خالد الحروب - النجاح الإخباري - بكل ضغط لفورة الأعصاب، نحاول رؤية العُشر الملآن من قرارات قمّة الرياض التي توسّعت إلى 31 بنداً. كثيرون لم ينتظروا كثيراً من القمّة التي تأخّرت بشكلٍ مخجل، مع ذلك وحتى نبقى إيجابيين، نتوقف عند أهم ما ورد في بيان القمّة على شكل "قرارات"، ونتمسّك بما ألزمت الحكومات العربية والإسلامية نفسها، ونطالب بتطبيقه على الفور. بعيداً عن مجمل القرارات التي لا تتجاوز نداءاتٍ ورطانةً لغوية ومطالباتٍ لمجلس الأمن أو لإسرائيل أو للمبني للمجهول للقيام بهذا الأمر أو ذاك، فإن "القرار" الأهم الذي تضمّنته ورد في البند الثالث، ويقول: "كسر الحصار على غزّة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية، وتأكيد ضرورة دخول هذه المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقهما وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل، ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا)". ثم يأتي البند الذي يليه في السياق نفسه، مسانداً مصر، ناصّاً على "دعم كل ما تتخذه جمهورية مصر العربية من خطواتٍ لمواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزّة، وإسناد جهودها لإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل فوري ومستدام وكافٍ".
برغم خيبة الأمل المتوقّعة من تسعة أعشار مخرجات القمة العربية الإسلامية، نريد من الحكومات العربية الشروع بتطبيق "قرار" كسر الحصار على غزّة. ويأخذ هذا القرار سمة دولية، لأنه صادر عن منظمتين دوليتين، جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، بعضوية تتجاوز ربع دول العالم، ويتعلّق بالإقليم الذي أنشأ هاتين المنظمتين من أجله. وجاء النص المذكور تحت العنوان العريض "قرارات" القمّة، أي إنه ليس نداءً أو مطالبة، بل يقرّر مباشرة كسر الحصار. على ذلك، تنتظر الشعوب العربية والإسلامية التي تمثلها هاتان المنظمتان آلية تنفيذ هذا القرار.
رغم خيبة الأمل من تسعة أعشار مخرجات القمة العربية الإسلامية، نريد من الحكومات العربية الشروع بتطبيق "قرار" كسر الحصار على غزّة
هناك منفذان أساسيان لكسر الحصار، معبر رفح وبحر غزة وميناؤها، عبرهما يجب أن تتجسّد آليات التنفيذ. يقع معبر رفح من ناحية دولية تحت السيادة المصرية من الجانب المصري والفلسطيني من جانب القطاع، ولا وجود لإسرائيل عليه، ويجب أن تُكف يدها بإصرار وقوة عن التدخل في إدارته في أي وقت كما في الوقت الراهن. ولكن خلال أزيد من شهر مضى، كان السؤال الكبير والمرير الذي يحلّق في سماء الحرب الإبادية: لماذا تقبل مصر تدخّلاً إسرائيلياً، وسيطرة عملية على المعبر، تحدد من خلالها ما يدخُل إلى غزّة وما لا يدخل من مساعدات متكدّسة في مطار العريش. في الأيام الأولى من الحرب، دخلت بعض الشاحنات مباشرة من المعبر برعاية مصرية، ثم لاحقاً جرى الخضوع للتهديدات والاشتراطات الإسرائيلية التي فرضت قيوداً مستحيلة على دخول الشاحنات التي صارت تسير مسافاتٍ طويلة إلى الطرف الآخر من الحدود الغزّية لتفتّشها إسرائيل ثم تعيدُها إلى مصر، ثم تعود ثانية، لتقطع أكثر من مائة كيلومتر ذهاباً وإياباً في رحلاتٍ هدفها الإعاقة ليس إلا. هذا الأمر يجب أن ينتهي فوراً مع قرار القمة العربية - الإسلامية، ويجب أن تعود سيادة المعبر لمصر، وأن تقوم بإدخال الشاحنات إلى القطاع عنوة ورغم أنف إسرائيل. طبعاً، ستهدّد هذه الأخيرة بقصف قوافل الإغاثة في هذه الحالة. وهنا يجب أن يتبلور موقف مصري وعربي وإسلامي وأممي عنيد يواجه الغطرسة الإسرائيلية، ويرفض إملاءات إسرائيل وتهديداتها. وعملياً، يمكن ذلك عبر تجهيز مئات الشاحنات التي تحمل أغذية وأدوية ووقوداً، وترفع أعلام مصر والأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي وكل المنظمات الدولية وأعلام الدول التي أرسلت طائرات المساعدات، وتدخل إلى غزّة. ولإنهاء أية مسوغات أمنية، يمكن لمصر أن تتوافق مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي على آلية سريعة لتفتيش هذه القوافل قبل دخولها القطاع، وبذلك يُبطَل المسوّغ الأمني الذي تتذرع به إسرائيل. ولو افترضنا أن هذه القوافل تحمل أعلام 20 دولة، إضافة إلى علم مصر التي تقود القوافل، فضلاً عن علم الأمم المتحدة، فإن إسرائيل ستفكّر مليون مرة قبل الاعتداء عليها. وحتى لو حاولت إعاقتها وتخويفها تحت سمع وبصر الإعلام المكثف الذي يجب أن يرافق هذه القوافل، فإن الحملة ذاتها كفيلةٌ بالدفع المتواصل العملي لكسر الحصار. بعد مرور كل هذا الوقت من حرب الإبادة، صار المزاج العالمي مُتقبلاً أية خطوة من هذا النوع، وستحظى بقبول ودعم على أوسع نطاق.
علينا توجيه نداءات إلى كل الدول التي حضرت القمّة، وصدر البيان باسمها، أن توجّه كل منها عدة سفن إغاثية إلى بحر غزّة تطبيقاً لقرار كسر الحصار
يترافق ذلك كله مع ضرورة أن تسهل مصر وصول مئات الإعلاميين الراغبين في الدخول إلى القطاع، وكذلك تسهيل وصول ألوف الأطباء والممرضين الذين تطوّعوا للقدوم إلى غزة. يحوّل ذلك كله معبر رفح الى حركة عالمية وورشة تضامن عملي، تنتهي بكسر الحصار، على الضد من همجية إسرائيل التي تفرض إرادتها على العالم بعنجهية فائقة التصوّر، فيما تواصل حربها الإبادية الوحشية على القطاع وأهله.
المنفذ الثاني الذي يُكسَر الحصار من خلاله هو البحر والمياه الدولية. علينا توجيه نداءات إلى كل الدول التي حضرت القمّة، وصدر البيان باسمها، أن توجّه كل منها عدة سفن إغاثية إلى بحر غزّة تطبيقاً لقرار كسر الحصار. لنا أن نتخيّل، أو نحلم، توجّه مائة سفينة إغاثية إلى شاطئ غزة ترفع أعلام دولها وأعلام الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الإغاثية، إضافة إلى سفن المتضامنين، وكيف سيعمل مشهدٌ كهذا على المساعدة في كسر الحصار، إن لم يكسره تماماً. لن تستطيع إسرائيل قصف كل هذه السفن، حتى لو كانت 20 سفينة فقط. ولنا في حادثة سفينة الإغاثة التركية مرمرة (مايو/ أيار 2010)، وكانت واحدةً ويتيمة، درسٌ بالغ الأهمية، حيث أحرجت إسرائيل، واستمرّت قضية الهجوم عليها عدة سنوات، ورفعت قضايا قانونية وحقوقية، ربما ما زال بعضها مستمراً. تريد الشعوب العربية والإسلامية آليات مثل هذه، وربما غيرها، لتطبيق كسر الحصار، وعدم انتظار موافقة إسرائيل على كل قطعة خبز وحبّة دواء تصل إلى أهلنا في القطاع.
لا يحتاج بقية ما ورد في البيان المُطوّل للقمّة لكثير تعليق، فهو مما تعودناه من لغو وإنشاء، مُفخم أحياناً كثيرة، تهدف نبرته اللغوية إلى إخفاء غياب الفعل. ومن ذلك ترداد المطالبات والإدانات التي لا تليق بمن يُفترض أنهم صنّاع قرار، لا صاغة نداءات، فهذه الأخيرة صنعة جمعيات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني التي لا تملك سوى المناشدة، وتعجز عن تغيير مآلات السياسة. لن نتوقّف عند إهمال البيان توكيد حقّ الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بكل الأشكال وفق ما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة من حقوق للشعوب المُستعمرة، وما كرّرته قراراتها اللاحقة ولوائح القانون الدولي. إمعاناً في التخادع وإيغالاً في حسن النية، سنعتبر ذلك سهواً لا سوء طويّة، تقديماً للعشر الملآن، وتنفيذ قرار الحدّ الأدنى، كسر الحصار، ونتغافل عن التسعة أعشار الأخرى.