د.عدوان عدوان - النجاح الإخباري - استولى المسلمون على شبه الجزيرة الأيبيرية باستثناء صخرة (كوفادونجا) كما يسميها الإسبان، وقد استهان بها المسلمون، حتى إنّ قائدهم اللخمي قال عن المقاومين فيها: "ثلاثون علجا ما عسى يجيء منهم".
لكن صخرة بولاي أصبحت محطة لكل المقاومين المناوئين للحكم الإسلامي، وكبرت قليلا فقليلا حتى تكونت مملكة، وتوسعت المملكة وصارت ممالك، وسنة بعد سنة قويت الممالك، واشتد عودها، حتى طردت الحكم العربي الإسلامي من الأندلس.
وتنبأ الشاعر ابن العسال بعد سقوط طليطلة حصن الإسلام الحصين بسقوط الأندلس كلها قائلا:
يا أهل أندلسٍ شدوا رحالكمُ
فما المقامُ بها إلا من الغلطِ
الثَـوْبُ يُنْسَـلُ مـِنْ أَطْرَافِهِ وَأَرَى
ثَوْبَ الْجَزِيرَةِ مَنْسُولاً مِنَ الْوَسَطِ
وبالفعل نسل ثوب العرب من الأندلس، حتى غادروها خانعين أذلاء بكاة سنة ١٤٩٢م
غزة هي صخرة بولاي العرب والمسلمين المعاكسة التي قال عنها رابين: "أتمنى أن أستيقظ يوماً من النوم فأرى غزة، وقد ابتلعها البحر"، والتي حاول النتن استثناءها والقفز عنها، وعن القضية الفلسطينية برمتها، فقال بما معناه: إنّها موجودة في الواقع، ولكنها غير موجودة في الفعل.
اليوم يقول كثير من سكان هذه المستعمرة الغربية المتقدمة: "الدولة لم تعد مكانا آمنا للسكن"، أليس هذا ما قاله ابن العسال سابقا؟
الدولة الصهيونية التي اكتملت عسكريا واقتصاديا وسياسيا بدأت بالتراجع، بل الغرب بقضه وقضيضه في نكوص وتقهقر، فلا يوجد اكتمال إلا ويتبعه نقصان، وإذا رجعنا إلى مدرسة الأندلس أم العبر والحكم، وقرأنا ما قاله أبو البقاء الرندي فسنجد لسان الحال يحاكينا:
لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَا تَمَّ نُقْصَانُ
فَلَا يُغَرَّ بِطِيبِ العَيْشِ إِنْسَانُ
هِيَ الأُمُورُ كَمَا شَاهَدْتَهَا دُوَلٌ
مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ سَاءَتْهُ أَزْمَانُ
إذا رجعنا فسنجد أنّ هذا سينطبق على دولة الغرب في الشرق، وعلى كل دولة في العالم، فسنة الحياة التغير والتبدل والميلاد والموت، ومياه النهر متغيرة، والثابت الوحيد هو المتغير.
غزة ستكون صخرة بولاي الصلبة التي يتحطم عليها كل مخيال الغرب الاستعماري، غزة ستكون الميلاد، هي أيام صعبة، وثقيلة لكن الحلم الفلسطيني صار يرى ويبصر ويدرك، ويدرس ويُدرّس.