النجاح الإخباري - غزة - (وكالة أنباء العالم العربي) - في غمرة الحرب التي تدك قطاع غزة وتنتشر في سمائها كسحابة سوداء تغطي أفق الأمل وتعصف بالأحلام، تتجلى الصورة القاسية لمدخرات العمر المفقودة بين ركام المنازل المدمرة. حالة يأس يعيشها سكان القطاع الساحلي الضيق في الشهر الخامس للحرب الإسرائيلية الشعواء عليه، ولم يعد السكان يجدون ما ينفقون منه بعدما استنفذوا كل خياراتهم، فأصبح كثيرون منهم جوعى ليلا ونهارا، لا يجدون من يطعمهم أو يؤمنهم من خوف العمليات العسكرية.
ويواجه قطاع غزة أزمة إنسانية خانقة مع نقص المساعدات التي تصل إليه بسبب الاحتجاجات التي تنظمها عائلات الرهائن الذين تحتجزهم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والفصائل الفلسطينية الأخرى عند المعابر، مما يمنع دخول شاحنات المساعدات إلى القطاع. وفي الوقت نفسه، تعاني وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) هي الأخرى من أزمة حادة بعدما أوقفت دول تمويلها على إثر اتهامات إسرائيلية بمشاركة موظفين من الوكالة في هجمات السابع من أكتوبر تشرين الأول التي شنتها حماس على إسرائيل.
ويستفيد من خدمات الأونروا 1.7 مليون فلسطيني من أصل 2.3 مليون نسمة يقطنون قطاع غزة.
على ضفاف هذه الحياة البائسة، تتجسد معاناة فقدان مدخرات العمر لمحمد هلال وغيره من أهالي غزة، الذين يتصارعون مع واقع مرير تغلبت عليه رياح الحروب واندثرت في أعماقه الأحلام.
كان هلال يخطط لزفاف ابنه، لكن خططه انهارت كلها بفعل الحرب الإسرائيلية المميتة، وباتت مدخراته وكأنها أوراق مالية في بورصة اليأس، تتبدد وتنهار أمام عينيه دون أن يجد سبيلا للنجاة من هذه العاصفة.
وقال هلال إن كل مدخراته، التي كانت يخطط لإنفاقها على زفاف نجله، تبددت.
وأضاف في حديثه إلى وكالة أنباء العالم العربي (AWP) "كان لدي نحو عشرة آلاف دولار هي تحويشة العمر لزفاف ابني، أنفقتها كلها خلال الحرب على أشياء كان يمكن أن نشتريها في الظروف العادية بأقل من ألف دولار، الأسعار تضاعفت أكثر من عشر مرات". وتابع قائلا "الكارثة أنه لم يبق لدينا أي شيء، لا ندري كيف سنعيش في اليوم التالي (للحرب)، والمساعدات لا نراها إلا في حالات قليلة جدا".
ولا يمتلك أهالي قطاع غزة سوى القليل من الخيارات، حيث وجدوا أنفسهم مضطرين إلى بيع ما تبقى من ثرواتهم البسيطة، سواء كانت سيارات أو مصوغات ذهبية، في محاولة لتأمين لقمة العيش اليومية. ويشكو صابر نصر مما أسماها "حالة استغلال غير مسبوقة" في قطاع غزة.
وقال نصر لوكالة أنباء العالم العربي "كل شيء في القطاع تحول إلى سوق سوداء. كانت زوجتي تدخر مصوغات ذهبية قيمتها نحو ثلاثة آلاف دينار أردني (يتعامل أهالي غزة بالدينار الأردني والشيقل الإسرائيلي والدولار)، وعندما قررنا بيعها لتأمين الغذاء، نزلت قيمتها إلى 2500 دينار".
ويحاول محمد أبو شنب أن يبيع سيارته التي اشتراها العام الماضي، لكنه لم يجد حتى الآن من يشتريها. ويقول إن الحال وصل به إلى عرض سيارته بأقل من نصف سعرها، ومع ذلك لم ينجح حتى الآن في العثور على مشتر. وأضاف "لا طعام لدينا، أطفالنا ينامون جوعى، وبورصة الأسعار مرعبة جدا، الكيلوغرام الواحد من الطحين الذي كان سعره أقل من دولار واحد وصل اليوم إلى 20-30 دولارا، وهذا شيء لم نتوقعه حتى في أسوأ كوابيسنا".
وروى أبو شنب، الذي نجا من قصف منزله، أنه كان يدخر بعض الأموال في بيته في شمال قطاع غزة، إلا أنه لم يستطع العثور عليها بعدما تحول منزله إلى ركام. ومضى قائلا "أعرف كثيرين مثلي، ضاعت تحويشة العمر الخاصة بهم تحت الركام".