وكالات - د. علي عبد الحميد - النجاح الإخباري - لقد عانت المدن والتجمعات السكانية الفلسطينية ولا تزال تعاني من العشوائية والفوضى في الامتداد والتوسع العمراني وكذلك سوء استخدام الأرض وفي معظم الأحيان تداخل استخدامات الأرض وتوزيعها بشكل عشوائي، ولا شك أن هذه المشاكل ترجع إلى غياب التخطيط السليم والمتوازن لهذه الاستخدامات في إطار التخطيط الشامل على كافة المستويات الوطنية والإقليمية والمحلية بسبب سياسات الاحتلال الإسرائيلي وقوانين التخطيط الطارئة التي فرضت والأطماع الإسرائيلية في التوسع والاستيطان وبما يتناسب مع زيادة الضبط والسيطرة الإسرائيلية على التطور المكاني في الأراضي الفلسطينية.

فالمدن الفلسطينية بشكل خاص تفتقر لنواحي السلامة والجمال والراحة والصحة والعمل. فالشوارع والطرق الرئيسة تكتظ بالسيارات حتى لا تكاد تتحرك والملوثات بجميع أنواعها تملئ المكان فمن تلوث الهواء الى التلوث البصري والسمعي. اما استخدامات الأراضي فقد تداخلت بين سكني وصناعي وتجاري وافتقدت المدن للمساحات الخضراء ولم يعد للأحياء الخصوصية وأماكن للتنزه والترويح. 

اعتقد أن مرد ذلك بل من أهم عوائق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية في المدن، عدم ممارسة الأعمال مهنيا وأداؤها حسب المعايير التخطيطية، بسبب غياب مختصين في مهنة تخطيط المدن أو التخطيط العمراني من جهة، وممارسة مهنة التخطيط من قبل غير المخططين من جهة أخرى، ولا أدل على ذلك من أن الكثيرين ممن هم خارج التخصص يقومون بإعمال المخططين خاصة لدى البلديات الفلسطينية المسؤولة عن تنظيم وتخطيط المدن.

ان تخطيط المدن أو التخطيط العمراني لا يقتصر على تقسيم الأراضي للمخططات الجديدة وتوزيع الخدمات العامة بل لا بد من وضع مخطط شامل للمدينة واستراتجيات واضحة لجميع القطاعات، خطط مبنية على استقراء الحاضر واستشراف المستقبل تمكن من إحداث التغيرات اللازمة وبالتالي التقليل من تأثير المتغيرات والمستجدات المستقبلية، تأخذ بالحسبان التأثيرات الجانبية لاستخدامات الأراضي بما في ذلك الجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية. كل ذلك من اجل الوصول بمدننا لتكون اقل زحاما وتلوثا وأكثر راحة وجمالا ودخلا. وهذا لن يتأتى إلا بتوظيف المخططين المتخصصين لأداء هذه المهمة وليس غيرهم.

في ظل الوضع الحاضر وما تشهده المدن والتجمعات السكانية الفلسطينية من تطور عمراني سريع، إضافة إلى التوجهات التي استحدثت من قبل وزارة الحكم المحلي على صعيد التخطيط التنموي والإستراتيجي والتخطيط العمراني المشترك وتخطيط المناطق الحضرية الكبرى، وكذلك التوجه نحو تعزيز اللامركزية في التخطيط وتقوية دور الهيئات المحلية، إضافة لنقص المخططين لدى البلديات الفلسطينية، فإن الحاجة تبدو ملحة أكثر من أي وقت مضى إلى توفير الكوادر الفنية والعلمية المؤهلة في مجال التخطيط العمراني، مما يساعد في تحسين وتنظيم عملية التطور والتنمية العمرانية المستقبلية وكذلك الحد من العشوائية وسوء التخطيط الذي عاشته الأراضي الفلسطينية وما تزال تعيشه بسبب سياسات الاحتلال.

لقد قامت جامعة النجاح الوطنية بتأسيس برنامج بكالوريوس هندسة التخطيط العمراني في عام 2011 بهدف المساهمة في إعداد مثل هؤلاء المخططين، مما يساهم في مواكبة التطور العلمي على المستوى الوطني والإقليمي. وكذلك تغطية حاجة القطاعين العام والخاص من مخططي المدن. وقد تم تخريج أكثر من 130 مهندس تخطيط حتى الآن، معظمهم يعمل في مؤسسات وجهات لها علاقة بالتخصص داخل وخارج فلسطين. إلا أن القطاع الأقل استيعاباً لمهندسي التخطيط هو قطاع البلديات، الذي هو القطاع الأكثر حاجة لهؤلاء المخططين.

مؤخرأً تم بتطوير الخطة الدراسية لهذا البرنامج وتعديل المسمى ليصبح "هندسة التخطيط وتكنولوجيا المدن" آخذة بالاعتبارات ما يحدث من تطورات عالمية جديدة في مجال تطبيقات الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات والتحول نحو المدن المستدامة والذكية ومدن المعرفة والبلديات الإلكترونية والذكاء الاصطناعي. 

يستطيع خريجو هذا التخصص أن يسهموا في تطوير وتنظيم وإعادة تخطيط مدننا وبلداتنا وقرانا والحد من الكثير من المشاكل التي تواجهها والعمل على توفير بيئة عمرانية وسكنية قابلة للحياة. ومن هنا نوجه الدعوة لجميع مؤسساتنا الفلسطينية ذات الصلة، وعلى رأسها الوزارات المعنية (مثل الحكم المحلي، الأشغال العامة والإسكان، النقل والمواصلات، السياحة والآثار) والبلديات التي تضم أقسام التخطيط والتنظيم وتفتقر إلى المخططين، وكذلك المكاتب الهندسية والاستشارية إلى ضرورة توفير فرص عمل لخريجي هذا البرنامج.