنه تراجع عن ذلك حال ملاحظته خراب مستوطنات المكورة العنقودية القريبة من هذا الفطر وسلامة بقية المستوطنات البعيدة. وعلى أثر ذلك أقدم الطبيب الاسكتلندي على عزل هذا الفطر وجعله يتكاثر داخل مزارع أخرى، مؤمناً بقدرته على إنتاج مادة غريبة قاتلة للبكتيريا.
وخلال الفترة التالية، أعلن فلمنغ انتماء هذا الفطر لجنس البنيسيليوم ليطلق في حدود آذار/مارس 1929 اسم "البنسلين" على المادة التي يفرزها هذا الفطر.
كما واجه فلمنغ، طيلة فترة الثلاثينات، صعوبة في زراعة هذا الفطر وعزل مادة البنسلين التي تم إثبات دورها كمضاد حيوي قادر على القضاء على العديد من أنواع البكتيريا، خاصة تلك المسببة للالتهاب الرئوي والتهاب السحايا والحمى التيفودية والسيلان، لينتظر العالم أواخر الثلاثينات حتى يتمكن الباحثان هاوارد فلوري وإرنست تشين، بتمويل من الحكومتين البريطانية والأميركية، من إجراء تجارب إضافية وإنتاج البنسلين بكثافة، والذي تم استخدامه خلال فترة الحرب العالمية الثانية لعلاج جنود الحلفاء المصابين.