وكالات - رجب أبوسرية - النجاح الإخباري - رغم فوز اليمين بفارق صريح بعدد نواب الكنيست الخامس والعشرين، إلا أن بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة المكلف، استنفد الوقت الممنوح له بتشكيل الحكومة كاملاً، بما في ذلك مدة العشرة أيام الإضافية، وكان عليه أن يقدم حكومته في موعد أقصاه أول من أمس، عند انعقاد الكنيست، لولا أن الجلسة تأجلت ليوم الإثنين القادم بسبب عيد الأنوار «حانوكا»، حيث على رئيس الكنيست ياريف ليفين أن يعلن عن تمكن نتنياهو من تشكيل الحكومة ليتم تنصيبها يوم الإثنين الذي يليه. هذا ما سيجري، مع ذلك فقد كان عدم إعلان الحكومة بسرعة أمراً مثيراً لاستغراب من لا يعرفون تفاصيل الحالة السياسية الداخلية الإسرائيلية، إلا انه لم يكن كذلك لمن يتابع الواقع السياسي الإسرائيلي، ورغم ذلك فإن هذا الأمر يعتبر بتقديرنا معطىً سياسياً جديداً، لا بد من التوقف عنده بروية وتمعن.
واستنفد رئيس الحكومة المكلف الوقت الممنوح له كاملاً، رغم فوز ائتلافه بفارق مريح، لم يحصل عليه في ثلاث جولات انتخابية سابقة، ورغم أن عدد الشركاء في ائتلافه الحالي قليل نسبياً، فهو مع الليكود، ضم فقط الحريديم بحزبي شاس ويهدوت هتوراه، وحزب الصهيونية الدينية، أما الليكود نفسه، فقد خلا _تقريباً، من منافسي أو مناكفي نتنياهو، بما لا يقارن بما كان عليه الحال، في دورات سابقة، نقول رغم ذلك: فإن عدم نجاح نتنياهو في التوصل للتشكيل الحكومي بأسرع مما جرى، يعني بأنه واجه مشكلات حقيقية، أولها: الجانب القضائي، المتعلق به وبآريه درعي زعيم شاس الذي سبق له وأن أدين بالفساد، وكان الائتلاف الفائز بالانتخابات الأخيرة بحاجة إلى قانون يزيل عنه وصمة العار التي تحول دون أن يتولى وزارة المالية.
ثم كانت حاجة الائتلاف ونتنياهو لتولي منصب رئيس الكنيست أحد أعضاء الائتلاف الفائز في الانتخابات، ذلك لأن الشركاء على قلتهم لا يثقون بعضهم ببعض، لذا فقد اشترطوا إصدار القوانين الخاصة بهم قبل تشكيل الحكومة، ومن تلك القوانين إضافة إلى ما هو ضروري حتى يتمكن درعي من تولي مسؤولية وزارة المالية، أن يتم تعديل القانون الخاص بوزارة الأمن الداخلي التي حولها نتنياهو أو أعاد تفصيلها على مقاس ايتمار بن غفير، لتصبح وزارة الأمن القومي، بعد إخضاع رئيس الشرطة وبالتحديد حرس الحدود العامل في الضفة الغربية للوزير المتطرف. هذا القانون الذي مر بالقراءة الأولى سمي باسم الرجل، أي قانون بن غفير، وقبل ذلك جرى انتخاب الليكودي ياريف ليفين رئيساً للكنيست بدلاً من ميكي ليفي من «ييش عتيد»، وإن بشكل مؤقت، حتى يتم تمرير القوانين التي يحتاجها الائتلاف الحاكم، قبل الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة، وحيث إنه ليس هناك من شك في قدرة أحزاب اليمين واليمين المتطرف والحريديم على تشكيل الحكومة، إلا أن ما ظهر من مشكلات حتى الآن، بدءاً بمطالبة بتسلئيل سموترتش بوزارة الدفاع، ثم المالية، ولجوء نتنياهو إلى حيلة المداورة في تولي الوزارات، أي تقاسم فترة الكنيست وهي أربع سنوات بين الوزراء، وهنا وزارتي المالية والعدل، بين درعي وسموترتش، بحيث يتولى الأول المالية والثاني العدل، مدة أول سنتين من عمر الكنيست، فيما يجري تبادل الوزارتين بينهما في السنتين التاليتين، يفسر جانباً من التأخر في إعلان التشكيل الوزاري.
وخضع نتنياهو لزعيمَي التطرف في حكومته الجديدة، نقصد سموترتش وبن غفير، على حساب الوزارات التي سيتولاها قادة الليكود، وبشكل خاص وزارة الدفاع، وكذلك وزارة التعليم التي أخذت منها صلاحيات وملفات وأعطيت لأفي ماعوز، إضافة إلى إرضاء الحريديم بتضمين برنامج الحكومة ما يزيد من تعميق يهودية الدولة، في مناهج التعليم، وفي إصدار قوانين متزمتة من نمط عدم إنتاج الكهرباء أيام السبت وخلال الأعياد، كل ذلك يعني ظهور مشاكل عديدة لاحقاً، ومع بدء إقرار مشاريع هذه القرارات، ظهرت معارضة قانونية وبدأت ردود فعل عدد من التكنوقراط الإسرائيليين، من عسكريين وحقوقيين، يرون في تلك القرارات مساً ينتقص أولاً من استقلالية الشرطة، بالإشارة إلى تعديل قانون الشرطة لصالح ضمها لوزارة بن غفير، بل وإنها تضر بالدولة وتقوض مؤسساتها، كما قالت نائبة المستشار القانوني للحكومة عميت ميراري.
نقول إلا أن ما ظهر من مشكلات حتى الآن، يعني بأن ممارسة السلطة لاحقاً، مع وجود المعارضة والعلاقات الإقليمية والدولية، والأهم من كل ذلك في ظل صراع ميداني متصاعد يوماً بعد يوم في حدته ومستواه مع الجانب الفلسطيني، كل ذلك سيزيد من اتساع هذه المشكلات، وقد لا تصمد الحكومة فعلاً، بل على الأرجح لن تكمل مدتها القانونية، وقد تشهد الأشهر القادمة، أو السنة أو السنتان الأوليان من عمرها، أحداثاً دراماتيكية، من مثل أن يُظهر بعض قادة الليكود، معارضتهم علناً لنتنياهو، وربما يزيد نتنياهو نفسه من اعتماده الشخصي على الشريك المتطرف، والاستقواء به على رفاقه في الليكود نفسه، وقد يصل به الأمر، كما سبق لشارون وأن فعل، أن يعيد تشكيل اليمين بأن يقوم بجره نحو اليمين المتطرف، على عكس الاتجاه الذي ذهب به شارون، حين حاول أن يجر الليكود إلى اليسار، فحدث العكس، أي أنه جر العمل نحو اليمين، ومن يومها والعمل يقبع في دائرة الوسط، حيث كان «كاديما»!
ما يفسر أيضاً التأخر في إعلان التشكيل الحكومي، هو عدم تحديد من سيتولى من قادة الليكود الوزارات التي تبقت لهم بعد تحديد حقائب الشركاء، باستثناء حقيبة الدفاع التي تم تحديد اسم يوآف غلانت الجنرال احتياط لتوليها، وحتى هو يبدو أنه يفكر في الاعتذار عن توليها بعد أن تم قضمها بإخراج منسق الحكومة منها، وملف الإدارة المدنية، كذلك تعيين وزير من الصهيونية الدينية فيها، من المؤكد أنه سيجلس «على قلبه».
نقول مجدداً إن ملامح حكومة نتنياهو السادسة كانت سبباً لأن يُجمع الإسرائيليون أنفسهم على أنها الحكومة الأكثر يمينية وتطرفاً في تاريخ الدولة، وقبل أن تمارس صلاحياتها عملياً، أي قبل أن تبدأ في ممارسة ما هو متوقع ومرجح أن تقدم عليه من إجرام بحق الشعب الفلسطيني ومن تطاول على «الديمقراطية والمدنية» الإسرائيلية، يمكن القول إنها ستجر إسرائيل من موقع اليمين إلى موقع التطرف والعنصرية بشكل صريح وواضح، وإنها بذلك لن تأخذ إسرائيل لمكانة الدولة المنبوذة إقليمياً ودولياً وحسب، بل ستجعل منها دولة طاردة لمواطنيها، وقد ظهرت مجموعات بدأت تخطط للهجرة من إسرائيل للخارج، وقد ارجع تسفيكا كلاين الصحافي في جيروسالم بوست الذي كشف عن مخطط الهجرة المعاكسة السبب في أنه يعود إلى تخوف عدد من الإسرائيليين من فرض الشريعة اليهودية المتطرفة على إسرائيل. وأضاف كلاين قائلاً، بأن هناك نحو ألف إسرائيلي يعملون على تجنيد نحو 10 آلاف مواطن إسرائيلي للهجرة إلى أميركا، فيما أعلن مواطن إسرائيلي أميركي عن استعداده لاستقبال الإسرائيليين المهاجرين في مزرعة يملكها، قائلاً: إن إسرائيل لم تعد آمنة لليهود، وإنه من المهم الهجرة إلى الولايات المتحدة، وترك إسرائيل لأنها أصبحت دولة متطرفة جداً.