وكالات - أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - هل أضاعت إسرائيل لحظتها التاريخية ؟ هل أفلتت تلك اللحظة لتجد نفسها بعد عقدين أمام واقع إشكالي شديد التشاؤم ؟ يبدو أن الأمر كذلك من حركة التاريخ اللولبية التي لم تحسبها رغم كل مراكز الدراسات والتفكير المنتشرة في الجامعات التابعة للمؤسسة الأمنية والسياسية، إلا أنها أخفقت ويبدو كما قال كبار مفكري السياسة إن فائض القوة يصيب السياسة بالعمى.
النقاش العام في إسرائيل يشي بشيء من القلق لم تعهده إسرائيل على امتداد تاريخها، وهو الأكثر تشاؤماً لمن تابع مسيرة إسرائيل منذ حرب العام 73 التي لم يكن مضى حينها على إقامة الدولة أكثر من ربع قرن.
ولكن ها هي تعود إسرائيل لنقاش شبيه بعد ثلاثة أرباع القرن وبعد أن رسخت نفسها في الإقليم قوة كاسحة، وبعد أن أوصلت العرب إلى نتيجة مفادها اليأس من قدرتهم على هزيمتها بالسلاح ليبدؤوا بالبحث عن التعايش والسلام رافعين شعار الأرض مقابل السلام، وهو شعار يعود لصاحبه بن غوريون اخترعه لمقايضة العرب ليقيموا علاقات كثمن حتى ليعيد لهم أرضهم التي استولت عليها القوات الإسرائيلية في حروب الأربعينيات.
في نصف القرن الماضي تطورت إسرائيل صناعياً وعلمياً وتكنولوجياً واقتصادياً وكان فائض القوة العسكرية هو نتاج كل هذا التطور، تحولت للقوة الأولى في الشرق الأوسط، تضاءلت التهديدات حولها وكانت النقاشات في مؤتمراتها مترفة تنزع نحو البيئة والمياه والمناخ وفلسطينيي الـ 48 بعد أن تمكنت من تسكين منطقتي غزة والضفة باتفاق أوسلو وقبلها مع مصر الدولة المركزية وكذلك الأردن، ثم تبعتها لاحقاً الإمارات والسودان والبحرين وكانت تتحدث أن السعودية على الطريق.
فجأة تعود لذلك الجدل والأخطار الأمنية والعسكرية والساحات والقنبلة الإيرانية وإمكانيات الجبهة الشمالية والضفة الغربية وغزة، وتدريبات مكثفة تتعلق بمواجهة متعددة وتشكيك بإمكانية ضرب إيران وحدها ونجاح مهمة تبدو أكثر تعقيداً من تناولها بسطحية وتهديدات متبادلة.
أما على المستوى السياسي بعد أن بدا أن الإقليم يصطف لإقامة علاقة معها وأن الدول العربية لم تعد تنتظر حل الملف الفلسطيني، وكان ذلك حلماً يراود نتنياهو ومعه كل القادة، تعود الأمور تنقلب فجأة كأن التاريخ انعطف فجأة باتجاه لم يكن بالحسبان. فإيران تفتتح سفارتها في السعودية، والأخيرة تضع شروطاً تعجيزية لإقامة علاقة مع إسرائيل، تعتبرها تل أبيب تمس بأمنها القومي، والإمارات تنسحب من التحالف البحري مع الولايات المتحدة لصالح تحالف مع روسيا ومع إيران التي تقيم علاقات تطبيعية مع الدول العربية وتطلق صاروخاً فرط صوتي مع حديث عن اقتراب تطبيع علاقة طهران مع القاهرة.
العلاقة مع الإدارة في واشنطن تشهد خلافات حادة ونفوذ واشنطن ينحسر في الإقليم، والخليج يبدو كأنه آخذ بالتمرد ولا أحد يتعاطى مع تهديدات إسرائيل بجدية بل هناك حديث عن رغبة أميركية في العودة للاتفاق مع إيران مترافقاً مع ضعف كبير في التأثير الإسرائيلي على الإدارة قياساً بالسابق، والعالم مشغول باقتصاداته وحروبه وشعوبه حيث باتت إسرائيل تقف وحيدة كما قال الصحافي الإسرائيلي أرئيل كاهانا في الصحيفة اليمينية المقربة من نتنياهو «إسرائيل اليوم».
وإذا كان التهديد الإيراني هو التهديد الأبرز الذي تقف إسرائيل أمامه فهو تهديد تسببت إسرائيل بتغذيته وتوفير مناخاته وبجدارة، لم تدرك أن الملف الفلسطيني هو كلمة سر البقاء والسلام والحرب والتعايش والتطبيع الممكن. فقد تقدمت السعودية بعرضها الذي كان يجب أن يشكل إغراء كبيراً قبل عقدين حين طرحت مبادرة السلام العربية وعملت حينها على انتزاع موافقة دول مثل العراق بزعامة صدام حسين والقذافي. فماذا كان رد إسرائيل شارون ؟ فوراً بعد تلاوة المبادرة كانت تجتاح الضفة الغربية وتحاصر زميلاً عربياً من زملاء القمة.
لنتصور أن إسرائيل التقطت المبادرة وأصبحت دولة بعلاقات طبيعية في المنطقة، علاقات مع سورية والعراق والخليج كله وليبيا والجزائر، مع كل العرب، هل كان سيكون للخطاب الإيراني الذي يشهر العداء ليل نهار ما يوفر له مقومات الحياة في هذه المناخات ؟ بالتأكيد كان هذا الخطاب سيتلاشى، ولانشغلت إيران بحل قضاياها الداخلية، ولم تكن إسرائيل لتقف اليوم عند هذه المحطة الأكثر تشاؤماً في تاريخها مصحوبة بشعور العجز عن القيام بفعل والوقوف وحيدة أمام تهديدات تتعاظم حولها ولا تجد حلولاً بما تملكه من إمكانيات بعكس السابق الذي كان هناك حل لكل معضلة بفائض القوة الذي يشكل حلاً لأي شيء، ولدهاء التاريخ كان يجد حلولاً تكتيكية لكنه على المدى البعيد يصنع أزمات استراتيجية أكبر من إمكانيات الدولة هكذا يبدو الأمر.
حين لا تجيد الدول قراءة الواقع يتعثر مستقبلها، وحين لا تستطيع ربط الواقع بالمستقبل تصاب بالتشوش وتقع في كمائن أعدها التاريخ بعناية للراسبين في امتحاناته، أو الذين أصابهم عمى القوة بلوثة فيقفون متأخراً لتذكر أين أخفقوا ؟ ولكن من يتابع الحوار والمؤتمرات في إسرائيل لا يجدها حتى تتوقف لقراءة التجربة لتعيد استخلاص العبر، وتلك أزمة أكبر تزيد من استفحال الأزمة. ففي التاريخ ليست هناك عوامل مساعدة لمن لا يجيدون قراءته.