وكالات - أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - ماذا ستجني السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟ استثمار واقتصاد؟ هذا الصباح هبطت العملة المحلية الإسرائيلية بشكل غير مسبوق إلى أكثر من 3.8 شيكل للدولار ليصرح وزير ماليتها المتفائل دوماً بأنه أخطأ في التقديرات، ما يعني انحدار الاقتصاد، هناك عشرات العواصم الأكثر استقراراً والأكثر جدارة للسعودية للاستثمار فيها ... سلاح؟ هذا اليوم بات معروضاً في السوق لمن يدفع، وفي هذا السياق لدى السعودية الكثير لإزاغة أبصار مصنعيه من أحدث الأجيال... مفاعل نووي؟ هذا بالإمكان تحصيله من الصين، فماذا لدى إسرائيل لتعطيه للسعودية؟ بل إنها ستأكل من رأس المال المعنوي السعودي الذي احتفظ بهيبته لعشرات السنين.
في انتظار موافقة إسرائيل على المفاعل النووي السعودي ما يشكل إهانة للسعودية، حيث تقرر إسرائيل للدولة العربية الكبرى نوع وكم وشكل السلاح الذي يمكن أن تمتلكه وتقرر لها إمكانياتها بالدفاع عن نفسها وعن شعبها ....وفي الحديث المتكرر في إسرائيل عن التطبيع مع السعودية كأنها لقمة عادية، ما يشكل إهانة أكبر حين يصورها كطريدة يمكن التقاطها والحصول عليها بلا ثمن، كما قال نتنياهو في إحدى مقابلاته.
إيال حالوتا المستشار السابق للأمن القومي والباحث بمعهد FDD يكتب عن المصالح المشتركة لواشنطن وتل أبيب والرياض، وإذا كان بايدن يتوق لصورة احتفالية يفتتح بها دعايته الانتخابية، وإذا كان نتنياهو سيحصل على زعيمة العالم الإسلامي ليفتتح بعدها دولاً أخرى مؤكداً نظريته بالسلام بلا ثمن، فما هي المصلحة السعودية وخصوصاً أن البيئة المحيطة قد تغيرت في صالح السعودية التي تراكم ممكنات قوة كبيرة. وشهدت إسرائيل هذا القدر من التراجع والضعف، فالجيش في أزمة والاقتصاد كذلك والقضاء ينتظر حبل المشنقة ووهجها الدولي ينطفئ، وتتحول إلى دولة دينية منبوذة يتصدرها وزراء حرق حوارة وآخر يتحدث بعنصرية أخجلت البيت الأبيض.
واذا كانت السعودية بكل هذا الاستغناء وإسرائيل بكل هذه الحاجة، وإذا كانت التغيرات قد جعلت للسعودية اليد العليا، فمن السخرية الحديث عن أي رمشة أو تنازل سعودي وتصلب إسرائيلي، لأن هذا مخالف لأبسط نظريات علم السياسة، بل بالعكس هي فرصة للسعودية لممارسة الفوقية السياسية والحديث من خشمها كما يقول السعوديون.
من سيقنع إسرائيل لو تم التطبيع مع السعودية أن احتلالها وسيطرتها على شعب آخر هو مسألة لاقانونية ولا أخلاقية، من يقنعها بعد ذلك بأن تذهب لطاولة مفاوضات؟ ومن يقنعها بالبحث عن تسويات ما دامت تأخذ كل شيء بلا ثمن؟ هذا ما حاول قوله أول من أمس توماس فريدمان وهو يراقب عبث سياسة الرئيس الهرِم وهو يسير مخالفاً لأبسط قواعد السياسة الأميركية، ومعاكساً لمصلحة الحزب الديمقراطي والمصالح الأميركية من أجل أن يحظى بصورة واحدة فقط سيحطم كل شيء، ويضع ورقة القوة الكاسحة تلك في يد خصمه اللدود نتنياهو؟
بإمكان الأمير القوي في الرياض باعتبار أن لدولته المكانة الأقوى في أضلاع المثلث المذكور أن يبلغ الرئيس بايدن قائلاً "سيدي الرئيس نحن دولة مركزية ولا نمارس السياسة بخفة، ويأخذ علينا المؤرخون والكتاب أننا عميقون لا نتحدث كثيراً ولا نثرثر، نحن حادون ولا تخضع السياسة لدينا لمزادات علنية، نقول كلمة واحدة ونستعد لدفع ثمنها مهما كلف، عمّي الملك عبد الله رحمه الله وبعد أن درسنا أزمة المنطقة ومن منطق رغبتنا قبلكم بإنهاء هذا الصراع في المنطقة قال كلمتنا بمبادرة تمكننا من إلزام الدول العربية كلها بتلك المبادرة، ومنذ عقدين لا زلنا ننتظر الإسرائيلي الذي أضاع كل هذا الوقت والجهد وأسال ما يكفي من الدماء لعقدين، وبالنهاية يعود بشكل ملتوٍ يتحدث بنفس القصة ... اذهب واسأله هل هو مستعد لهذا؟ أما أن نتراجع ونقدم له تنازلاً ويصدق أنه قادر على أن يأخذ كل شيء دون أن يدفع أي شيء وخاصة معنا، فهذا لا يمكننا فعله لأنه سيكلفنا حضورنا وزعامتنا وهيبتنا، وتلك بالنسبة لنا جاءت بجهد الآباء والأجداد عشرات السنين، لا نرى أنه يمكن فقدانها من أجل نتنياهو أو حملتكم الانتخابية".
وبإمكانه أن يواصل مع الرئيس الأميركي قائلاً "عندما قدم عمّي المغفور له المبادرة لسلام شامل وتطبيع كامل كانت البيئة الإقليمية في صالح إسرائيل، وكانت أكثر قوة وحضوراً، أما الآن فهي في صالحنا، وإذا كان بالإمكان العودة للحديث عن التطبيع فنحن من حقنا أن نجري تعديلات على المبادرة تتلاءم مع تلك التغيرات، ومع ذلك لن نفعل لكن أن تتصرف إسرائيل بهذه العنجهية وتريد التحكم بمستوى قدراتنا العلمية الدفاعية وتريد تطبيعاً مجانياً وكأن الدولة السعودية دولة هامشية ومهزومة فهذا لا نقبله".
يكتب إيال حالوتا إن التطبيع مع السعودية هي الكأس المقدس في تثبيت مكانة إسرائيل في الشرق الأوسط وفتح الأفق مع باقي العالم الإسلامي، تعرف إسرائيل أن هذه أكبر مكافأة يمكن أن تحلم بها لكن كلفتها عالية لا يمكن أن تدفعها، حديث إسرائيلي مكثف يقابله صمت سعودي عميق رغم نشاط الحركة، ولكن لو فعلتها السعودية ستكون قد ابتلعت طعماً وقدمت قوتها الناعمة وهيبتها وحضورها على طبق لنتنياهو، وبعدها لا يمكن الحديث عن دولة لديها مؤهلات زعامة في المنطقة، أو دولة ذات شأن يكتب فيها كل الكتاب العرب مقالات نقدية تهاجم انعدام الكفاءة في إدارة السياسة، وهنا نشك أن تكون الرياض بهذه الخفة لأنها تعمل على امتلاك ممكنات القوة وليس إهدارها.