وكالات - رجب أبوسرية - النجاح الإخباري - صادقت اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع أول من أمس، على مشروع قانون يقضي بحل نقابة المحامين، وذلك بعد أسبوع فقط من إجراء النقابة انتخاباتها العامة التي فاز من خلالها مرشح المعارضة عميت بيخر بمنصب رئيس النقابة، متفوقا على مرشح الائتلاف الحكومي رئيس النقابة السابق ايفي نافيه،  بنسبة 73% مقابل 19% فقط، حيث شاركت نسبة عالية من أعضاء النقابة في الانتخابات بنسبة بلغت ضعف ما كانت عليه انتخاباتها السابقة.
هذا الحدث يمكن أن يضاف إلى حدث آخر وقع قبل اقل من أسبوعين، حين نجحت المعارضة في انتخاب كارين الهرار الوزيرة السابقة في حكومة يائير لابيد، وعضو الكنيست الحالي عن حزب ياش عتيد، في لجنة تعيين القضاة، بعد أن صوت لها أربعة نواب من الائتلاف الحاكم، هذا في الوقت نفسه الذي اخفق فيه الائتلاف في انتخاب مرشحه لعضوية لجنة تعيين القضاة ذاتها، وذلك بسبب الخلافات داخل صفوفه.
هذان الحدثان عمليا يشعلان الوضع الداخلي في إسرائيل، ذلك أن معركة كسر العظم الداخلية تتمحور كما هو معروف على خطة الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية، لاحتواء وإضعاف القضاء، وذلك لتمرير جملة من أهدافها الخاصة بقادة الائتلاف، أولها إعادة آرييه درعي زعيم شاس لعضوية الحكومة، بعد أن كان القضاء قد منع تعيينه عند تسمية بنيامين نتنياهو لأعضاء حكومته الحالية، والتي تضمنت درعي كوزير للداخلية، كذلك تحصين رئيس الحكومة نفسه ضد تهم الفساد التي تجري مناقشتها في المحاكم منذ بضع سنوات، ولأن لجنة القضاة تتكون من تسعة أعضاء، منهم وزير العدل، وعضوان واحد عن المعارضة والآخر عن الائتلاف الحاكم، كذلك رئيس نقابة المحامين، فإن انتخاب الهرار، وفوز المعارضة بمنصب نقيب المحامين، أي بعضو آخر في لجنة القضاة، كل هذا يعني بأن المعارضة، تعزز من موقفها الرافض لخطة الحكومة تجاه لجنة القضاة، وذلك بتحصين اللجنة من داخلها.
وقد وصل الخلاف داخل إسرائيل حول خطة وزير العدل، بتعديل وظيفة ودور لجنة القضاة، إلى حد لم تعرفه إسرائيل من قبل من حيث الصراع الداخلي، وفقط مبادرة رئيس الدولة التي قضت بإجراء حوار ما بين الائتلاف الحاكم والمعارضة في منزله، بعد إعلان رئيس الحكومة نتنياهو قبل أشهر عن تجميد العمل بالخطة، أي عدم عرضها للتصويت في الكنيست، هو فقط من خفف من حدة التوتر، لكن وحتى الحادي والثلاثين من شهر تموز القادم، موعد إجازة الكنيست، فإن التوتر سيعود بدرجة حادة بين الطرفين، ذلك أنه لا يوجد حل وسط هنا ما بين برنامجي المعسكرين.
وحقيقة الأمر، أن لدى الطرفين مصادر قوة، تجعل من انفجار الوضع داخل إسرائيل هو المرجح، وذلك في ظل عدم وجود حل وسط كما أشرنا، فإما إبقاء القضاء يقوم بدوره كما هو حاليا، وذلك كما تريد المعارضة، أو إحداث الانقلاب في دور ووظيفة القضاء كما يسعى الائتلاف الحاكم، والذي يستند على أغلبيته البرلمانية، حيث مجرد طرح خطة وزير العدل اليميني الليكودي ياريف ليفين، على الكنيست للتصويت، فإنها ستفوز بالقراءة الأولى، وهكذا لن يكون هناك سوى مجرد وقت دون نفاذها والعمل بها، أما المعارضة، فتستند ليس فقط إلى أحزابها وقوتها البرلمانية، ولكن أيضا إلى معارضة قطاعات واسعة من الشعب الإسرائيلي، والى معارضة معظم مؤسسات الدولة، بما في ذلك أوساط مهمة من الجيش، خاصة الاحتياط، وعمليا القوة الليبرالية، أي تراث الدولة بمؤسساتها، بما فيها الأمنية، إضافة للتكنوقراط، والأهم بالطبع إلى قوة الاحتجاج في الشارع.
وقد انعكس اتساع قوس المعارضة الإسرائيلية لخطة وزير العدل لإضعاف القضاء، على استطلاعات الرأي التي منحت الائتلاف حاليا مقاعد اقل بنحو عشرة مقاعد عما هو لديه الآن، كذلك دفعت بحزب معسكر الدولة الذي يتزعمه رجل المعارضة الثاني بيني غانتس إلى المقدمة، ليكون نداً لحزب الليكود، بل والى تجازوه أحياناً، وقد تواصلت الاحتجاجات كل يوم سبت منذ ستة أشهر مضت، أي منذ تشكيل حكومة نتنياهو السادسة الحالية، وحتى اليوم.
وقد وصلت الاحتجاجات أسبوعها الخامس والعشرين على التوالي، يوم السبت الماضي، وذلك استباقاً لقيام الائتلاف الحاكم بعقد جلسة للجنة الدستور والقانون والقضاء، يوم الأحد الماضي وذلك لإقرار تعديل في بند في القانون يحد من صلاحيات المحكمة العليا التي كانت قد تدخلت ورفضت تعيين درعي في الحكومة الحالية، وذلك بهدف تمهيد الطريق لعودة زعيم حزب شاس إلى الحكومة، وقد انطلقت التظاهرات من مدن الخضيرة، تل أبيب، حيفا، هرتسليا، نتانيا، رحوفوت، نهاريا وبئر السبع، وصولا إلى موقع الاحتجاج الرئيسي في شارع كابلان في تل أبيب. ولهذا أطلق منظمو الاحتجاجات اسم قوة كابلان على المجموعة التي أسسوها لقيادة الاحتجاجات، والتي ربما يكون لها شأن انتخابي فيما بعد، والتي ستقوم بتنظيم سلسلة من الاحتجاجات التي ستتواصل وتتابع حتى يوم 31 من تموز المقبل، ليبقوا بذلك الحكومة تحت الضغط المعارض لتمرير خطة إضعاف القضاء، أو حتى تعديل أحد بنودها.
وحقيقة الأمر أن الائتلاف الحاكم حاول أن يمضي قدما في خطته لدرجة أن نتنياهو قد أعلن إقالة وزير الدفاع الليكودي يوآف غالانت، من منصبه، قبل عدة أشهر، واضطر إلى تجميد فقط طرح الخطة، وذلك في محاولة لاحتواء المعارضة، بإلهاء الشارع بحوار الائتلاف مع المعارضة في منزل رئيس الدولة، لكن تواصل الاحتجاج في الشارع هو من أبقى على الضغط الكابح يمنع الائتلاف من طرح خطة وزير العدل على الكنيست للتصويت.
أمر آخر لا بد من الإشارة له وهو أن الائتلاف الحاكم بتطرفه السياسي المزدوج، العنصري تجاه الفلسطينيين، والمقوض للديمقراطية تجاه مؤسسات الدولة، أي الفاشي في الخارج، والديكتاتوري في الداخل، هرب من مأزقه الداخلي، وحتى يبقي على زخم قوته الانتخابية، حرك أولا مظاهرات مضادة، ضد احتجاجات المعارضة، لكنها فشلت، ثم واصل إطلاق إرهاب الدولة وإرهاب الاستيطان والمستوطنين ضد الشعب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية، وذلك حتى يظهر قوته التي تتآكل داخليا وخارجيا بشكل واضح للعيان.
لا يمكن إذاً إغفال أن كل هذا الإرهاب والعنف المتوصل منذ ستة أشهر، وغير المسبوق، حيث يطلق ايتمار بن غفير وبتسئليل سموتريتش وبنيامين نتنياهو أيدي وأرجل وأسنان الإرهاب ويزجون بالمستوطنين الإرهابيين بحماية الجيش وكل مؤسسات الدولة، ليمارسوا قتل الفلسطينيين، ويقوموا بحرق منازلهم وسياراتهم ومزروعاتهم، ولا يكتفون بإطلاق مشاريع الاستيطان الإضافية، ومصادرة الأراضي، لكن ذلك أطلق أيضا رد فعل شعبي فلسطيني، على شكل مقاومة شعبية متعددة الوسائل والأدوات والأشكال، لدرجة أن كل ما قام به الجيش والمستوطنون من إرهاب، ومن استخدام لكل أدوات الفتك، بما في ذلك المروحيات والمسيرات والعربات المجنزرة، في مواجهة المدنيين، لم تنجح، بل يضطر الجيش الإسرائيلي إلى الزج بكتيبتين إضافيتين للعمل في الضفة الغربية، بما يعني بأن هناك حاليا نحو 30 كتيبة، بما يعادل نحو ربع أو خمس أفراد الجيش العاملين، للميدان في الضفة الفلسطينية.
وحال إسرائيل هذا، في الوقت الذي يطلق فيه قادتها تهديداتهم بشن حرب على إيران، وفي تنفيذ المناورات التي يواجهون فيها تعدد الجبهات، أي جبهة حزب الله، سورية، إيران، غزة والضفة الغربية، بما يؤكد تماما، بأن كل ما يقولونه ما هو إلا كلام فارغ، حيث كيف يمكن لإسرائيل العاجزة بجيشها ومستوطنيها وقوتها الاحتلالية عن إخضاع مدن جنين ونابلس والخليل والقدس، أن تخوض حربا إقليمية، كل جبهات الشمال والجنوب والشرق ستكون مشتعلة فيها، في وجهها.