وكالات - أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - ربما بات وقف العمليات في هذه المرحلة مصلحة فلسطينية كي لا تمس بالتدهور الذي تشهده إسرائيل، أو بالأصح لا تعيق التآكل الداخلي الذي تمر به.
بل يجب أن تترك إسرائيل تذهب إلى أبعد مدى في تفاعلاتها الداخلية دون معيقات، وحتى لا يستخدمها الحزب الحاكم والحكومة في وجه معارضيها الحريصين على استمرار متانة الدولة بنفس القيم والقوة التي رافقتها منذ تشكيلها.
الفلسطينيون مشغولون بمتابعة العمليات وتأثيرها على استقرار حكومة اليمين وعلاقتها بالصراع بين الشعبين، لكن الجدال العام القَلِق في إسرائيل يزداد عمقاً باتجاه الشرخ الحاصل هذه المرة، ليس فقط بين كتلتين مختلفتين سياسياً أو حتى ثقافياً بقدر ما أن الأمر يتعلق بانقلاب كبير على الدولة من داخلها ويهدد بتغيير وجهها وممكنات قوتها التي اتكأت عليها منذ التشكيل.
يلخص الكاتب شاؤول أرئيلي ما يحدث قائلاً: «الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي في هذه الأيام هو الأشد خطورة في تاريخ دولة إسرائيل، استمرار الخطوات لتنفيذ الانقلاب الفضائي يتوقع أن يهز إسرائيل ويؤدي إلى ردود وتطورات سلبية جداً في مجال الأمن والاقتصاد والعلاقات السياسية وجهاز القضاء ويتوقع أن تزيد التهديدات الداخلية والاجتماعية في إسرائيل وتلقي بظلال ثقيلة على صورتها ونظامها ومكانتها بين الشعوب، تعميق شروخ المجتمع سيؤدي مع أو دون حرب أهلية إلى انهيار الدولة التي نعرفها اليوم، وإلى ولادة دولة مختلفة في تركيبتها واقتصادها ومكانتها ومناعتها الوطنية».
اليوم وللمرة الأولى تنعقد اللجنة الوزارية لشؤون التشريع لتضع التعديلات القضائية على سكة التغيير. وبهذا تبدأ إسرائيل بالدخول في مرحلة جديدة وهي المرحلة التي سعت المعارضة التي تتظاهر أسبوعياً لعدم الوصول لها وهي مرحلة نهاية استقلال القضاء وضم إسرائيل إلى نادي الدول المتخلفة بما تحمله تلك من تراجع للدولة في كافة المجالات.
وفي ظل انقسام عميق بهذا القدر بات واضحاً أن هزيمة المعارضة تعني مزيداً من تآكل بنية الدولة والمجتمع.
في الجيش باتوا يخشون وصول الأزمة إلى وحداته وخاصة بعد تصدر عدد من الجنرالات في الاحتياط لتظاهرات السبت ورفع عدد من قوائم الاحتجاجات، حيث يطالب بعض قادة الجيش رئيس الأركان هرتسي هليفي بأن يصدر قراراً بمنع الجنرالات من المشاركة لكنه يرفض حتى الآن، والخشية لا تنبع فقط من أن يحدث تمزق داخل «جيش الشعب» كما يسمى، لكن الخوف الأكبر ينبع من أن يصل الأمر حد رفض الخدمة من قبل المجندين وآبائهم.
يقولون حتى الآن إن استبيانات التجنيد التي تمت منذ أسابيع لم تعكس خوفاً من الرفض لكن الأمر سيتضح أثناء عملية التجنيد في شهر آب القادم.
واتساع الجدل بهذا الشكل وزيادة الانقسام في المجتمع لا بد أن يصل لوحدات الجيش، فالمجندون بكل الظروف هم جزء من المجتمع. وهنا كابوس جديد بات يسيطر على قيادة الأركان حيث القدرة على مواجهة التهديدات المحيطة بإسرائيل مع تلك التخوفات.
تقدر صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن ملياري دولار ستخرج قريباً من إسرائيل بعد تعديلات القضاء، وبات واضحاً أن إسرائيل تتجه لدفع ثمن اقتصادي كبير بفعل خطة «إصلاحات جهاز القضاء».
وبدأت المسألة بمغادرة عملاق التقنيات المتقدمة «بيبيا غلوبال» الشهر الماضي تبعتها شركة «فيربيت» ثاني أكبر شركات التأمين في إسرائيل، وفي تصريح خطير لمؤسسها توم ليفني قال: «علينا أن ننهي مجرد أن نكون مواطنين في دولة إسرائيل» متمنياً أن يحذو أصحاب الشركات حذوه ويغادروا إسرائيل ويتوقفوا عن دفع الضرائب».
مدراء البنوك كانوا أبلغوا نتنياهو بأن أحداً من المستثمرين الأجانب لن يكون لديه دافع للاستثمار في السوق الإسرائيلي بعد الإصلاحات القضائية، لكن بات واضحاً أن نتنياهو لن يتمكن وأيضاً لا يريد وقف تلك الإصلاحات لأسباب ائتلافية ولرغبة الشركاء الذين يمسكونه من رقبته بفرض التغيرات، والسبب الثاني أن هذه الإصلاحات هي حبل نجاته الوحيد والأخير من المحكمة حتى وإن كان ثمنها الإجهاز على الدولة.
واحد من التشريعات التي تم التراجع عنها في اللحظة الأخيرة كان حول الصلاة عند الحائط.
كاد القانون يدفع نحو منع الاختلاط في الصلاة بما يحمله من تمييز كما تقول المعارضة وأيضاً فرض زي الصلاة للداخلين، ولأن كثيراً من المصلين هم من يهود الخارج المحافظين كاد القانون يدمر ما تبقى من علاقة معهم في ظل أرثوذوكسية يتم تكريسها لا تترك متسعاً لقواسم مشتركة مع يهود الخارج.
كلما تعمقت إسرائيل دينيا وأرثوذوكسيا وانزاحت نحو قوى سياسية دينية يزداد الشرخ مع يهود العالم.
وهذا ما يفسر تراجع الدعم من يهود الخارج لإسرائيل بل تحول جزء مهم من شبيبتها للمعارضة للدولة وقيمها وخصوصاً في الولايات المتحدة التي تشهد تباعدا متسارعاً مع إسرائيل، وبالتالي سيؤدي إلى تراجع علاقة إسرائيل بدول العالم التي شكلت الجاليات اليهودية فيها عنصر الضغط على مدى عقود لصالح السياسات الإسرائيلية.
وأكثر ما يقلق أعمدة الدولة ونخبها أن الائتلاف الحاكم في إسرائيل لا يرى كل تلك التطورات بقدر أنه يركز على نصوصه الدينية وسيطرته على السلطة بشكل مطلق واستيطان الأرض ... كثير من التطورات تجري في إسرائيل تنذر بتآكل كبير يعكسه النقاش العام الدائر ما بين الهجرة المعاكسة والتفسخ الاجتماعي والانقسام والحديث عن الحرب الأهلية وهروب الاستثمارات وتشقق الجيش وانهيار القضاء.
على الهامش لم نكن نعرف قبل ما يحدث في إسرائيل أن سيطرة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية تعني انهيار الدولة. فهل يصلح هذا نموذجاً لتفسير أسباب انهيار الدولة الحديثة في العالم العربي أو فشل العرب في بناء الدولة ؟