وكالات - هاني عوكل - النجاح الإخباري - أصوات كثيرة بدأت ترتفع في الآونة الأخيرة إزاء تحديات الذكاء الاصطناعي والتسارع التكنولوجي، والذي من شأنه أن يهدد الإنسانية على غرار الكثير من الأفلام ومسلسلات العلم والخيال التي تناولت سيناريوهات تقدم "الروبوتات" على الذكاء البشري وتحكمها بمصير العالم.
أفلام الخيال الأميركي عكست صوراً قاتمة لمرحلة تسيد الذكاء الاصطناعي وعدم القدرة على ضبطه، وانفلاته بطريقة أربكت الدول وجعلتها أسيرة لهذه التقنيات المتطورة التي حملت مخاطر وكوارث على الكرة الأرضية وساكنيها.
ولا عجب حين يحذر أكثر من 350 خبيراً في مجال الذكاء الاصطناعي حول العالم، من احتمالات فناء البشرية بسبب عدم التمكن من السيطرة على هذه التقنيات، وفي مقدمتها نموذج "تشات جي بي تي" الذي قد ينشر معلومات خاطئة ومضللة تربك صُنّاع القرار.
صحيح أن للذكاء الاصطناعي فوائد وحسنات كثيرة ومربحة بالنسبة للدول والقطاع الخاص، من حيث تحسين جودة الخدمات وتقليل زمن إجراء المعاملة وتسهيل الحلول على المتعاملين، لكن التقدم المتسارع للذكاء الاصطناعي يحمل لعنات كثيرة وسيئات تمس مختلف الوظائف البشرية.
يوماً بعد يوم تخرج طوابير من الموظفين من سوق العمل بسبب اعتماد الحكومات والقطاع الخاص على تقنيات الذكاء الاصطناعي، سواء في مجال خدمة العملاء أو في مراكز البيع وأنظمة الرعاية الصحية والقطاع التسويقي والخدمي.
هناك العديد من مراكز التسويق وهوامير مواقع التجارة الإلكترونية مثل "أمازون"، اعتمدوا على أنظمة الذكاء الاصطناعي في الرد على المتعاملين وتسهيل حصولهم على مختلف الخدمات، وكلما زاد الاعتماد على التقنيات الحديثة، اضطرت الشركات الكبرى والمتوسطة لطرد الموظفين لعدم حاجتها لهم.
نعم بالتأكيد يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي بدأ يحل شيئاً فشيئاً محل البشر في العديد من الوظائف، والأهم أن غياب التشريعات والأنظمة التي تضبط الذكاء الاصطناعي، وسط السرعة الجنونية للتقدم التكنولوجي في الفضاء الرقمي، ستخلق مشكلات كثيرة وحدهم البشر من سيتحمل تبعاتها.
واحدة من المشاهد الحاضرة في الذهن، امرأة صينية في الستينيات من العمر دمرت "روبوتاً" حلّ محلها في إحدى مراكز الرعاية الصحية، وكذلك الحال بالنسبة للمراكز التجارية التي تحوّلت إلى خدمة العملاء بالدفع الذاتي، ما جعلها تقلل الاعتماد على موظفيها، وأجهزة الصرّاف الآلي التي تقوم بوظائف كثيرة من سحب وإيداع المبالغ، إلى دفع فواتير الكهرباء والمياه والاتصالات.. إلخ.
أمثلة كثيرة جداً على مخاطر الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي وتأثيره على سوق العمل العالمي، عدا عن المخاوف الكبرى بشأن احتمالات تدخل هذه التقنيات في القرارات المصيرية التي يفترض للبشر أن يتخذوها، مثل أوامر استخدام الأسلحة الفتاكة والنووية.
كل هذا جعل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس يدق ناقوس الخطر بشأن التهديد الكبير الذي يمكن أن يحدثه الذكاء الاصطناعي على البشرية ومخاطره التي لا تقل عن مخاطر الحرب النووية، لإمكانياته في التحكم بالعنصر البشري وإلغاء قراراته.
واحدة من أهم المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي وبالذات التوليدي، تتمثل في نشر خطاب الكراهية والتحريض على العنف والتضليل بنشر الأخبار المزيفة في الفضاء الرقمي، وبسبب عدم وجود أنظمة رقابية فعالة وتشريعات ضابطة، يمكن للبشر أن يتدخلوا في أنظمة الذكاء الاصطناعي ويسيئوا استخدامها لتعميم الفوضى.
مع الاستخدام المفرط لتقنيات الذكاء الاصطناعي، يجوز القول "باي باي" زمن الخصوصية، إذ بسهولة يمكن اختراق البيانات الخاصة للمستخدمين وفضحها في الفضاء الإلكتروني، هذا إلى جانب الخلل الفني الذي يمكن أن يحدث للكثير من البرامج الرقمية، ما يكشف معلومات خاصة عن المستخدمين.
إذا كان سام التمان مبتكر "روبوت" الدردشة المتطور "تشات جي بي تي" يحذر من مخاطر التكنولوجيا الجديدة إذا لم يجر تنظيم الذكاء الاصطناعي، وكذلك يحذر الأب الروحي للذكاء الاصطناعي الدكتور جيفري هينتون من أضرار كبيرة قد تسببها هذه التقنية في المستقبل، فقد نكون مقبلين على عصر مختلف تتفوق فيه الآلة على البشر.
ما يزال هناك وقت متاح للحكومات حتى تضبط كل ما يتصل بالذكاء الاصطناعي، والأهم أنها ينبغي أن تتعاون مع القطاع الخاص وتتابع وتشرف على البرامج الإلكترونية التي تدخل إلى العالم الرقمي مثل "تشات جي بي تي"، إلى جانب توفير العديد من الأنظمة والتشريعات التي تضبط استخدام هذه البرامج من قبل المستخدمين.
تحدٍ آخر جديد مُضاف إلى سلسلة التحديات التي يمكنها تهديد البشرية، وهي أن مخاطر الذكاء الاصطناعي قد تفوق مخاطر تهديد استخدام السلاح النووي، إذ يكمن الفرق في أن استخدام هذا الأخير مرهون بقرارات بعض الدول العظمى، بينما خطر البرامج الرقمية أنه يمكنها السطو على برامج إلكترونية حساسة وتشغيلها بدون أي تدخل أو إذن بشري.