وكالات - أشرف العجرمي - النجاح الإخباري - انتهت المعركة الأخيرة في غزة بعد خمسة أيام من المواجهات بدأتها إسرائيل باغتيال ثلاثة قادة من حركة «الجهاد الإسلامي» وسبعة مدنيين في غارت استهدفت شققاً سكنية في غزة فجر يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، دون أن يتغير الواقع بصورة ملموسة ودون أن تنجح إسرائيل في استعادة قوة الردع. ولكن يستطيع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أن يدعي أنه حقق إنجازاً في هذه المعركة خاصة أنه استطاع إعادة الوزير العنصري المتطرف إيتمار بن غفير للمشاركة في جلسات الحكومة والتصويت لصالح الائتلاف الحاكم في البرلمان «الكنيست». ويستطيع أيضاً أن يفاخر بتصفية عدد كبير من القادة العسكريين في حركة «الجهاد الإسلامي»، وذراعها العسكرية «سرايا القدس». ولكن بمفاهيم الصراع والمواجهة لم يحقق نتنياهو نصراً على المقاومة الفلسطينية، حتى مع خسران قيادات كبيرة.
وقف إطلاق النار بين «الجهاد» وإسرائيل تضمن بنداً يتعلق بوقف استهداف المدنيين وهدم المنازل، وأيضاً استهداف الأفراد. وهذه صيغة غامضة للموافقة على مطلب حركة «الجهاد الإسلامي» بوقف الاغتيالات، حيث طالبت الحركة بوقف الاغتيالات ووقف مسيرة الأعلام في القدس وإعادة جثمان الشهيد خضر عدنان، الأسير الذي قضى نتيجة للإضراب عن الطعام في سجون الاحتلال. ويمكن القول إن إسرائيل لم توافق على معظم مطالب «الجهاد»، مع أن التجربة مع الاحتلال تقول إن إسرائيل لا تلتزم بأي اتفاق معها وسرعان ما تنقضه، عندما يتعلق الأمر بسياستها العدوانية.
وفي المقابل، تستطيع حركة «الجهاد» أن تسجل لنفسها هي الأخرى انتصاراً بأنها لمدة خمسة أيام واصلت قصف المدن والتجمعات الإسرائيلية من شمال تل أبيب وحتى بئر السبع مروراً بالقدس المحتلة. وأنها أوقعت خسائر إسرائيلية بالرغم من صواريخ «القبة الحديدية» و»مقلاع داوود». وأن إسرائيل تضررت من استمرار المواجهة وسعت لوقف إطلاق النار بسرعة. كما أن موازين القوة لم تتغير بصورة تجعل إسرائيل تستعيد قوة الردع التي يدعي نتنياهو أنه استعادها في هذه المعركة. والمسألة مرتبطة بالوقت فقط حتى نعود لمعركة أو مواجهة جديدة.
هناك بعض التطورات التي ينبغي ملاحظتها في هذه المعركة، منها عدم مشاركة حركة «حماس» في المواجهة، وهذا على الأغلب بسبب الفرق بين «حماس» و»الجهاد»، فالأولى حركة مقاومة وفي نفس الوقت هي سلطة أمر واقع قائمة في قطاع غزة ومسؤولة عن الوضع هناك. ودخولها المعركة بكل ثقلها يعني أن إسرائيل ستستهدف قياداتها وعلى رأسهم يحيى السنوار قائد الحركة في غزة، كما ستضرب البنية التحتية لها والمدنية في غزة لمعاقبة «حماس» ووضعها في مواجهة المواطنين. وقد يتدهور الوضع إلى حرب شاملة يمكن أن تؤدي لخسارة كبيرة للحركة. ومن ناحية أخرى، «حماس» تخوض حروبها لأجنداتها الخاصة وليس لما يمكن أن يملى عليها في الواقع. بمعنى أن كل حرب بالنسبة إليها محسوبة بدقة ويجب أن تربح منها ولا تخسر وعملياً هذا ما عملت عليه الحركة منذ عدوان العام 2014.
أما حركة «الجهاد» فهي حركة مقاومة فقط، وليست معنية لا بسلطة ولا بما يحدث من خسائر طالما هي قادرة على المواجهة. وقد أثبتت أنها تستطيع ترميم نفسها وبناء قيادات جديدة بالرغم من الخسائر المتلاحقة في المواجهات مع إسرائيل.
على المستوى الإسرائيلي، دعمت المعارضة الصهيونية الحكومة في العدوان على غزة، ولكن لم تتوقف عن التظاهر ضد الحكومة، وما أن توقفت النار حتى بدأ الحديث مجدداً عن «الإصلاح القضائي» والمشكلات الداخلية، بما في ذلك التشكيك في ادعاءات نتنياهو بالنصر واستعادة قوة الردع. وتندر البعض بالتساؤل متى ستكون الجولة القادمة. حتى لو نجحت الحكومة العنصرية في تنظيم مسيرة الأعلام التي تخشى من التصعيد خلالها فلا يعني هذا أن إسرائيل حققت الأمن. فالمواجهة الحقيقية تجري في الضفة الغربية والقدس وهي متواصلة وتتجه نحو التصعيد أكثر في ظل الحملات القمعية العدوانية التي تشنها قوات الاحتلال وعصابات المستوطنين ضد المواطنين الفلسطينيين وضد المدن والقرى والممتلكات في مختلف أرجاء الضفة المحتلة.
إنها حرب مستمرة بين الشعب المنكوب الذي بدأ العالم يقر بنكبته ويحتفل بها، وبين احتلال فريد من نوعه يتسم بالعنصرية والوحشية الدموية، مدجج بالسلاح ومدعوم من الغرب، ويستهدف اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرض وطنه ولا يقر له بأي حقوق على الرغم من أنه يمثل كياناً مغتصباً وغير أصيل، قام على أنقاض الكيان الفلسطيني الضاربة جذوره في عمق الأرض والتاريخ. والحقيقة أن تجارب التاريخ تقول إن كل الشعوب تنتصر في النهاية طالما هي متمسكة بحقوقها وتقاوم المحتل.
وفي النهاية أصبح مصير إسرائيل مرتبطاً بمصير الشعب الفلسطيني مهما هرب الإسرائيليون من التوصل إلى حل منطقي ينهي الاحتلال ويحقق السلام والأمن للجميع.