وكالات - سنية الحسيني - النجاح الإخباري - التقى أردوغان وبايدن على هامش قمة الناتو في ليتوانيا قبل يومين، في ظل بوادر صفقة دشنت بين الرجلين، تظهر ملامحها من تصريحات مسؤولي البلدين وتطور الأحداث. وأعلن ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يوم الاثنين الماضي، عشية قمة الناتو في فيلنيوس، في أعقاب جولة مفاوضات خاطفة جمعته بأردوغان ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، أن الرئيس التركي وافق على قبول انضمام السويد إلى الحلف لتصبح العضو الثاني والثلاثين فيه، ولم يُخفِ الرئيس الأميركي في أعقاب ذلك رغبته ودعم بلاده لانضمام السويد للحلف. جاء ذلك في ظل تطور مهم حدث يوم الجمعة الماضي خلال زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لتركيا، تلبية لدعوة أنقرة، في أول زيارة رسمية للرجل للبلاد منذ اندلاع الحرب، أكد خلالها أردوغان استحقاق أوكرانيا للعضوية في الحلف، وقام بتسليم خمسة قادة عسكريين أوكرانيين للرئيس الأوكراني، كانت تحتجزهم أنقره وفق صفقة تسليم أسرى بين روسيا وأوكرانيا، أبرمت العام الماضي بوساطتها، وتعهدت بموجبها، بالتحفظ عليهم في تركيا لحين انتهاء القتال. وتبقى المجر العضو الوحيد المتبقي في حلف «الناتو» الذي لم يوافق بعد على طلب انضمام السويد اليه، بعد موافقة تركيا، الا أن مسؤولين مجريين أكدوا أنهم سيقتادون بسلوك تركيا ولن يعرقلوا عملية انضمام السويد، ما يزيد من أهمية موافقة تركيا على هذا الانضمام. ورغم أن موافقة أردوغان على إرسال بروتوكول انضمام السويد للناتو إلى البرلمان التركي للتصديق عليه، والذي يمتلك تحالف أردوغان فيه للأغلبية، يمنح الرئيس التركي مزيداً من الوقت للمراوغة، لضمان إتمام تلك الصفقة وفق شروط أنقرة، إلا أن أجواء الراحة التي سادت في فيلنيوس تلمح لارتفاع فرص اكتمال الصفقة.
تقدمت السويد بطلب للانضمام إلى «الناتو» في العام ٢٠٢٢، لكن ذلك لم ينجح بسبب عدم قبول تركيا والمجر لذلك، رغم تصديق أعضاء الحلف الـ ٢٩ الآخرين على ذلك. وتميل تركيا لتوسيع عضوية الناتو، الذي تمتلك فيه ورقة الفيتو، مثلها مثل أي عضو آخر في الحلف، لرفض عضوية أي مرشح جديد، ودعمت عضوية جورجيا وفنلندا ولا تمانع عضوية السويد، لكنها كانت تضع شروطاً تتعلق بسياسات داخلية للسويد تجاه تركيا. وسعت السويد لتلبية مطالب تركيا، فقد مررت تشريعات جديدة لمكافحة الإرهاب، وشددت العقوبة على الذين يحرضون على الإرهاب، ووافقت على تسليم العديد من الأتراك المتهمين بارتكاب جرائم في تركيا، خصوصاً هؤلاء الذين ينتمون لحزب العمل الكردستاني، وجماعة فتح الله غولن. إلا أن تركيا عشية قمة الأطلسي قبل أيام عبرت صراحة عن مطالب وشروط أخرى لإتمام الصفقة على رأسها صفقة للأسلحة مع الولايات المتحدة وإعادة الحوار والمفاوضات لانضمامها للاتحاد الأوروبي.
بعد يوم واحد من إعطاء أنقرة الضوء الأخضر للسويد للانضمام للناتو، أكدت واشنطن توجهها لإرسال طائرات مقاتلة من طراز إف ١٦ إلى تركيا، بالإضافة لضمها إلى مجموعة تطوير هذا النوع من الطائرات، بعد التشاور مع الكونغرس الذي يعارض العديد من أعضائه ذلك. كما أعلن المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر دعم بلاده لتطلعات تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وتواصل دعمها لذلك، رغم عدم استحسانها ربط ذلك بقضية انضمام السويد للناتو. ووعدت السويد بدعم الجهود لإحياء عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، كما وافق مسؤولو الاتحاد الأوروبي على تسريع مفاوضات عضوية أنقرة في التكتل الأوروبي. وتوجهت تركيا للانضمام للتكتل الأوروبي منذ أكثر من ٥٠ عاماً دون طائل، فقدّمت ملف ترشّحها إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية، في العام ١٩٨٧، ونالت وضع دولة مرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبي في العام ١٩٩٩، وأطلقت رسمياً مفاوضات العضوية مع التكتل في العام٢٠٠٥، وتوقفت المفاوضات في العام ٢٠١٦، على خلفية انتقاد حملة الحكومة التركية لمحاسبة المتورطين في الانقلاب العسكري الفاشل.
وكل هذا يجري بعد تخطي الحرب يومها الـ ٥٠٠، وفشل الهجوم الاوكراني المضاد مؤخراً، الأمر الذي عقّد مجريات الحرب لصالح الغرب، وعدم تحقيق القوات الأوكرانية أي مكاسب، وغرقها في وحل حقول الألغام الروسية، واستمرار نجاح موسكو فـي التعامل مع حرب استنزاف متعددة الأوجه، وتحمل الدول الغربية تكلفتها المادية، في ظل عدم وجود إشارات لانتهاء الحرب قريباً. وتعود أهمية انضمام السويد بشكل خاص للناتو لدورها في تأمين معادلة الأمن الدفاعي الشمالي الشرقي للقارة الأوروبية ومنطقة بحر البلطيق. فرغم انضمام فنلندا قبل أشهر للحلف، الا أن ترابط موقع البلدين يعزز تلك المنظومة في الدفاع عن دول الجناح الشرقي لحلف الناتو، وتحقيق الأمن والاستقرار العسكري في شمال وسط أوروبا، ويجعل بحر البلطيق بحيرة للناتو. وعكست تصريحات الرئيس الفنلندي سولي نينيستو أهمية انضمام السويد للحلف بقوله: «إن عضوية فنلندا في «الناتو» ليست كاملة بدون السويد». كما أن الإقرار بأهمية تركيا «الجيو إستراتيجية» لحلف الناتو وللأمن الأوروبي، خصوصاً في ظل دورها الوسيط بين موسكو والغرب لم يعد خفياً. إن ذلك يفسر أهمية تركيا اليوم، في ظل التطورات الدائرة بشأن انضمام السويد للناتو، وفرص القبول بشروط تركيا غربياً.
وسمحت علاقات تركيا القوية مع روسيا بلعب دور الوسيط، في هذه الحرب المعقدة، رغم تعقد علاقاتها مع الولايات المتحدة والغرب قبل اندلاعها. فتوصلت تركيا العام الماضي لإبرام اتفاق مع روسيا يسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، والذي رفع الحصار الروسي عن الموانئ الأوكرانية. وتهدد موسكو بالانسحاب من الاتفاق في السابع عشر من الشهر الجاري، بحجة عدم الوفاء بمطالبها، بينما يواصل أردوغان مساعيه للضغط على روسيا لتمديد الاتفاق. ويتطلع زيلينسكي لتمديد الاتفاق الذي يوفر لبلاده الكثير من المال، وهذا ورغم مواقف تركيا المتناقضة بانسجامها مع طرفي الصراع، فبينما يرى أردوغان أن لكييف الحق بالانضمام للناتو، التي جاءت الحرب مع روسيا كخطوة استباقية لمنعها، ويستنكر الغزو الروسي لأوكرانيا، ويتعاون معها في تطوير الطائرات المسيّرة، لا تلتزم تركيا بتطبيق الحظر على روسيا، وتشكل قناة اقتصادية حيوية لروسيا، وتؤمّن احتياجات موسكو الحيوية من قطع الغيار خصوصاً الإلكترونية، وتسمح بتواجد السفن الروسية في موانئها، كما تتواصل الرحلات الجوية وروابط التجارة بين البلدين، ناهيك عن ارتباط أنقرة بسوق الغاز الروسي. وسمحت موسكو لأنقرة بتأجيل سداد ما يصل إلى أربعة مليارات دولار من فاتورة استيراد الغاز خلال الانتخابات التركية، ما خفف من الضغط على الاقتصاد التركي. وتأتي تأكيدات أردوغان باتخاذ بلاده تلك السياسة بوعي، وعدم نيته السماح بتدهور علاقة بلاده مع روسيا، في ظل مساعيه لتحسين علاقات بلاده مع الغرب، الأمر الذي يعد ضرورياً لتوفير احتياجاتها المالية في ظل أزمتها الاقتصادية القائمة.