وكالات - رجب أبوسرية - النجاح الإخباري - قد لا تكون حكومة نتنياهو السادسة الحالية هي آخر حكومات الرجل الذي سجل أطول فترة في الحكم من بين كل رؤساء الحكومات الإسرائيلية، بمن فيهم ديفيد بن غوريون، الذي يعتبر مؤسساً «لدولة إسرائيل»، ومناحيم بيغين، مؤسس اليمين وأول من وصل به إلى رئاسة الحكومة، بل هي بمستوى ما بلغته من تطرف تصل بالاحتلال الإسرائيلي إلى آخر شوطه الاحتلالي، بعد أكثر من خمسة عقود ونصف من وقوعه على أرض دولة فلسطين، فضلاً عن أنها تضع حداً لما واصل الإسرائيليون ادعاءه من كون «دولتهم» هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ومن إخفاء لحقيقة نواياها بضم الأرض المحتلة، وتظهير ما هو غير شرعي وفق القانون الدولي، تماما كما يفعل اللصوص حين يقومون بغسل الأموال التي يحصلون عليها من خلال عمليات غير مشروعة.
وحيث لا يمكن أن تكون الدولة، أي دولة، ديمقراطية وهي تحتل وتقمع وتضطهد شعباً آخر، وتحرمه من حقوقه في تقرير مصيره والعيش بكرامة وحرية، فإن إسرائيل مع هذه الحكومة تُفصح عن جوهرها وطبيعتها العنصرية، تجاه من هم غير اليهود داخل حدودها، كذلك تظهر عدم قبولها لمن هم على غير شاكلتها المتطرفة من مواطنيها اليهود أنفسهم، وهي تعادي كل ما هو مدني وحقوقي وإنساني، بما بدأت في اتخاذه من قرارات وسياسات توزعها يميناً وشمالاً، وتمس الجميع ما بين النهر والبحر، وإن كان بالطبع ينال الفلسطينيين وراء الخط الأخضر أولاً وداخله ثانياً النصيبُ الأوفر من سياساتها وقراراتها المجحفة والعدائية.
والأهم أن إسرائيل مع هذه الحكومة تُظهر حقيقتها كدولة ظلت تخدع العالم بأسره، طوال خمسة عقود ونصف فيما يخص احتلالها لأرض دولة فلسطين، أي القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وحين تم جرها لمؤتمر مدريد، وبعده لإعلان اتفاق المبادئ في أوسلو، وذلك على وقع الانتفاضة الأولى، انحنت للعاصفة فقط، ومن ثم قام اليمين بإسقاط اليسار الذي هو أقل خطراً وضرراً على الآخرين خارج وداخل حدود بلده، وأكثر من اليمين قبولاً للتعايش مع الآخر وانفتاحاً عليه، ومع كل من ايتمار بن غفير وبتسئليل سموتريتش، المستوطنين العنصريين، سليلي مائير كاهانا وحركته المحظورة بتهمة الإرهاب في إسرائيل وأميركا، بالذات، تكون إسرائيل قد أفصحت عن جوهرها، ويكون اليمين قد أوصلها إلى آخر مسيرتها الاحتلالية، حيث لم يعد الاستمرار مع الواقع القائم منذ 55 سنة ممكناً، لا للفلسطينيين ولا لإسرائيل نفسها!
فإما الضم وإما الانسحاب وإنهاء الاحتلال، والضم حلم إسرائيلي وإنهاء الاحتلال حلم فلسطيني، وطوال الفترة الماضية كان التوازن الداخلي ما بين «دولة الاحتلال» الإسرائيلي ومقاومته الفلسطينية، يحولان دون أن يتم وضع حد له، ولو بصيغة الحل الوسط، وآخر ما وصل له الطرفان في ظل قيادة فلسطينية تاريخية من جهة، وحكومة يسار إسرائيلي من جهة ثانية، هو تأجيل الحل النهائي، فيما وصلت المفاوضات إلى طرح اقتراحات حلول فسيفسائية، فيما يخص القدس واللاجئين والحدود النهائية والمستوطنات، وهكذا يتصدى اليمين الإسرائيلي المتطرف لمهمة فرض الحلم الإسرائيلي بتحويل الاحتلال إلى دائم، وطي صفحته وكأن الشعب الفلسطيني غير موجود، بل وكأن العالم بأسره لا حول له ولا قوة.
وقد أفصحت إسرائيل الرسمية، أي حكومة نتنياهو الحالية عن حقيقة موقفها من احتلالها ليس للقدس وحسب، بل لكل الأرض الفلسطينية، حين ردت على قرار الأمم المتحدة الخاص بالتوجه للمحكمة الدولية لتحديد طبيعة احتلالها للأرض الفلسطينية بالقول، نصا وحرفا، وعبر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي جن جنونه فوصف القرار الأممي «بالحقير»، وهاجم بالطبع الأمم المتحدة، وهي تمثل المجتمع الدولي كله، وقال بأن: الشعب اليهودي لا يعتبر محتلا في أرضه ولا يحتل عاصمته الأبدية القدس !
أول ما يمكن قوله هنا، بأن تأثيرات ثلاثة عقود مضت، أي منذ عام 1993، عام توقيع إعلان المبادئ، قد ذهبت إلى غير رجعة، وأن الواقع الحالي يشير إلى أن قطاع غزة قد خرج من الجيب الإسرائيلي، وأن السلطة الفلسطينية، هي حقيقة واقعية، أي أن ما قبلته إسرائيل كحد أدنى، وهو الخروج من غزة محدودة المساحة كثيرة السكان، ومن قبول لحكم ذاتي فلسطيني في الضفة دون القدس، متحقق عملياً، وأن إسرائيل تمنّي النفس اليوم، بأن يكون هذا الواقع هو الحل النهائي، فيما الشعب الفلسطيني عليه أن يعتبر ما تحقق كمنجز لكفاحه عبر العقود الماضية، وفي مقدمته الثورة المعاصرة التي انطلقت عام 65، والانتفاضة الأولى عام 87، وأن تحرير ما تبقى من أرضه المحتلة، والانتقال بالسلطة إلى حالة الدولة يحتاج كفاحا آخر، ميداني وسياسي، ولم يعد التفاوض على وقع انتفاضتي 87، 2000 ممكناً.
وإسرائيل التي اضطرت لأن تفصح عن أسوأ صورها، وعن حقيقتها في أكثر حكوماتها تطرفاً وعنصرية فاشية، لا تدفع الشعب الفلسطيني وحسب إلى مواجهتها بكل ما لديه من استعداد للتضحية، بل إنها تظهر للعالم كله كدولة مشابهة لما كانت عليه دولة جنوب أفريقيا إبان الفصل العنصري، وهي بهذه الصفة، وعلى هذه الصورة، ستجد ما تحلم به من توسيع دائرة التطبيع أمراً صعباً للغاية، إن لم يكن مستحيلاً، وهي ستجد بأن الولايات المتحدة، لن تكون قادرة على حمايتها والذود عنها في المحافل الدولية، تماما كما عجزت من قبل بريطانيا عن الاستمرار في الدفاع عن دولة جنوب أفريقيا العنصرية، قبل أن ينجح نيلسون مانديلا والعالم معه في إسقاط ذلك النظام الذي اعتبر عدوا للعالم كله.
وإسرائيل في ظل حكم اليمين العنصري المتطرف، ستجد نفسها عدواً للكثير من الناس، بمن في ذلك المواطنون اليهود المدنيون، الذين يؤمنون بالتعايش مع الجار الفلسطيني، ومع الآخرين، الذين جاؤوا من الشتات ليعيشوا في دولة القانون المدني، والحقوق العامة، الدولة الديمقراطية، ويجدون اليوم أنها تذهب إلى غير ذلك، فيتظاهرون ويخرجون للشارع، بعد أن عجزت نخبتهم السياسية عن وضع حد لمواصلة التطرف اليميني الديني والتحكم بالدولة والذهاب بها لتصبح دولة شريعة دينية، على غرار دولة طالبان وداعش والقاعدة، ولهذا يمكن إسقاط العنصرية الإسرائيلية ويمينها المتطرف، إذا ما انطلقت حلقات الكفاح ضدها على الأرض الفلسطينية وداخل حدودها، وفي محيطها الإقليمي والدولي، أما وضع الحد النهائي لإسرائيل دولة الشريعة والعنصرية والتطرف، فلن يكون إلا بعد أن يتم وضع حد نهائي لاحتلالها لأرض دولة فلسطين، لأن بقاء إسرائيل كدولة احتلال يعني إبقاء الباب موارباً أمام تحولها من دولة مدنية ديمقراطية إلى دولة ابارتهايد، بات الغرب (أوروبا أولاً وأميركا تالياً) الذي سبق له وأن دعمها بصفتها دولة ديمقراطية يجد صعوبة أن يواصل الوقوف إلى جانبها وهو يراقب استمرار احتلالها غير الشرعي لأرض الغير، وانتقالها إلى مربع العداء للسلام، ومن ثم تزايد مظاهر ودعائم التطرف والعنصرية داخلها، واستمرارها في التسبب بالتوتر الإقليمي، وزج المنطقة في أتون حروب لا تنتهي، وبعد فصل الحروب مع الجيران العرب، ذهبت إلى حروب من هم بعدهم، ثم إلى حروب مع دول الشرق الأوسط الإسلامية.