هاني العقاد - النجاح الإخباري - قبل ما يقارب 45 عاما وقعت دولة الاحتلال وجمهورية مصر العربية اتفاقيتين  للسلام في (كامب ديفيد )  الأولى لإحلال السلام في الشرق الأوسط واخري بين مصر وإسرائيل وقعت عام 1979 , سرعان ما أصبحت الاتفاقية الاولي لإنهاء الصراع حبراً على ورق وركزت دولة الاحتلال على اتفاقية السلام الثنائية مع مصر ما  اعتبر حينها سلاما تاريخيا واعتقدت دولة الاحتلال حينها انها أصبحت دولة صديقة لمصر حكومة وشعبا وانها بمجرد ان وقعت على الاتفاق الثنائي استطاعت نسخ عشرات سنوات الالام من ذاكرة المصريين والشعوب العربية وأنهت حالة العداء والحرب والقتل وارتكاب المجازر بحق الشعب العربي.  رحل من وقعوا الاتفاق وبقي الاتفاق ولم يحدث أي اختراق لإنهاء الصراع على الأرض الفلسطينية ولم يقود الاتفاق لسلام شامل، تحررت الأرض المصرية من الاحتلال وتم استعادة سيناء كاملة بالسنتمتر. لكن دولة الاحتلال اعتمدت استراتيجية صناعة اتفاقيات سلام منفردة مع باقي الأنظمة العربية الأخرى ,فجاءت اتفاقية (وادي عربة) مع الأردن 1994 دون تحقيق السلام العادل والشامل المبني على أساس إعادة الحقوق كاملة للشعب الفلسطيني وتمكينه من حق تقرير مصيرة بنفسه على أساس قرارات الشرعية الدولية والمرجعيات الأساسية للسلام العادل والشامل.

نتنياهو لا يختلف عن (مناحيم بيغن) الذي وقع اتفاق كامب ديفيد مع مصر كلاهما يمتلك عقيدة كراهية وعداء للعرب وانهم جنس بشري سامي والباقي خدام ودونيون ,كلاهما يسعي فقط لحماية حدود كيانهم المحتل وبالتالي تفكيك  الصراع وتحويلة من عربي إسرائيلي الي فلسطيني إسرائيلي ، بل ان نتنياهو أسوأ بكثير من غيرة ممن أرادوا تحقيق السلام مع الفلسطينيين أيضا لأنه لا يؤمن بالسلام التاريخي القائم على العدل والشمولية , يؤمن باستراتيجية السلام المنفرد الذي يحقق له أهدافه السياسية بالاستفراد بالفلسطينيين وفصل الصراع معهم عن محيطه العربي على أساس انه لا يضطر لقبول سلام قائم على أساس دولتين مستقلتين لشعبين متجاورين. لعل سعيه لعقد المزيد من الاتفاقات فيما يسمي "السلام الابراهيمي" هو ليس أكثر من سلام منفرد يدعي انه (سلام معكوس) سيجبر الفلسطينيين في النهاية على القبول بالطرح الإسرائيلي لحل الصراع والالتحاق مجبرين بهذا الاتفاق وتسوية قضايا الصراع على أساس الحلول الأمنية والاقتصادية دون أي استحقاق سياسي للفلسطينيين.

ان السلام التاريخي هو السلام العادل والشامل الذي يوفر الامن والاستقرار الدائمين لكافة شعوب المنطقة , السلام الذي تؤمن به الشعوب وليس الأنظمة فقط  ,ويثبت ان دولة الاحتلال تحولت بالكامل الى دولة مدنية تسعي للعيش المشترك في اطار برامج التنمية والازدهار المتساوية لكافة الشعوب وتوقف بالمقابل السعي للتفوق العسكري وامتلاك الأسلحة التدميرية  , ليس السلام المنفرد الذي تتبناه دولة الاحتلال كاستراتيجية خطيرة لتفتيت المنطقة العربية والاستفراد بقضاياها وتوظيف هذا السلام لمزيد من حالات التغلغل داخل العمق العربي السياسي والاقتصادي والأمني والاستراتيجي دون أي استحقاق للسلام الحقيقي مع الفلسطينيين .  ان المواطن العربي بما فيه افراد الجيش في العديد من الدول التي ابرمت أنظمتها معاهدات سلام منفرد مع دولة الاحتلال هم جزء اصيل من المجتمعات العربية يرتبطوا تاريخيا ودينيا وثقافيا وسياسيا بقضايا المجتمع ومشاعرهم مرتبطة بقضايا الامة وهمهومها ومعاناتها والأمها  ,وبالتالي فان المجتمعات العربية هي مجتمعات ترتبط بحكم العادات والتقاليد واللغة والدين  والتاريخ بعضها ببعض , لا سيما اليوم والعالم  اصبح قرية صغيرة يتنقل فيها  الحدث من الأرض المحتلة للعالم العربي  بسرعة الصاروخ  وخاصة اخبار الاعتداءات الإسرائيلية على أبناء الشعب الفلسطيني وارتكاب المجازر وهدم البيوت والتهويد والاستيطان , فعندما يري المواطن العربي مسيرات للمستوطنين يشتم فيها النبي (محمد صل الله عليه وسلم), وتدنس فيها المقدسات ويتوعد فيها الصهاينة العرب بالموت .هنا  تصبح اكذوبة السلام المنفرد اكثر وضوحا  ويزداد ايمان الشعوب العربية بانه  سلام كاذب وغير حقيقي لا يعدو اتفاق يمنح المزيد من الفرص لمزيد من التطرف والكراهية .  

ان حادثة الحدود عند (معبر العوجا)  بين أرض فلسطين التاريخية ومصر والتي استطاع فيها جندي مصري من حرس الحدود ان يقتل ثلاثة جنود من جيش الاحتلال تعيدنا الي التفكير الحقيقي في جدوي السلام الذي تصنعه دولة الاحتلال كسلام منفرد وتعيدنا الى الأذهان للعديد من الاحداث المشابهة  التي شهدتها الحدود بين مصر ودولة الاحتلال او الأردن ودولة الاحتلال اواي مكان اخر وتجبرنا جميعها لإعادة قراءة هذا السلام  استراتيجيا وتقييم ما يقارب النصف قرن من السلام الفاشل وإصرار دولة الاحتلال لصنع المزيد من الاتفاقيات بمسميات اخري مع بعض الدول العربية كالإمارات والبحرين والمغرب والسودان ,وقراءة سلوك الاحتلال اليميني المتطرف الذي بات لا يقبل علنا الدخول في أي مفاوضات تؤدي لحل شامل وعادل للصراع على أساس انصاف الشعب الفلسطيني ومنحه حق تقرير المصير ما يجعلنا نؤكد ان هذه الاستراتيجية فشلت تاريخيا بكل المقاييس لأنها تنهي احتلال إسرائيل للأرض العربية والفلسطينية  ,انه فقط تهدف لتامين حدود الكيان مع بعض دول الطوق حتي لا تسمح لاي عمليات اختراق من قبل منظمات او قوي تقاتل المحتل بالوصول الي ميدان المواجهة داخل الأرض المحتلة.  تعرف دولة الاحتلال ماهية هذا الفشل وهي التي تتحمل المسؤولية الكاملة لما يحدث بين الحين والاخر وان كانت تعتقد انها ستنجح في المستقبل في كي وعي الشعوب العربية بهذا النوع من السلام المزيف فهي واهمة لان فلسطين ارض عربية واستمرار احتلالها يهين كل الشرفاء والاحرار في عالمنا العربي وسوف يعبروا عن رفضهم لهذا الاحتلال بالطريقة التي تناسبهم ,واذا اعتقد قادة الاحتلال انهم يستطيعوا تصفية القضية الفلسطينية واجبار الفلسطينيين على الرضوخ لمخططاتهم  بالقوة العسكرية وتحييد الشعوب العربية عن قضيتهم الأولى والمركزية وفصلهم عن اطارها المركزي وقضاياها الثابتة دون ان تتحرك المشاعر الوطنية للشعوب العربية  فهم واهمون وهذا من اكبر التحديات التي تواجه المخططين الاستراتيجيين وصناع السياسات  في دولة الاحتلال لانهم يتجاهلوا حقيقة ثابتة وراسخة ان الدم العربي واحد والتاريخ العربي لا يمكن اللعب برواياته او تزويره مهما امتلكوا من قدرات عسكرية واعلامية وتكنولوجية فقدراتهم هذه تفشل امام الانتماء العميق  للقضية الام ,قضية فلسطين قضية العزة والكرامة العربية.