وكالات - أشرف العجرمي - النجاح الإخباري - خرج المواطنون في قطاع غزة بأعداد هائلة للمشاركة في احتفال إحياء انطلاقة حركة «فتح» الثامنة والخمسين. وتشير التقديرات إلى وصول مئات الآلاف، وهناك من تحدث عن أرقام أقرب للمليونية إلى ساحة الكتيبة في غزة والشوارع والميادين والساحات القريبة منها، بحيث اتشحت المدينة بألوان رايات «فتح» الصفراء، في حشد هائل مهيب ضم عائلات بأكملها شيباً وشباناً، نساءً وأطفالاً ورجالاً، خرجوا جميعاً لينقلوا رسالة إلى كل القيادات تقول: نحن هنا ولا يمكنكم تجاهلنا، وعليكم أخذنا بالحسبان في كل شاردة وواردة تتعلق بهذا الوطن وبقضيته المقدسة.
ليس كل الذين خرجوا للاحتفال هم أعضاء بحركة «فتح»، أو أنهم خرجوا للتعبير عن دعمهم لقيادات «فتح» وسلوكها، فمنهم من خرج لأنه يشعر بأهمية إيصال الرسالة، ومنهم من شارك ليعبر عن معارضته للحكم القائم في غزة، ومنهم من أراد أن يقول لجميع القيادات في السلطة وخارجها نحن لسنا حملاً زائداً، ولا نقبل الظلم المستمر على غزة. وخرجوا ليقولوا لكل الدنيا أن الجماهير الفلسطينية في قطاع غزة لا تزال تؤمن بالكفاح الوطني، وهي خزان نضالي إستراتيجي كبير يمكن الاعتماد عليه في إنجاز أهداف الشعب الوطنية، وأنها إلى جانب الضفة المحتلة التي تعاني من حرب صهيونية عدوانية وهمجية غير مسبوقة، ومع القدس المستهدفة في مقدساتها وأحيائها وأرضها ومواطنيها، والتي أضحت عنواناً للهجوم الاحتلالي التهويدي الذي يتصاعد باستمرار ويزداد شراسة مع وجود حكومة أقصى اليمين العنصرية الجديدة في إسرائيل.
رسالة غزة هذه لا يستطيع أي قائد أو ذي بصيرة أن يغض الطرف عنها، حتى لو جرى نسيان غزة أو ظلمها في مناسبات كثيرة. فالظلم الواقع على غزة للأسف هو ثلاثي الأبعاد: ظلم الاحتلال الذي يتمثل بالحصار والحروب وكل أشكال العدوان التي يمكن تصورها. وظلم «حماس» التي حكمت غزة بالحديد والنار وفصلتها عن جسم الوطن الموحد، وفرضت عليها نظاماً لا يريده غالبية أهلها، فيه كثير من الاستغلال والتمييز والظلم. وظلم السلطة التي عاقبت غزة وحملتها مسؤولية عجزها في تأمين احتياجات المواطنين، فتعرضت لقطع الرواتب والتقليصات المستمرة تحت عناوين أعجب من العجب ولا تستند لنظام أو قانون، بل إن العقوبات طالت أساساً من التزم بقرارات السلطة وامتنع عن التعاون مع سلطة «حماس»، أي قسماً من المشاركين في احتفال إشعال شعلة الانطلاقة. وهذه الرسالة تعني أيضاً أنه لا يمكن أن يبقى الوضع على حاله، وأنه آن الأوان للبحث الجدي في موضوع الوحدة الوطنية لاعتبارات عديدة، ليس أقلها إنصاف المواطنين في هذا القسم العزيز من الوطن، بل لأن بقاء الانقسام والظلم الواقع على غزة يدمر فكرة الحل الوطني ويقتل مبدأ الدولة الفلسطينية المستقلة.
نحن في زمن غاية في التعقيد، ولا توجد فيه عدالة كما أن الشعوب التي لا تنتصر لنفسها لا أحد ينتصر لها. ففي إسرائيل قامت حكومة نتنياهو- سموتريتش- بن غفير الثالوث المجرم والعنصري الذي ابتدأ أولى خطواته باقتحام المسجد الأقصى ومحاولة تطبيق برنامج الحكومة المتطرف والقائم على شطب الحقوق الوطنية الفلسطينية، وبالذات فكرة حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة منذ عام 1967. وهذا البرنامج يحتاج لمواجهة ميدانية ومواجهة سياسية ودبلوماسية شرسة. وهذه المواجهة لا يمكن أن تتم بالطرق القديمة التي نجلس فيها وننتظر تغييراً في إسرائيل والعالم. بل نحن بحاجة لخطة وطنية نضالية حقيقية بعيدة عن الشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع. وهذه بحاجة لوحدة الوطن ووحدة القيادة ووحدة البرنامج وفعالية المشاركة الجماعية.
غزة تستصرخ كل القيادات للارتقاء إلى مستوى التحديات والابتعاد قليلاً عن التفكير الذاتي الأناني المدمر. والوطن عزيز وغال يستحق التضحية ويستحق قيادة على قدر المسؤولية. ولدينا فرصة جدية في تشكيل الحكومة الأكثر عنصرية وتطرفاً في تاريخ إسرائيل. وإذا لم نحسن استغلال اللحظة واستثمار الوضع الدولي الراهن بما في ذلك الانقسام غير المسبوق في إسرائيل لتجنيد الرأي العام الإسرائيلي والدولي، وممارسة أشد أنواع الضغط على حكومة إسرائيل ستضيع الفرصة. وبدون وحدة وطنية لن يكون هذا الاستثمار ممكناً ولن نستطيع إقناع أحد على مستوى العالم بدءاً بشعبنا بأننا مؤهلون وقادرون على تحقيق طموحاتنا الوطنية وأهداف نضال شعبنا. وسنبقى نكرر نفس الشعارات الفارغة من أي مضمون فعلي. وإذا أردنا الوحدة يجب البدء بحركة «فتح» وتوحيدها وتفعيل أطرها ومؤسساتها، ثم الذهاب نحو إنهاء الانقسام بعملية ديمقراطية حقيقية يتم فيها تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في مناسبات عديدة. ولا بد من إجراء الانتخابات العامة بأسرع وقت ممكن وتشكيل مؤسسات منظمة التحرير على ضوء نتائجها لتهيئة الظروف لعملية نضالية حقيقية ومقنعة. وهذه هي الرسالة الحقيقية التي ترسلها غزة بجموعها وحشودها الهائلة، فهل نسمع ونستجيب أم لدينا أُذن من طين وأُخرى من عجين؟!