نابلس - النجاح الإخباري - بعد ساعات من إعلان التوصل إلى صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس ودولة الاحتلال وهدنة مؤقتة، ظهر ثلاثي مجلس الحرب، رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت وعضو مجلس الحرب بيني غانتس، ليؤكد على استمرار الحرب حتى تحقيق أهدافها كاملة.. فهل تستأنف دولة الاحتلال هجماتها بعد الهدنة المؤقتة مباشرة لتحقيق تلك الأهداف؟
الكثير من السيناريوهات تلوح في الأفق القريب والتي ربما لا تخلو من عنصر المفاجأة الذي قد يؤدي إلى واحد من اثنين: إما المزيد من التصعيد، وإما المزيد من الهدوء.
وفي المؤتمر الصحفي لثلاثي الحرب أمس الأربعاء، قال نتنياهو "لقد حددنا أهداف الحرب بوضوح وهي القضاء على حماس، وإطلاق سراح الرهائن، وأن نكون متأكدين أنه في اليوم التالي للحرب لن تشكل حماس تهديدا لإسرائيل".
وأشار إلى أن التوصل لاتفاق تبادل الأسرى والهدنة المؤقتة في غزة هو نتاج ضغط عسكري هائل وضغط دبلوماسي مستمر.
ودارت أسئلة الصحفيين في المؤتمر في فلك احتمالية الأخطاء الصغيرة وكيفية العمل حال وجود تهديد قريب من جنود الاحتلال، وهو ما رد عليه نتنياهو بقوله "إزالة الخطر لا يحتاج لقرار سياسي". وقد يكون هذا أحد ألغام حقل الصفقة قصيرة المدى.
لكن رغم حقل الألغام، تنظر حركة حماس ودولة الاحتلال إلى الصفقة بنظرة إيجابية، وكل يسعى لتحقيق أهدافه. وعلى الرغم من صغر هذه الصفقة من ناحية عدد المفرج عنهم من الفلسطينيين قياسا بصفقات سابقة أُطلق فيها سراح أكثر من ألف فلسطيني مقابل جندي واحد مثل صفقة الجندي جلعاد شاليط، فإن الصفقة الأحدث تُظهر استعداد الطرفين للتفاوض وبالتالي إمكانية تغيير الخطوط الفاصلة التي وضعها كل طرف لانتهاء الحرب.
* المفاجأة المتوقعة
بالعودة إلى معارك سابقة بين حركة حماس والاحتلال، يظهر قدر كبير من التربص من كلا الطرفين، وقفز عنصر المفاجأة إلى الواجهة.
ففي الحرب التي شهدها قطاع غزة في عام 2014، وبعد معارك على مدى 30 يوما، توصل الطرفان لاتفاق هدنة مؤقتة مدتها 72 ساعة. لكن سرعان ما انهارت الهدنة بعدما انطلق صاروخ من قطاع غزة. وقالت حماس إنه صاروخ "مشبوه" ليس منها، ورد الاحتلال بمحاولة اغتيال قائد الجناح العسكري للحركة محمد الضيف، الذي نجا من الهجوم.
وحينها سادت تقديرات لدى حماس بأن دولة الاحتلال هي من افتعلت قصة إطلاق صاروخ من غزة للقضاء على الضيف الذي عملت بمكان تواجده فاعتبرته صيدا ثمينا لا يمكن تفويته رغم التهدئة.
وإذا حدث وأكدت دولة الاحتللا التزامها بعدم تحليق طيران الاستطلاع لفترات مؤقتة فوق قطاع غزة، فإن لديها سلاحا آخر على الأرض والمتمثل في "العملاء" الذين يمكن أن يزودوها بمعلومات. فهل ظهور "صيد ثمين" يمكن أن يؤدي لهجمات إسرائيلية توقف التهدئة؟
يظل هذا السيناريو مطروحا، وقد يحدده حجم ووزن الصيد الثمين الذي يعطي الاحتلال صورة النصر من جهة، ويختصر مسافات كبيرة نحو تحقيق هدف إنهاء الحرب الشامل من جهة أخرى.
* المباغتة
قبل يوم من سريان هدنة مؤقتة في حرب 2014، نفذت حركة حماس هجوما مباغتا تمكنت فيه من خطف الجندي شاؤول آرون وقتل آخرين من مسافة صفر، بعدما أوقعت قوة إسرائيلية في كمين. تلك الحادثة تعيد إلى الأذهان اللحظات التي تسبق التهدئة الحالية، وتثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه المرحلة ستشهد مفاجآت ومباغتات أم لا.
ويرى محللون أن الصورة الراهنة لحركة حماس لا يبدو منها أنها راغبة في عمليات مباغتة مشابهة لما حدث عام 2014. فالحركة لم يكن لديها في ذلك الوقت أي رهائن إسرائيليين، ومن ثم كانت تحتاج إلى ورقة مناورة قوية. لكن هذه المرة لديها الكثير من الأسرى الجنود، وبالتالي فإن عنصر المباغتة لن يكون في مثل هذا الركن، وإن كان هذا لا يُسقط إمكانية ظهور عنصر مفاجأة آخر قد يقفز من زاوية أخرى.
أما دولة الاحتلال، فقد تلجأ هي الأخرى إلى عنصر المباغتة قبل سريان اتفاق التهدئة، ولربما لن تتردد في اغتيال شخصيات سياسية أو عسكرية لحماس إذا ما ظهرت إلى العلن قبل سريان الاتفاق، أو إذا تمكنت من تحديد مواقعهم. وربما تلجأ أيضا إلى خطوات مثل هذه خارج قطاع غزة كما حدث عند اغتيال قيادي كبير في كتائب القسام يوم الثلاثاء الماضي داخل الأراضي اللبنانية.
ونعت كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، في بيان القيادي خليل الخراز في غارة إسرائيلية نفذتها على جنوب لبنان، وقالت إنه عمل في دعم وإسناد المقاومة في الداخل والخارج "وكانت له بصمته الجهادية في الميدان".
وفي جميع الأحوال، سيحاول كل طرف أن يكون صاحب اليد العليا قبل دخول التهدئة حيز التنفيذ.
* المسار السياسي
رغم ترحيب السلطة الفلسطينية بوقف إطلاق النار المؤقت، وتأكيدها على ضرورة وجود مسار سياسي يؤدي إلى حل سلام شامل، لا تزال الظروف غير مهيأة لمثل ذلك السلام.
فهذه الصفقة بمفردها غير كافية حتى لتحقيق وقف إطلاق نار دائم في قطاع غزة، ولا يزال الطريق غير معبّد للحديث عن حل شامل وعادل يتضمن رفع الحصار المستمر عن القطاع، ووقف الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، والاعتراف بدولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
لكن تظل هذه الصفقة فرصة لبناء حوار بين الطرفين، ولتشجيع الوساطة الدولية والإقليمية لدفع عملية السلام إلى الأمام، والوصول إلى حلول جذرية ودائمة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ويرى المحللون أنه إذا ما نجحت غزة في الحصول على وقف إطلاق نار شامل بموجب اتفاق ينهي حكمها الإداري في غزة، فهي لن تقبل أن تكون السلطة الفلسطينية هي البديل، وربما تذهب إلى خيارات أخرى لإدارة القطاع مثل شخصيات أظهرت انشقاقا عن حركة فتح التي يرأسها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وباتت هذه التحركات واضحة خاصة عندما أعلنت حماس استقبالها وزير الخارجية الأسبق وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح ناصر القدوة الذي عاقبه الرئيس الفلسطيني بفصله من اللجنة، ورئيس جهاز الأمن الوقائي السابق في غزة محمد دحلان الذي يرأس التيار الإصلاحي في حركة فتح. وهذه الرسالة قد تكون لأجل فتح مسارات سياسية خلال فترة الهدوء القصيرة وقد يتمخض عنها اتفاق سريع يؤدي إلى إطالة أمد وقف النار وصولا لوقف دائم.
وأعرب دحلان أمس الأربعاء على منصة إكس ترحيبه بإعلان الهدنة وعملية تبادل المحتجزين، وطالب المجتمع الدولي "بضرورة العمل والتفاني من أجل تحويل هذه الهدنة المحدودة إلى وقف شامل وممتد لإطلاق النار، وإنهاء هذه الحرب الوحشية على أهلنا في قطاع غـزة".
بالمجمل، تظل هذه السيناريوهات واردة الحدوث، لكن الاعتقاد الأكبر هو أن تصل الهدنة المؤقتة إلى عشرة أيام وبعدها سترفع حركة حماس ثمن الرهائن عندما تصل إلى مرحلة الجنود، وحينها قد تطلب انسحاب الآليات العسكرية من غزة وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين تصنفهم دولة الاحتلال بكلمة "الأمنيين" وممن عليهم أحكام عالية وتصفهم بالملطخة أيديهم بالدماء، وهو ما يعني تغير المواقف وزيادة الضغط بين الطرفين سواء سياسيا أو عسكريا.
وهذا كله يظل رهن تطورات الأحداث في الميدانين العسكري والسياسي والتي باتت حبلى بالمفاجآت، ولا ينقص أي سيناريو سوى خطأ صغير مقصودا كان أو غير مقصود، أو بنيران صديقة.