نابلس - النجاح الإخباري - أحدث الكشف عن لقاء من المفترض أن يكون سرّياً، بين وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، ونظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين، زلزالاً على درجات متقدّمة ليس في دولة الاحتلال وحدها.
اللقاء جرى في إيطاليا، بترتيب وزير خارجيتها، الأسبوع المنصرم، وكان حصيلة جهودٍ قامت بها الولايات المتحدة، و"الموساد" الإسرائيلي، وبالتنسيق مع رئيس "حكومة الوحدة" في ليبيا، عبد الحميد الدبيبة.
كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية، قد ألمحت قبل وقوع اللقاء إلى أنّ دولة عربية تتّجه نحو تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ولكنها لم تذكر اسم تلك الدولة إلى أن تمّ الكشف عنها، مُؤخّراً.
وزارة الخارجية الإسرائيلية نفت على لسان وزيرها كوهين أن تكون المسؤولة عن تسريب الخبر، لكنّ الصحافة الإسرائيلية قبل غيرها كشفت عن كذب الوزارة ووزيرها حين نشرت لقاءً مع كوهين استفاض خلاله، وبعُنجهية في شرح ما جرى وأبعاد ذلك باعتباره إنجازاً له ولوزارته.
الوزير الإسرائيلي لم يعد يعرف من أين تأتيه الانتقادات من داخل الكيان ومن خارجه، فإذا كان رئيس "المعارضة" يائير لابيد اعتبر الكشف عن اللقاء عملاً غير احترافي وغير مسؤول وخطيراً وأنّه عار وطني يُخاطر بحياة إنسان (المنقوش) من أجل عنوان رئيس فإنّ "الموساد" له رأي هو الآخر.
يرى "الموساد"، الذي شهدت علاقته بوزارة الخارجية توتّراً شديداً أنّه تعرّض لأضرارٍ كبيرة في مسار تدخُّله بالعلاقات مع الدول العربية بسبب تصرُّف الوزارة.
يعترف "الموساد" بأنّه صاحب دور أساسي وكبير في التدخُّل لإقناع العديد من الدول العربية، وتشجيعها على "تطبيع" علاقاتها مع إسرائيل، ما يشير بوضوح إلى الأبعاد الأمنية لعمليات "التطبيع".
إزاء ذلك وحفاظاً على تماسك الائتلاف الحكومي، لم يفعل نتنياهو شيئاً سوى الإيعاز للوزراء والوزارات الحكومية بالتواصل مع مكتبه حول أيّ لقاء سياسي سرّي، وعدم نشر أيّ تفاصيل إلّا بموافقته، ما يؤكّد، أيضاً، تعزيز البُعد الدكتاتوري في الحكم.
وتواصلاً مع حرص بنيامين نتنياهو على تماسك واستمرار ائتلافه الحكومي فإنّه لا يلجأ إلى اتخاذ أيّ إجراءات بحقّ الوزيرين في الحكومة بن غفير وسموتريتش اللذين لا يتوقّفان عن إحراج وتوريط الحكومة في أوضاعها الداخلية وعلاقاتها الخارجية.
هذا يعني أنّ نتنياهو في الحدّ الأدنى، غير قادرٍ على تصحيح المسارات العنصرية والسياسات الهوجاء التي يديرها كلّ من بن غفير وسموتريتش، والأرجح أنّه راضٍ عمّا يفعلانه. أي أنه إمّا عاجز، أو مسؤول.
الإدارة الأميركية عبّرت عن غضبٍ شديد بسبب الكشف عن اللقاء إذ أرسل جو بايدن رسالة شديدة اللهجة لإسرائيل، ذلك أنّ الكشف عن اللقاء أضرّ بالجهود الأميركية لتعزيز "التطبيع" بين إسرائيل وليبيا ودول عربية أخرى، وتسبّب في زعزعة الاستقرار في ليبيا وبالمصالح الأمنية الأميركية.
الإشارة هنا تذهب إلى الجهود التي تبذلها الإدارة الأميركية من أجل إتمام صفقة لـ "تطبيع" العلاقات الإسرائيلية السعودية، تلك الجهود التي ستتأثّر فعلاً وسلبيّاً بسبب تداعيات فشل "التطبيع" مع ليبيا.
الإدارة الأميركية أكثرت في الفترة الأخيرة من انتقاداتها للسياسة الإسرائيلية، خاصة ما يصدر عن بن غفير وسموتريتش من تصريحات وصفتها بالعنصرية، فضلاً عن عدم التزام إسرائيل بالنصائح الأميركية إزاء خفض التصعيد، والاستيطان، ومسؤولية إسرائيل إزاء إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية.
واضح أنّ العلاقات بين الدولتين تمرّ في أسوأ أحوالها بعد تشكيل الائتلاف الحكومي، وامتناع إدارة بايدن عن استقبال نتنياهو واتّهام الأخير للإدارة بالتدخُّل في الشؤون الداخلية، من خلال موقفها من "التعديلات القضائية".
ثمة خطاب متحدٍّ للإدارة الأميركية، خصوصاً من قبل الوزيرين بن غفير، الذي سبق أن قال، إنّ إسرائيل ليست نجمة في العَلَم الأميركي، ومن قبل سموتريتش الذي اتّهم أميركا بالنفاق وانتهاك حقوق الإنسان.
سموتريتش قال، إنّه لا يجوز للولايات المتحدة أن تقدّم النصائح لإسرائيل وأنّ عليها أن تنظر إلى ما فعلته في العراق وأفغانستان، بينما ابتلعت الإدارة الأميركية لسانها، لأنّ ما صرّح به سموتريتش يتمتّع بمصداقية.
الكشف عن اللقاء أحدث زلزالاً في ليبيا وستظهر تداعياته في المحيط العربي، فلقد آثر الدبيبة أن يعلّق المسؤولية في رقبة وزيرة خارجيته المنقوش، التي تمّ إيقافها عن العمل وتشكيل لجنة تحقيق، ستكون شكلية وغير جادّة.. والأرجح أن يتمّ التهرُّب منها حتى لا تصل المسؤولية في التحقيق لرئيس الحكومة.
الوزيرة المنقوش يبدو أنّها نجت بِجِلدها، وهربت من البلاد، بينما لم يكتفِ المجلس الأعلى للدولة، بما طالب به المجلس الرئاسي "حكومة الوحدة" بأن طالب باستقالة الحكومة.
ما كان كلّ ذلك ليقع، وعلى هذا النحو المزلزل، ليبيّاً وإسرائيليّاً، وأميركيّاً، لولا أنّ الشعب الليبي فاجأ الجميع، بخروجه إلى الشوارع فور نشر الأخبار، مطالباً بوقف جريمة "التطبيع"، واستقالة ومحاسبة المسؤولين عن ذلك.
يُذكّرنا ذلك بالشرارة التي أطلقها الشاب الجامعي محمد بوعزيزي في تونس، والتي أشعلت السهل كلّه بصرف النظر عمّا آلت إليه الأوضاع في المنطقة، ذلك أنّها المرّة الأولى التي يخرج فيها شعب عربي، على هذا النحو لمقاومة ورفض "التطبيع" مع الكيان الصهيوني.
لقد وقعت عمليات "تطبيع" مع أربع دول عربية خلال السنوات الأخيرة، لكن الاحتجاجات كانت محدودة، ولم تمنع أيّ دولةٍ من التراجع.
ما فعله الشعب الليبي، بالتأكيد يُعبّر عن حالة وموقف الجماهير العربية، لكنه وهو الأهمّ، يشقّ طريقاً، ويُقدّم نموذجاً، لكيفية مواجهة وإفشال "التطبيع"، وحافزاً لشعوب عربية أخرى، لأن تسلك الطريق ذاته.