وكالات - عقل أبو قرع - النجاح الإخباري - صادف، يوم أمس، أو الـ28 من شهر نيسان من كل عام، ما يعرف باليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية، حيث يتم الاحتفال به بدءا من العام 2003 وبقرار من منظمة العمل الدولية، من اجل تسليط الضوء والعمل على اتخاذ الإجراءات للوقاية من الحوادث والإصابات والأمراض المهنية بأنواعها، وشعار اليوم العالمي للصحة والسلامة المهنية 2023 هو «المشاركة في بناء ثقافة وقائية في مجال السلامة والصحة المهنية»، مع التركيز على الإرشادات والتعليمات والإجراءات التي بدورها تحفز على خلق بيئة عمل صحية وبالأخص للفئات الأكثر تضررا من الظروف غير الصحية في بيئة العمل، ومن هذه الفئات المرأة العاملة.
وفي هذا اليوم، من المهم التأكيد على أهمية توفير المعلومات الصحية من اجل الحفاظ على بيئة العمل الصحية والسليمة، وفي بيئة العمل، قد تتعرض العاملة أو العامل إلى مواد كيميائية متعددة، تلك المواد التي يمكن أن ينتج عند التعرض لها حوادث عمل وإصابات وأمراض، ويمكن أن تكون لها آثار لحظية أي فورية، أو يمكن أن ينتج عنها آثار بعيدة المدى، على شكل أمراض مزمنة مؤلمة، وهذا هو الأخطر، ويموت سنويا حوالي مليونين من العمال نتيجة أمراض المهن المختلفة.
وفي بلادنا، تتعرض النساء العاملات إلى المواد الكيميائية في مواقع العمل، حيث يمكن أن تتعرض العاملات في الزراعة وهن الأغلبية في بلادنا، إلى المواد الكيميائية من مبيدات ومن أسمدة ومن هرمونات متعددة الاستعمالات، أو أن تتعرض العاملات والعاملون في المصانع إلى المعادن الثقيلة والمركبات العضوية، أو أن يتعرض عمال البتروكيماويات إلى البنزين ومشتقاته، أو أن يتعرض عمال المطابع والعاملون في دمغ الذهب إلى المواد الكيميائية التي تدخل في هذه الصناعات، أو أن يتعرض العاملون في الصناعة الدوائية والغالبية من النساء إلى مواد كيميائية مختلفة، أو حتى أن تتعرض عاملات الصناعات الغذائية إلى المذيبات والمضافات والملونات والمواد الحافظة وما إلى ذلك، ودون شك فالتعرض إلى هذه الكيماويات، وان تم بشكل غير آمن، أو إذا لم تلتزم العاملات بإجراءات السلامة والوقاية والفحوصات قبل وبعد التعرض لهذه المواد الكيميائية، ستكون هناك آثار سيئة على العاملة وعلى عائلتها وعلى بيئة العمل.
وهذا ما يحدث في الواقع، حيث تطالعنا الأخبار في بلادنا وبلدان أخرى في العالم بإصابات عمل هنا وهناك، وبعضها قد يكون مميتا أو محدثا عاهات لفترات طويلة، وما لذلك من آثار ليست فقط صحية، وإنما اقتصادية واجتماعية ونفسية، ليس فقط على العامل أو العاملة المصابة، وإنما على إفراد العائلة والبيئة المحيطة، والسلامة والصحة المهنية في العمل هي بالأساس مسؤولية أصحاب العمل أو الهيئة المشغلة، والدوائر الرسمية المعنية وطبعا كذلك العامل أو العاملة.
وينص قانون العمل الفلسطيني وبوضوح، على ضرورة توفر إجراءات الصحة والسلامة المهنية، وبصرف النظر عن طبيعة العمل، في داخل بيئة العمل، وبأن تكون التعليمات بخصوص هذه الإجراءات واضحة للعيان لكل من يتواجد في بيئة العمل، وان تتوافر المعدات والأدوات اللازمة للإسعافات الأولية وللحماية الشخصية في حال تطلب العمل ذلك، وينص القانون كذلك على ضرورة إجراء الفحوصات الطبية الروتينية الدورية وحسب طبيعة ومدة العمل.
وهناك خصوصية يجب التركيز عليها للمرأة العاملة في قانون العمل الفلسطيني، حيث يشير القانون إلى تحديد الأعمال الخطيرة المحظور على المرأة العاملة القيام بها وبعدم إجبارها على ذلك، وكذلك هناك فقرة في القانون تنص على طبيعة الأعمال التي تستطيع النساء عملها، ليلا، وعلى حظر بعض الأعمال على النساء الحوامل والنساء المرضعات والمربيات للأطفال.
وإذا كان القانون ينص بوضوح ويشدد على أهمية الالتزام بأنظمة الصحة والسلامة المهنية، فإن تكرار الإصابات وتعددها ليدل على الإهمال وعدم الالتزام بتطبيق الإجراءات في بيئة العمل في بلادنا. وإصابات العمل قد تحصل بصورة مباشرة، أو تكون ظاهرة للعيان، سواء على شكل إصابات خارجية كالجروح أو إصابات داخلية تشمل التسمم وغير ذلك، ومثل هذه الإصابات يمكن التعامل معها ومعالجتها سواء في موقع العمل أو في الموقع الصحي ومن ثم متابعتها، وكذلك اتخاذ الإجراءات الضرورية لعدم حدوثها.
ولكن وربما الأخطر حين يتعلق الأمر بالسلامة والصحة المهنية للمرأة العاملة، هي تلك الإصابات أو الأمراض المزمنة والخطيرة والتي تنتج عن التعرض المتواصل لمواد سواء أكانت كيميائية أو بيولوجية أو إشعاعية أو حتى فيزيائية، وبشكل قليل، بحيث لا تظهر الآثار الآنية للتعرض لها، ولكن ومع مرور الزمن، سواء على المرأة نفسها أو على أجنتها وأطفالها، حيث وبسبب تراكم التعرض لهذه المواد، ولو بكميات قليلة، تظهر الآثار على شكل أمراض مثل السرطان والتشوهات الخلقية والأمراض العصبية والانعكاسات المترتبة على ذلك، وربما من الأمثلة على ذلك التعرض المتواصل للمبيدات الكيميائية للعاملات في قطاع الزراعة، والتعرض إلى المعادن الثقيلة والمركبات العضوية للعاملات في مجال الصناعات الكيميائية والغذائية والأدوية، وكذلك التعرض المتواصل للضجيج للعاملات في صناعة الغزل والنسيج ومشاغل الخياطة.
وحين يتعلق الأمر بالصحة والسلامة المهنية، فإنه يجب الأخذ بعين الاعتبار خصوصية المرأة العاملة، المرأة العاملة قد تحمل وتلد وترضع، وبالتالي فإن بيئة العمل ومدى تعرضها إلى ظروف عمل غير صحية خلال هذه المراحل المختلفة قد يؤدي إلى عواقب وخيمة عليها وعلى جنينها وأطفالها، فهناك دراسات دلت ودون أي مجال للشك على أن الكثير من المواد الكيميائية ومن ضمنها النيكوتين ومكونات التبغ إذا وصلت إلى جسم المرأة فإنها تنتقل من خلال المشيمة إلى الجنين وكذلك من خلال الرضاعة إلى الرضيع.
وفي ظل الضجيج الإعلامي والندوات التي ترافق إحياء «اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية»، وفي ظل الصخب والتهريج والضجة حول أهمية منح حقوق المرأة العاملة كما ينص القانون في بلادنا، إلا أن الأجدر هو القيام بخطوات عملية في اتجاه إعطاء المرأة الحقوق ومن ضمنها الحق في توفر بيئة عمل لائقة، وفي اتجاه توفير الظروف الصحية والسلامة المهنية في بيئة العمل، وحتى في اتجاه إعطاء المرأة الفلسطينية العاملة حقها في الحصول على الحد الأدنى للأجور وغير ذلك من الحقوق التي مجتمعة تقود إلى ظروف عمل سليمة وصحية.