وكالات - مهند عبد الحميد - النجاح الإخباري - عاد نتنياهو بحكومة رقم 37 تضم تنظيمين كهانيين بصلاحيات مستمدة من فكر الترانسفير العنصري والإقصاء الجذري للشعب الفلسطيني وحقوقه، فضلاً عن الأحزاب الدينية ومجموعات التطرف القومي. الوجه الأبرز للحكومة العتيدة وزير العدل ياريف ليفين الذي قدم خطة تهدف الى تدمير النظام القضائي كما قال رئيس الحكومة السابق لابيد. ووزير الداخلية زعيم حركة شاس آرييه درعي المدان جنائياً والمحكوم بالسجن لمدة 3 سنوات والمدان بالتهرب الضريبي أيضاً. ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير من نشطاء حركة كاخ المحظورة سابقاً، أُدين في عام 2007 بالتحريض على العنصرية بسبب حمله لافتة كتب عليها «اطردوا العدو العربي». ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي لخص موقفه بالقول: «ليس ثمة شيء اسمه شعب فلسطيني»، «الهيكل الثالث سيكون على أنقاض المسجد الأقصى بعد هدمه، وسيتم بناؤه خلال سنوات». ورئيس الحكومة نتنياهو الضالع بقضايا فساد وقد هدد ابنه يائير نتنياهو الذين تسببوا في اقتياد أبيه الى المحاكم بتهم فساد قائلاً» انهم يستحقون الإعدام».
يتفق كثير من الإسرائيليين أن حكومة نتنياهو- الكاهانية تسعى الى تدمير القضاء والديمقراطية، وتعتبر مهمتها الأساسية إهالة التراب على ما تبقى من إمكانية التوصل الى حل سياسي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي مرة واحدة وإلى غير رجعة. ورغم ذلك سرعان ما جرى التطبيع الدولي والعربي الرسمي مع هذه الحكومة، وجرى التغاضي عن تجاوزها لكل الخطوط الحمراء التي تضعها في العادة الإدارة الأميركية وبعض الدول الغربية أمام اي حكومة في العالم، وتتعامل بتشدد مع اي مواصفات غير قانونية أو غير أخلاقية، أقل بكثير من مواصفات حكومة نتنياهو النافرة والمستفزة لأبسط العلاقات الدولية. القائمة الطويلة جداً من الشخصيات المدرجة تحت بنود ارهاب وجرائم حرب وفساد وقمع واحتلالات أكبر دليل على غض الطرف عن جرائم وانتهاكات دولة الاحتلال الإسرائيلي، وعلى تأمين خشبة حماية من اي نوع من الضغوط والمحاسبة ومساعدتها في الإفلات من المحاسبة والعقاب بحده الأدنى. وبمجرد الإعلان عن الحكومة تمخض جبل التحذيرات عن فأر صغير، واقتصر الأمر على مجرد عتب ونقد لفظي على اقتحام الوزير بن غفير للمسجد الأقصى. كان صوت المعارضين والممتنعين يرقى الى مستوى فضيحة أخلاقية من العيار الثقيل، عندما امتنعت 53 دولة بينها فرنسا وألمانيا وكندا وإسبانيا والنرويج والسويد واستراليا، وعندما رفضت 26 دولة بينها أميركا وبريطانيا وأيطاليا قرار الجمعية العامة الذي يطالب المحكمة الدولية بتوصيف قانوني للسيطرة الإسرائيلية على الأرض والشعب الفلسطيني منذ احتلال عام 67 وحتى عام 2023، في مواجهة إنكار إسرائيلي بوجود احتلال والإمعان في عملية الضم والتطهير العرقي.
رغم التدهور الإضافي السياسي والأخلاقي وفي مجال الديمقراطية والقضاء المزمع اتباعه، والذي يحظى برفض ما يقرب من نصف الإسرائيليين وأكثرية الاميركيين اليهود، ورغم الامعان الاسرائيلي في استباحة الحقوق الوطنية والمدنية والانسانية للشعب الفلسطيني، رغم ذلك تنتهج إدارة بايدن وحلفاؤها سياسة التعايش مع المتغيرات الجديدة، وسياسة تأمين الحماية لحكومة أبارتهايد استعمارية، ويأخذون بيدها للإفلات من كل أشكال المساءلة والعقاب، تلك السياسة التي شجعت المحتلين على الإمعان في أبشع عملية إخضاع وسيطرة تستهدف الشعب الفلسطيني.
المواجهة غير المتكافئة أكثر من أي وقت مضى بين شعب واحتلال، تستدعي وقفة فلسطينية شعبية ورسمية ومعارضة أمام برنامج حكومة نتنياهو والكاهانية الفاشية. فلم تعد الاساليب الماضية وتجزئة الضفة والقطاع والقدس والـ 48 والشتات عن بعضهم البعض تجدي نفعا مع التوحش اليميني المنفلت. يمكن تحديد عناوين والاتفاق على الخوض في مهامها درءاً للخطر. ولم يعد يشترط ذلك إنهاء الانقسام وإعادة بناء المنظمة، بل إن النجاح في كسر كل حلقة من حلقات الخطر يقود الى إنهاء الانقسام وإعادة البناء. العناوين التي يمكن خوض معركة مشتركة من أجلها:
أولاً: استعادة جثامين الشهداء ورفات مقابر الأرقام، مسألة مهمة ومعركة يتوحد الشعب بكل قواه من أجل الظفر فيها لما لها من تأثير معنوي ونفسي وأخلاقي. وهنا يتسلح الشعب بالقانون الدولي وتحديداً اتفاقات جنيف الرابعة وملاحقها وبشرعة حقوق الانسان، وبمواقف المنظمات الحقوقية التي تُحَرِّم استخدام حجز الجثامين كعقاب جماعي وممارسة الضغط النفسي غير الأخلاقي عبره، بهدف ردع المناضلين من أجل حريتهم وحرية شعبهم. مهمة من المفترض خوضها قانونياً وإعلامياً وجماهيرياً ومراكمة الضغوط الفلسطينية وربطها بضغوط شقيقة وصديقة وتحويلها الى قضية رأي عام فلسطيني وعربي وعالمي.
ثانياً: وضع حد للقرصنة المالية المتصاعدة التي تستخدمها سلطات الاحتلال لإضعاف المقومات المادية للصمود، ولشيطنة الشهداء والجرحى والأسرى واعتبارهم إرهابيين. مقابل ذلك تنطلق المعركة من اعتبار التحرر الوطني الفلسطيني وتقرير المصير نضالاً مشروعاً ينبغي دعمه كأولوية. إن تمسك منظمة التحرير والسلطة بدعم أسر الشهداء والجرحى، والتمسك بدعم الاسرى، واجب وطني يرتبط بمشروعية النضال ضد الاحتلال وبمشروعية تقرير المصير بما ينسجم مع القانون الدولي. لكن مواصلة الدعم برغم الاقتطاعات اللصوصية على أهميته لا يكفي ويستدعي خوض المعركة من أجل وقفه وتحريم اللجوء اليه، وذلك باستخدام السلاح القانوني عبر المحكمة الدولية، وبالاحتجاجات الجماهيرية الفلسطينية وامتداداتها العربية والدولية.
ثالثاً: إلغاء البؤر الاستيطانية التي بلغ عددها 150 بؤرة بينها 70 بؤرة جديدة، استناداً الى أن هذه البؤر غير مشروعة بحسب القانون الإسرائيلي، وهي وكل المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية غير مشروعة بحسب القانون الدولي. مصير البؤر هو حصيلة الصراع بين إسراع حكومة نتنياهو الكهانية على تشريعها، وتصدي الشعب الفلسطيني لإقامتها والعمل على إزالتها لوقف التوسع الاستيطاني توطئةً لفك جميع المستوطنات او خضوعها للسيادة والقوانين الفلسطينية. مقاطعة المستوطنات على صعيد عربي ودولي عنصر مهم في معركة الشعب الفلسطيني ضد الاستيطان وبؤره الجديدة والقديمة.
رابعاً: تحويل البت في السيطرة الإسرائيلية العسكرية على الأراضي الفلسطينية عبر محكمة العدل الدولية، والبت في جرائم الحرب الإسرائيلية عبر المحكمة الجنائية الدولية، الى معركة سياسية حقوقية يشارك فيها الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده، ويشارك بها أصدقاء الشعب الفلسطيني في كل مكان.
وللحديث بقية.