وكالات - عقل أبو قرع - النجاح الإخباري - أظهرت أحداث أخيرة في بلادنا، سواء ذات البعد الوطني أو الاجتماعي، وسواء حدثت على الصعيد المحلي أو الوطني، أن حالة التضامن والتكاتف والتكتل نحو هدف عام في إطار الثقة وبعيدا عن المصلحة الفردية الضيقة رغم انطفاء جذوتها خلال السنوات الماضية، إلا أنها ما زالت موجودة وتنتظر الوضع الملائم لتفعيلها وظهورها بقوة.
وهذا الوضع من التضامن والعمل العام العفوي من خلال تكتلات بشرية بعيدا عن المصلحة الضيقة، هو ما كان متأصلا في الواقع الفلسطيني في نهاية القرن الماضي وقبل ذلك، وهو ما يطلق عليه "رأس المال الاجتماعي"، الذي يعتبر من نقاط القوة التي تملكها المجتمعات، وبالأخص في ظل غياب أو ضآلة نقاط قوة أخرى تفتقر إليها المجتمعات، من مصادر اقتصادية أو من غيرها.  
وفي الأوضاع الفلسطينية الحالية، ودون شك أو جدال، هناك حاجة ماسة للتعاضد والتكافل والعمل المشترك، وليس ذلك وحسب، ولكن بناء نوع من الثقة والشعور بالمصلحة العامة أو الجماعية التي افتقدناها وبقوة خلال السنوات الماضية، فالواقع الفلسطيني الحالي المشتت وغير الواضح في كل الجوانب والساحات، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتربويا، والتغيرات التي حدثت خلال السنوات الماضية في المجتمع الفلسطيني، والتحولات في التفكير والثقافة والعلاقات بين الناس وحتى تبدل الأهداف، أدت إلى تضاؤل حالة التضامن والتعاضد التي اعتدنا عليها في الماضي. كما أدت إلى ظهور طبقات أو فئات أو تكتلات ذات نزعات فردية خاصة وسطوتها على المشهد وبقوة، وما إلى ذلك من تداعيات وتصدعات وتخبطات، تجعل المواطن الفلسطيني والمجتمع الفلسطيني بشكل عام، يحن وبشدة إلى تلك الأيام قبل عشرين عاما أو اكثر، التي كان التعاضد والتكافل والعمل الجماعي والثقة تتجلى بوضوح بين الأفراد وفي التجمعات، وبشكل أوضح يحن إلى ذلك النوع من الرأسمال النادر الذي يفتقده حاليا، ألا وهو رأس المال الاجتماعي.   
وقوة رأس المال الاجتماعي، أو مستوى الثقة بين الأفراد والتجمعات المختلفة من حكومية أو أهلية أو من غيرها، أو بين التجمعات والتجمعات الأخرى، من أجل المصلحة العامة، هي من أهم سمات المجتمع الصحي الذي يعمل معا، وبالأخص في أوقات الأزمات، وبأنواعها المختلفة، التي تمر بها العديد من المجتمعات ومنها بلادنا، ومثال الصين في نجاحها في احتواء أزمة "كورونا" حين ظهرت فيها قبل حوالي 3 أعوام، لهو دليل قاطع على مدى أهمية وجود الثقة بين الناس وبين المؤسسات المختلفة، ولمدى أهمية وجود تكافل وتعاضد وعمل جماعي متكامل من أجل النجاح في عبور الأزمات.
وفي بلادنا، كان رأس المال الاجتماعي، أو التعاضد في أوج قوته وتجلياته خلال أزمات أو أحداث مر بها مجتمعنا، ومن أهمها الانتفاضة الأولى بكل مراحلها، وكان التعاون والعمل الجماعي، والالتزام وتطبيق الإجراءات والتعليمات في أقوى المستويات، وهذا ربما كان السبب الأهم في تحقيق النتائج والأهداف المتوخاة، ورغم أن قوة هذا الرأسمال قد خبت أو تضاءلت أو حتى اختفت خلال مراحل مختلفة في بلادنا، ولأسباب مختلفة، وحتى في ظل أزمات وتطورات كبيرة، إلا أن الأسس ما زالت موجودة للعودة وبقوة إلى استعمال قوة الرأسمال الاجتماعي في تجاوز أزمات وتحقيق إنجازات، وفي عودة الثقة والتكافل الاجتماعي بين الأفراد أو الشرائح المختلفة في المجتمع، وهذا ما نحتاجه وبشدة هذه الأيام.  
ومع مواصلة انسداد الآفاق والتخبط هذه الأيام، ومع تراكم الإحباط الذي ينتاب الناس مما يشاهدونه أو يعايشونه هنا أو هناك، فإن من أهم أسس تخطي الأزمات أو المعضلات هو العمل الجماعي من أجل المصلحة العامة، سواء على صعيد التكتلات العامة أو من خلال فئات محددة تتكاتف أو تلتقي من خلال روابط الثقة والشعور العام، مثل فئات الشباب أو النساء أو التجمعات المهنية أو الجغرافية أو ما إلى ذلك، حيث تتكتل من أجل العمل معا ولو من خلال مبادرات صغيرة محددة أو لتقديم الدعم خلال الأزمات، أملا في تغيير مفاهيم حالية، أو بالأحرى العودة إلى مفاهيم سابقة مشرقة انتجت نتائج إيجابية لصالح المجتمع الفلسطيني، وتم من خلالها تجاوز أزمات كانت أو كادت تعصف بنا، ودون شك أن النجاح في تجاوز الأزمات الحالية التي نمر بها لن يكون إلا بتعاون الناس معا من أجل المصلحة العامة كما أظهرت أحداث خلال الأسابيع الماضية، وفي التزام الناس معا من خلال بناء الثقة، وهذه هي قوة "رأس المال الاجتماعي" التي يسعى إليها العديد من المجتمعات، لكي يكون عضدا لـ"رأس المال البشري" الذي نملكه ونفتخر به في بلادنا.