وكالات - أشرف العجرمي - النجاح الإخباري - لم يتوقع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن تكون ردود الفعل على إقالة وزير حربه يوآف غالانت بهذه القوة، بحيث تجتاز الساحة الداخلية الإسرائيلية إلى ساحات خارجية مهمة. ولم تقتصر على الجمهور الإسرائيلي وحركة الاحتجاج التي شملت أحزاب المعارضة ومختلف قطاعات المجتمع، والتي خرجت في تظاهرات غير مسبوقة بعد الإعلان عن الإقالة، وحتى بعض شخصيات حزب «الليكود» الحاكم عارضت، بل طالت تأثيرات هذه القرار الولايات المتحدة الأميركية التي امتعضت من كل ما يجري في إسرائيل من السعي للانقلاب على السلطة القضائية وصولاً لإقالة الجنرال غالانت الذي يعتبر رجلاً عسكرياً مهماً للأمن الإسرائيلي الذي تهتم به واشنطن أكثر من أي شيء آخر.
لقد أخذ نتنياهو موقفاً من غالانت لأنه عقد مؤتمراً صحافياً طالب فيه بوقف تنفيذ «الإصلاحات القضائية» حتى يتم التوصل إلى توافق واسع حولها لأن هذا يمس بوحدة الجيش ويؤثر بشكل سلبي على الأمن الإسرائيلي. مع أن الأخير لم يعبر عن موقفه الشخصي بقدر ما عبر عن مواقف كل القيادات الأمنية من رئيس هيئة الأركان ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن العام «الشاباك»، وجهاز «الموساد»، وقائد سلاح الجو وغيرهم. وهو لم يعارض خطة «الإصلاحات» بل طالب بعدم المضي قدماً فيها في ظل الانقسام الكبير الذي يعصف بالمجتمع الإسرائيلي وطال قوات الاحتياط في الجيش وأذرعه المهمة.
نتنياهو في خطابه الذي ألقاه، أول من أمس، تراجع عن إقالة غالانت، ولكنه اتهم الحكومة السابقة التي كانت تقودها المعارضة بأنها المسؤولة عن الوضع الأمني المتدهور الذي تشهده إسرائيل على جبهات عديدة. وندد باتفاق الغاز الذي وقعته إسرائيل مع لبنان واعتبره تنازلاً لم يؤخر المواجهة مع «حزب الله». ولقد هاجمت المعارضة خطاب نتنياهو الذي اعتبر بأنه نوع من البكائيات وفقدان سيطرة وعدم أهلية على القيادة وغير ذلك من الانتقادات القاسية. ولكن الأهم من التنديد بأقوال نتنياهو هو خروج الجماهير في تظاهرات عفوية للاحتجاج على ما جاء في كلمته.
من الواضح أن نتنياهو وان كان قد تراجع عن خطوة إقالة غالانت بسبب الأوضاع الأمنية والرفض المحلي والأميركي لها، فإنه لا يعتزم التراجع عن مخططاته التي يريد تنفيذها والتي جمدها إلى حين وأهمها تعديل النظام القضائي بما يتيح سيطرة الحكومة على السلطة القضائية. وهناك من يعتقد أنه سيستأنف عملية التشريع بعد انتهاء عطلة الكنيست والأعياد اليهودية كما وعد بذلك، وسيستخدم التسريبات في الوثائق الأميركية التي تقول إن جهاز «الموساد» الإسرائيلي يدعم الاحتجاجات. وسبق لأنصار نتنياهو أن ادعوا بأن حركة الاحتجاج ممولة من الولايات المتحدة. ولهذا فالتسريبات تمنح نتنياهو ورقة إضافية لاتهام أجهزة الأمن، التي يرى أنها لا تفعل ما يكفي لمنع الاحتجاج داخل صفوفها، بأنها تشارك بالمؤامرة عليه بدعم من جهات خارجية وخاصة الولايات المتحدة التي ينسق فيها جهاز «السي آي إيه» مع نظيره جهاز «الموساد» المتهم.
المعارضة الإسرائيلية في هجومها على نتنياهو تتهمه بأنه ساهم بشكل كبير في تدهور الوضع الأمني وتآكل قدرة الردع التي كانت لدى إسرائيل قبل تشكيل هذه الحكومة. وأن الاحتجاجات الشعبية والانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي شجعا أعداء إسرائيل على استهدافها والتطاول عليها. واعتبروا أن رد الحكومة على العمليات الأخيرة وخاصة إطلاق الصواريخ من لبنان وغزة هزيل ولا يشكل أي مساهمة في استعادة قوة الردع. إذاً، نتنياهو يواجه اتهاماً مزدوجاً في الانقلاب على النظام السياسي في إسرائيل والتسبب في ضعف إسرائيل الأمني. فإذا كان لا يريد التراجع عن تغيير القوانين المتعلقة بسلطة القضاء والمحكمة العليا على وجه الخصوص، فما الذي يمكن أن يفعله في وجه هذه الاتهامات؟
الشيء الذي قد يقدم عليه نتنياهو لتحسين صورته واستعادة جزء مهم من شعبيته، التي فقد ثلثها على الأقل حسب استطلاعات الرأي الأخيرة، هو عملية عسكرية كبيرة تحقق فيها إسرائيل إنجازاً مهماً، وهناك أربع جبهات معادية يمكن لإسرائيل العمل ضدها، جبهة إيران وجبهة سورية وجبهة لبنان وجبهة غزة. فبالنسبة للجبهة الإيرانية من المستبعد أن تقدم إسرائيل على شن حرب على إيران في الظروف الحالية ليس فقط بسبب سوء العلاقة مع واشنطن، بل لأن التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة تعيق مثل هذه المغامرة خاصة بعد تحسن العلاقة بين السعودية وإيران والتحالف الذي يحاك بين روسيا وإيران وتطورات أخرى عديدة. وجبهة لبنان مستبعدة لأن إسرائيل لا تريد حرباً مع «حزب الله»، وتحاول الأوساط الأمنية تبرئة الحزب من أي علاقة بإطلاق الصواريخ على إسرائيل. بقيت جبهتان، الأولى سورية حيث تشن إسرائيل هجمات متواصلة عليها فيما تقول انه استهداف لمواقع إيرانية ومخازن أسلحة دقيقة. وهذه قد تستمر ولكن لا يمكن لنتنياهو أن يسجل نصراً واضحاً فيها وهو يعلم أن هناك خطوطاً حمراء روسية قائمة لمدى حرية العمل الإسرائيلية في سورية. والجبهة الوحيدة التي يستطيع نتنياهو أن يدعي أنه حقق فيها ضربة كبيرة هي غزة. وهذا ممكن بشرط واحد هو عدم انضمام جبهات أخرى للحرب مع غزة. فموازين القوى تسمح لإسرائيل تنفيذ عدوان كبير على غزة كما حصل في مرات سابقة. لكن هذا لن يحقق الأمن لإسرائيل بأي حال والأجهزة الأمنية الإسرائيلية تنظر بخطورة أكبر لما يجري في الضفة الغربية.