وكالات - مهند عبد الحميد - النجاح الإخباري - يشهد العالم العربي والاقليم موجة مصالحات أبرزها وأهمها مصالحة أنظمة الخليج بزعامة السعودية لنظام الأسد بعد عقد وينوف من الحرب والقطيعة. البعض أسمى ذلك استعادة سورية من الحضن الإيراني الى الحضن العربي، ولكن عندما يترافق ذلك مع مصالحة سعودية إيرانية فإن ذلك الاعتقاد او الهدف سرعان ما يتبدد لجهة بقاء سورية ولبنان وسلطة الحوثيين في الخندق الإيراني. والمصالحات المذكورة لم تأت في مواجهة اتفاقات التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. فقد خلت البيانات الصادرة عن المتصالحين من أي إشارة للاتفاقات او للاحتلال الإسرائيلي للجولان وفلسطين ولا للحرب التي يشنها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني. وما يعنيه ذلك من تلاشي الحدود والمسافات بين ممانعة نظام الأسد للامبريالية وإسرائيل، وبين علاقات التبعية الجديدة التي أسست لها اتفاقات التطبيع والتحالف الخليجي – الإسرائيلي، الأمر الذي يستدعي إعادة تعريف معسكر المقاومة والممانعة لخطابه وسياساته وتعبئته السابقة والمستجدة، إلا إذا تعامل مع جمهوره كقطيع يتبع حاكماً لا يخطئ، ويضع نفسه فوق المساءلة، ولديه مطلق الصلاحيات في تغيير مواقفه. ولم تمس المصالحات واقع تقسيم سورية الى مناطق نفوذ بين روسيا وتركيا وايران وأميركا، فضلاً عن الخطوط الحمر التي تضعها دولة الاحتلال الإسرائيلي داخل سورية، وتتدخل يومياً لصيانتها بإجازة من صاحب النفوذ الأكبر – روسيا-.
البيان السوري السعودي خلا من أي إشارة لتطبيق نظام الأسد للقرارات الدولية وبخاصة القرار 2254 الذي ينص على البدء بعملية سياسية جامعة وصياغة دستور جديد والدخول في انتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة، وخلا من أي إشارة لعودة آمنة لملايين اللاجئين السوريين الى بلدهم. وخلا من أي استجابة للمطالبة بالكشف عن المعتقلين والمختفين في سجون النظام. والبيان الختامي لمجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق لم يتعرض للحل السياسي الذي كان مثار جدل وخلاف بين المجتمعين، ولم يأت على ذكر عودة نظام الأسد لجامعة الدول العربية. ما اقتصر عليه هو علاقة واتفاقات ثنائية بين النظام ونظرائه من الأنظمة العربية، وصار بالإمكان القول إن نظام الأسد تحول الى ورقة في الصراع الإقليمي. بعد ان اختزلت قضيته إلى هدف واحد هو بقاؤه على قيد الحياة بأي شروط. كما أن التطورات الأخيرة لم تغير قيد أنملة من واقع أن النظام العربي انسحب من القضية السورية وبخاصة بعد التدخل الروسي في العام 2015، كما انسحب من القضية العراقية بعد الغزو الأميركي للعراق، وكما انسحب من القضية الفلسطينية بعد إبرامه للاتفاقات مع دولة الاحتلال وتعايشه مع صفقة القرن الترامبية.
لقد غابت شروط استئناف علاقات البلدان العربية بالنظام، باستثناء وقف تجارة المخدرات السورية - الكبتاغون- عبر الحدود وصولاً الى السعودية ودول الخليج، جاء ذلك في البيان السوري السعودي المشترك. لا شك في أن يُسر العودة المتبادلة وثيق الارتباط بطبيعة التدخل إبان الانتفاضة السورية. فالعودة العربية إلى النظام لم تقترن بحل سياسي ولا باي اكتراث بمصير ملايين اللاجئين السوريين ومعاناتهم وحريتهم وكرامتهم. بمثل ما أدى التدخل العربي في العام 2012 الى احباط الانتفاضة السلمية الديمقراطية ومطالب المنتفضين المشروعة، وذلك بانحياز المتدخلين للعسكرة عبر تنظيمات إرهابية مثل النصرة وجيش الإسلام وبالانحياز للاخوان المسلمين والتنظيمات الاصولية. التدخل الذي ربما كان في مواجهة التدخل الإيراني والمليشيات التابعة له، أنشأ مليشيات موازية، وأسهم في إحباط المنتفضين السلميين وخدم النظام ومهد الطريق للتدخل الروسي. عادت أنظمة الخليج الى النظام وعاد النظام إليها على حساب مطالب ملايين السوريين. في المضمون لا يوجد تناقض في موقفي التدخل العربي والعودة الى النظام، فهذه الأنظمة منسجمة في عدائها للديمقراطية والثورات والانتفاضات والشعوب المطالبة بالحرية.
ما جرى ويجري يحيلنا الى المعارضة السورية- ائتلاف المعارضة المقيم في تركيا، والهيئة العليا للتفاوض المقيمة في السعودية، والمعارضة الكردية في الشمال السوري التي تحظى بدعم أميركي أوروبي. هذه المعارضة بأطيافها ساهمت في الوصول الى هذه النتيجة المأساوية كنتيجة منطقية لقبولها شروط الداعمين والمتدخلين وانضباطها لأجنداتهم الى درجة فقدان الاستقلالية والإرادة. لم تحرك أقطاب المعارضة ساكناً إزاء ما يجري في البلدان المضيفة والداعمة من انفتاح وتفاهم مع النظام، على حساب مصالح ملايين السوريين، والانكى على حساب مصالح المعارضة نفسها التي تفقد بقبولها او بصمتها آخر سهم من مبررات وجودها واستمرارها. فعندما تتفاوض الدول المضيفة للمعارضة مع النظام بمعزل عنها وبمعزل عن المنكوبين السوريين، فإن ذلك يعني بيع المعارضة للنظام وتثبيت فوزه عليها، وبالمحصلة فوز النظام والمعارضة والمتدخلين العرب والمتدخلين الدوليين على الشعب السوري، وشطب قضيته العادلة التي تتلخص بالمطالب المشروعة في الخبز والحرية والكرامة والديمقراطية والتحرر من الاحتلال والتدخلات الاستعمارية والرجعية.
هل أخطأ الشعب السوري عندما انتفض بعد أن أمضى ردحاً طويلاً أسيراً لعلاقات الاستبداد والتسلط والقمع، التي فرضها النظام تحت يافطة معارضته للامبريالية ودعمه لفصائل مقاومة بأجندات متشابهة مع أجندته؟ قطعاً، لم يخطئ الشعب السوري كما لم تخطئ شعوب مصر وليبيا واليمن والبحرين والجزائر والعراق والسودان في انتفاضاتها ومطالبها العادلة، كما لم يخطئ الشعب الفلسطيني في انتفاضته ضد الاحتلال وجرائمه. ولم تكن تلك الانتفاضات صنيعة مؤامرة استعمارية كما يحلو للممانعين الاستمرار في تكرار روايات الأنظمة الكاذبة. لا ذنب للشعوب المنتفضة في تكالب الثورات المضادة المدعومة بتدخلات رجعية واستعمارية وفي استئناس المعارضات وتدجينها وتهميشها. لا ذنب للشعوب في هشاشة وضعف وعي المعارضة وعدم كفاءتها في قيادة النضال الديمقراطي والاجتماعي والوطني قبل الانتفاضات وأثناءها وبعدها، وفي انخداعها بالتدخلات الخارجية الاستعمارية والرجعية، وفي تفضيلها للشيطان على النظام كما فعلت المعارضتان العراقية والسورية. لا ذنب للشعوب في وجود أنظمة شمولية وعسكرية شعارها الاستمرار في الحكم او تدمير البلد وتهجير شعبه والتحالف مع الشيطان في سبيل ذلك. إن خسارة الشعوب العربية لربيعها لا يعني نهاية المطاف، ولا يعني ان الانتفاضات والثورات التي راح ضحيتها مئات الآلاف وملايين المشردين وعشرات آلاف المعتقلين ذهبت سدى. بقي سؤال تغيير المعارضة التي فشلت في تغيير النظام. وهل نشهد بداية تشكل معارضات مستقلة؟