وكالات - أشرف العجرمي - النجاح الإخباري - صراع حركة الاحتجاج المعارضة لإصلاحات حكومة بنيامين نتنياهو أخذ منحى أكثر قوةً وزخماً بعد أن أقدم نتنياهو على إقالة وزير الأمن (الدفاع) يوآف غالانت الذي أعلن في كلمة متلفزة مساء السبت الماضي عن تأييده لتجميد التشريعات التي تستهدف تغيير السلطة القضائية والسعي للتوصل إلى اتفاق واسع حولها.
ومشكلة رئيس الحكومة مع غالانت أنه لا يعارض «الإصلاحات» التي يريد الائتلاف تشريعها، ولكنه من منطلق الحرص على أمن إسرائيل آثر أن يتم تجميدها لحين التوافق على صيغة مقبولة على الجميع. وقد بنى غالانت موقفه بعد أن استمتع لقادة الأجهزة الأمنية وخاصة رئيس هيئة أركان الجيش، والذين أكدوا له أن الوضع الأمني الذي تواجهه إسرائيل على درجة كبيرة من الخطورة، ليس فقط لأن أعداءها لاحظوا انقسامها وضعفها وانخفاض مستوى قوة ردعها، بل والأهم وجود انقسامات وتمرد داخل صفوف القوات المسلحة بدأت بوحدات النخبة في الاحتياط، وانتقلت العدوى للجيش النظامي الذي أعلن عدد من ضباطه تفهمهم ودعمهم لتمرد جيش الاحتياط وعدم رغبتهم في التطوع للخدمة.
نتنياهو لا يمكنه أن يتهم غالانت بالانحياز للمعارضة والتمرد عليه على الرغم من أنه تعامل معه على هذا النحو. وكانت غلطته القاتلة هي اتخاذ قرار متسرع بإقالة غالانت، الأمر الذي استفز الشارع الإسرائيلي وخرجت الجماهير بشكل عفوي بمئات الآلاف في أضخم تظاهرات تشهدها إسرائيل. الأمر الذي دفع اتحاد نقابات العمال «الهستدروت» لاتخاذ موقف مؤيد لحركة الاحتجاج والإعلان عن إضراب في قطاعات الدولة المختلفة. وأعلنت الجامعات عن إضراب عن التعليم. وكان واضحاً أن إسرائيل أمام حالة شلل كلي سيؤثر بشكل كبير على اقتصادها وقد يؤدي لانهيار الشيكل والأسهم في البورصة الإسرائيلية. وأيضاً ستشهد إسرائيل حالة تمرد هائلة لا مثيل لها في أذرع الجيش المختلفة وتوسع ظاهرة رفض الخدمة العسكرية بشكل كبير في جيش الاحتياط.
ولم يكن باستطاعة نتنياهو أن يستمر في عملية التشريع وخاصة تمرير قانون تعيين قضاة المحكمة العليا لأن هذا سيقود لصدام قد يتحول بين لحظة وأخرى إلى حرب أهلية. واضطر تحت ضغط الشارع وحالة الانقسام في حزبه الذي أيد عدد من أعضائه في الكنيست موقف غالانت إلى تعليق تمرير القانون بالقراءتين الثانية والثالثة، حتى الدورة الصيفية للكنيست التي ستبدأ بعد الأعياد في نهاية شهر نيسان. أي أنه يؤجل الموضوع لمدة شهر أو أكثر قليلاً. وهو يقول بأنه سيفسح المجال للحوار لمحاولة الوصول لاتفاق، ولكن في حال عدم التوصل لمثل هذا الاتفاق سيعمد الائتلاف الحكومي لتنفيذ التشريع من جانب واحد. ولا شك أن نتنياهو نجح في تحييد وزير العدل الذي يقود عملية «الإصلاح القضائي» والذي سبق وهدد بالاستقالة إذا تم وقف التشريع. كما قدم تنازلات لإيتمار بن غفير تمثلت بزيادة ميزانيات وزارته والبدء فوراً بإنشاء الحرس الوطني كقوة مستقلة تخضع لبن غفير شخصياً وليس للجيش أو أي جهة أخرى.
قادة المعارضة وخاصة يائير لابيد وبيني غانتس وافقوا على بدء الحوار مع نتنياهو، ورئيس الدولة اسحق هرتسوغ طالب بتشكيل لجنة ثلاثية للحوار لديه. وقد يبدأ الحوار حول التشريعات قريباً مع وجود شكوك جدية في نوايا نتنياهو الذي يعتبر تغيير القانون بخصوص قضاة المحكمة العليا قضية تتعلق بمصيره الشخصي والسياسي. وهناك من يتهمه بالمناورة ومحاولة كسب الوقت لإضعاف حركة الاحتجاج ومن ثم تمرير القوانين في لحظة مناسبة وبصورة خاطفة. ولديه مشكلة مع غالانت فهو مستعد لإعادته لمنصبه شرط استقالته من الكنيست والأخير رفض هذا العرض.
وعلى ما يبدو فإن نتنياهو يفكر في اللحظة التي يفشل فيها الاتفاق وتذهب الكنيست للتصويت. فاستقالة غالانت تمكنه من الحصول على صوت مضمون في التصويت القادم. وبالمناسبة كان خطأه في التعامل مع غالانت هو في رؤيته شخصاً لا يملك تياراً داخل حزب «الليكود» ولا يوجد له مؤيدون يمكن أن يتبعوه. ولم يفكر للحظة أن الموضوع سيأخذ بعداً شعبياً كبيراً وسيدفع الجماهير للغضب عليه. وحتى الآن ليس واضحاً ماذا سيكون مصير غالانت.
من المبكر رؤية نتنياهو يسلم بالهزيمة حتى لو أنه خسر الجولة الأولى من حربه ضد النظام السياسي القديم، فهو لم يتنازل عن موقفه بضرورة إجراء التشريعات التي تحد من قدرة السلطة القضائية لصالح الائتلاف الحاكم. وسيحاول أن ينفذ ذلك بكل الطرق الممكنة. وتراجع نتنياهو لا ينهي الانقسام الذي يعصف بالمجتمع الإسرائيلي ووجود كتلتين متناقضتين لدى كل منهما رؤية مغايرة لطبيعة وجوهر الحكم في إسرائيل. والصراع هو بين الصهيونية العلمانية الليبرالية التي حكمت إسرائيل طوال العقود الماضية وبين الصهيونية- الدينية المشيحانية التي تريد فرض سلطتها الدينية - الدكتاتورية على المجتمع والدولة. وللأسف كلتا الكتلتين لا تفكران بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية حتى لو أن الكتلة اليمينية الأكثر تطرفاً التي تحكم إسرائيل الآن تذهب نحو حسم الصراع بشطب فكرة الدولة الفلسطينية وبضم مناطق فلسطينية محتلة لإسرائيل. بينما تحاول الكتلة الأولى الحديث عن السلام وأحياناً حل الدولتين ولكنها تستمر في إدارة الصراع دون سعي حقيقي للتوصل إلى تسوية سياسية تنهيه.