وكالات - مهند عبد الحميد - النجاح الإخباري - لا تختلف التنظيمات السياسية حول تقييم خطورة إدامة الاحتلال الكولونيالي ونظام الأبارتهايد المنبثق عنه، من خلال عمليات التطهير العرقي والضم ونهب الأراضي وزحف الاستيطان والقمع الدموي لكل من يقاوم الاستيطان. ولا تختلف في أن إدامة الاحتلال تعني تقويض وتفكيك مقومات المشروع الوطني وتهديد وجود الشعب الفلسطيني في وطنه. لازمة نسمعها ونقرأها يومياً في وسائل الإعلام الفلسطينية وعبر الناطقين باسم التنظيمات وكتائب المقاومة. الشق الثاني من اللازمة هو الدعاية المفرطة للمقاومة بكل أشكالها العنيفة والسلمية ومن مختلف ألوان الطيف السياسي.
وإذا كان المواطن العادي يستطيع إدراك الخطر والرد عليه كيفما اتفق، وذلك من خلال معايشته اليومية للواقع المأساوي الذي يصنعه الاحتلال، فإن التنظيمات السياسية مطالبة بتقديم رؤية وبرنامج بالمهمات والانتقال من العفوية ورد الفعل الى الفعل المنظم، وهو ما نفتقده الآن.
في مقابلة مع قناة الجزيرة قال خليل الحية عضو المكتب السياسي لحركة حماس: حركة حماس ومعها بقية الفصائل تمتلك قوة قادرة على لجم العدوان وتعزيز المعادلات بين المقاومة والاحتلال. ويوضح أن «معادلات الردع مع الاحتلال قائمة على وجود قوة داخل غزة قادرة على ضرب الاحتلال في كل مكان. وعلى مقاومة داخل الضفة تفعل الشيء نفسه، ويضيف: ما يجري في نابلس يؤكد أن المقاومة هي التي تردع الاحتلال وتحقق الانجازات، كما فعلت في انتفاضة الأقصى. ويؤكد: حماس ليست في منأى عن الميدان وهي منخرطة بشكل يومي مع المقاومة في نابلس وجنين وقلقيلية، ولديها قوة جاهزة للانخراط المباشر في اي مواجهة مع الاحتلال حينما يتخذ القرار بذلك.
يفهم من هذا الكلام أن المقاومة حققت «معادلات ردع» وهي تردع الاحتلال وتحقق الإنجازات، ومنخرطة بشكل يومي في المقاومة، ولديها قوة جاهزة للانخراط المباشر بانتظار القرار. هذا الكلام هو إسقاط رغبة ونتمنى أن يكون صحيحاً، لأن توازن الردع سيؤدي الى تراجع الاحتلال قليلاً بوقف اندفاعته المجنونة في القدس، وإبطاء اندفاعته الاستيطانية في الضفة، ووقف اقتحام المسجد الاقصى، ووقف هجمته على الاسرى وقرصنة أموالهم. ان كل نتائج الاعتداءات الاسرائيلية وردود المقاومة واتفاقات التهدئة لا تعكس أبداً وجود «معادلات ردع»، وهذا مؤسف، والمؤسف أكثر هو بقاء هذا الخطاب ساري المفعول.
لا يعيب الشعب الفلسطيني ومقاومته انه يواجه دولة إقليمية عظمى تملك أضخم ترسانات السلاح، بإمكاناته المتواضعة ويصمد اكثر من قرن. ولا داعي الى ادعاء «توازن الردع» المتخيَّل الذي دفعنا وما زلنا ندفع ثمناً. ولا داعي للحديث عن مواجهة عسكرية تقليدية بعد ان دفعنا اثماناً باهظة للعدوان الإسرائيلي. ولنعد الى شعار «نصمد ونقاتل ولا نركع» رغم البون الشاسع في موازين القوى.
إذا اعتمدنا خطاب توازن أو معادلات الردع لا تكون حاجة الى تطوير العمل المسلح التلقائي والعفوي وتفادي الأخطاء التي تسببت في زيادة الخسائر البشرية والمادية في صفوف الشبان المقاومين والمواطنين في الضفة. فلا يعقل انكشاف المقاومين وأماكن تواجدهم من خلال مشاركتهم العفوية في المسيرات والجنازات، واستمرار انكشافهم أمام آلة حرب تستخدم أحدث التقنيات والوسائل، فضلاً عن افتقادهم للتأهيل العسكري في حده الأدنى وعن افتقادهم للسلاح الملائم بحده الأدنى.
المقاومة في قطاع غزة لها مواقع علنية قليلة ومعظم مواقعها سرية، مع ان القطاع لا يخضع لاحتلال مباشر. لماذا يُترك الشبان بدون حماية واهم أنواع الحماية عدم الانكشاف لأجهزة الاحتلال، وأكبر دليل على ذلك أن المقاومين الأفراد غير المنظمين يفاجئون الاحتلال وينجحون في امتلاك عنصر المبادرة. وإذا كان الشبان يفتقدون الخبرة وهم يفتقدونها فعلاً، فمن غير المفهوم ان لا تتدخل الفصائل المنظمة وكوادرها ممن يملكون خبرة ومهنية عسكرية لنقل خبراتها لهم، ولنقل الشبان من الحالة المرتجلة الى الحالة المنظمة ومن العلنية الى السرية. لماذا تقتصر المقاومة إلى حد كبير على الذين لا يملكون الخبرة وتتكرر الخسارة من طرف واحد في كثير من المرات؟ ولما كانت المقاومة المنظمة جاهزة للانخراط في المواجهة كما يقول الحية فلماذا لا تتصدر المقاومة الصفوف وتقدم نماذجها الناجعة في المقاومة باستخدام المهنية وقواعد حرب الغوار؟
الإجابة عن الأسئلة السابقة يمكن معرفتها من خلال المفاهيم التي يستند إليها الحية عندما قال: إن المقاومة هي التي تردع الاحتلال وتحقق الإنجازات، كما فعلت في انتفاضة الأقصى. ما يوحي هنا بأن المقاومة انتصرت في انتفاضة الأقصى 2000، وهذا مخالف للواقع، فالانتفاضة المسلحة هُزمت وكان من نتائجها تصفية المقاومة المسلحة في الضفة الغربية -بين قتل واعتقال- شمل ذلك عناصر وكوادر الأمن التابعين لأجهزة السلطة ممن شاركوا أو دعموا الانتفاضة. كذلك جرى اغتيال رئيس السلطة ياسر عرفات، ونجحت دولة الاحتلال في دمج العمليات الاستشهادية ضد مدنيين في العمق الإسرائيلي بالإرهاب وفي دمج النضال الفلسطيني بالإرهاب، وفي استخدام تلك العمليات لتسويغ بناء جدار الفصل العنصري وضم 10% من أراضي الضفة الغربية. هذه النتائج وغيرها لا تعكس أن المقاومة ردعت الاحتلال إلا إذا اعتمدنا مقاييس أخرى، كفوز حماس في الانتخابات وانتقالها الى الحكم، وسقوط الحل السياسي لصالح اليمين وأقصى اليمين الإسرائيلي وليس لصالح المقاومة وبرنامج التحرر. اذا أخذنا تقييم نتائج انتفاضة الأقصى كأداة قياس تكون الكتائب المسلحة الحالية في وضع جيد، والهجمات العسكرية والأمنية الإسرائيلية فاشلة، رغم أنها تخلف أعداداً متزايدة من الشهداء. والاستيطان يتراجع .. إلخ.
القوى التي لديها طاقات ثورية قوامها مئات وآلاف الشبان ولا تتعامل معهم بمسؤولية، لا تتفادى وقوعهم في أخطاء قاتلة، ولا تحرص على تقليل الخسارة في صفوفهم، ولا تربط نضالهم بأهداف محددة قابلة للتحقيق، وبإشراك قطاعات أوسع من الشعب في النضال ضد الاحتلال والاستيطان كقاعدة ارتكاز وحماية. هذه القوى التي لا تحسن التصرف مع الطاقات الثورية هي قوى فاشلة تكتفي بالشعارات العامة وتتساوق مع شعبوية خانقة وتقود شعبها الى الهزيمة. تتكرر أخطاء الأمس في هذه الأيام لأنه لا يوجد اعتراف بالأخطاء ولا يوجد نقد ومحاسبة وتغيير، والأهم لا يوجد قواعد ومعايير يمكن الاحتكام لها. ثمة فرق بين من يتجاهل القواعد والمعايير، وبين من يتعامل مع الانتفاضة وبخاصة الانتفاضة المسلحة كعلم او كما قال خبراء عسكريون بأنها تخضع لنوع من التفاضل والتكامل، يتعامل مع نقاط قوة وضعف العدو، ونقاط قوة وضعف الشعب المنتفض، يتعامل مع الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية في ما إذا كانت مواتية او غير مواتية، ويتعامل مع القانون والنظام والمشروعية. ويحرص على توفير الحد الأدنى الضروري من تلك المقومات. انه الفرق بين طريق العلم والمعرفة، وبين طريق الجهالة، انه الفرق بين المغامرة الثورية المدروسة وبين المقامرة المرتجلة بأي ثمن.