الصهيونية- الدينية: العنصرية والتطرف يحكمان إسرائيل
تم النشر بتاريخ: 2022-12-07 12:23
أشرف العجرمي
وكالات - أشرف العجرمي - النجاح الإخباري - نتائج الانتخابات الإسرائيلية أفرزت واقعاً جديداً سيلقي بظلاله الثقيلة على فلسطين وعلى إسرائيل على حد سواء، فللمرة الأولى في تاريخ دولة الاحتلال تتمكن الصهيونية الدينية من السيطرة على مقاليد الحكم بشكل شبه كامل. على الرغم من أن نتائج الانتخابات قد منحت ائتلاف الصهيونية الدينية المشكل من ثلاثة أحزاب هي «الصهيونية الدينية» برئاسة بتسليئيل سموترتش، و»قوة يهودية» بزعامة إيتمار بن غفير، و»نوعم» بقيادة آفي ماعوز 14 مقعداً في البرلمان الحالي. ولكن هذه المقاعد هي التي تمنح رئيس الحكومة الأسبق بنيامين نتنياهو فرصة تشكيل حكومة يمينية صرفة بأغلبية مريحة بدعم 64 مقعداً من أصل 120 هم عدد أعضاء الكنيست. ونتنياهو لن يستطيع العودة للحكم بدون الصهيونية الدينية التي ساهم في صعودها، وهو الآن بطريقة ما أصبح أسيراً لها.
الصهيونية الدينية تيار يعود جذوره إلى عام 1902، إلى حزب «همزراحي» (الشرقي)، وهي نشأت كنقيض للصهيونية «العلمانية- الليبرالية» - كما يصفها أصحابها، التي حكمت إسرائيل منذ نشأتها تيمناً بالأفكار والقيم الغربية. فقد تبنى هذا التيار الذي تمثل في الحزب المذكور آنفاً شعاراً له «أرض اسرائيل لشعب اسرائيل بموجب شريعة اسرائيل»، وبخلاف الأصولية اليهودية التي قامت على مبدأ تعلم التوراة فقط، جمع تيار الصهيونية الدينية بين التوراة والعمل. ولكي ندرك مدى تطرف قادة الصهيونية الدينية يكفي أن نطلع على ما يعلمونه للأجيال الشابة والنشء.
الحاخام المشهور اليعيزر كشتيئيل يحاضر في إحدى أكبر المدارس التحضيرية للجيش التي تهتم بتثقيف الشباب في السنة التي تسبق التجنيد وتسمى «أبناء دافيد» وهي موجودة في مستوطنة «عيلي»، ويروج لأفكار غاية في التطرف والخطورة فهو يعترف صراحة بالعنصرية ويقول «نحن عنصريون بالتأكيد... ونحن نؤمن بالعنصرية» لأنه «توجد فروقات بين الأعراق» وهناك «من هو أدنى منك»، ويجب أن تقول له «تعال لتكون عبداً لي، وتكون شريكاً للنجاح». ومن الجدير بك «ان تكون عبداً لي، فأنت تعيش حياة حقيرة» وعندما تصبح عبدي سترى في أي «مستوى روحاني وقيمي» ستحيا. ويعتبر الاحتلال خدمة للفلسطينيين. وهو يهاجم المسيحية بشدة، ويهاجم اليهود الاصلاحيين والنساء والمثليين. وهذا موثق في كتاب «الثورة الثالثة» للكاتب يائير نهوراي.
تخيلوا كيف تتم تعبئة الشبان اليافعين الذين يخدمون في الجيش في هذه المدرسة التحضيرية التي أضحى 40% من خريجيها ضباطاً في جيش الاحتلال. وبالمناسبة أكثر من ثلث الضباط في القوات الإسرائيلية هم من اتباع الصهيونية الدينية. ورأينا ما حصل في مسيرة تضامنية مع أهالي الخليل ليساريين إسرائيليين في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، حيث قام جندي بضرب أحد المشاركين اليهود، وتفوه بتصريح سياسي منحاز بأن «بن غفير سيفرض نظاماً» هنا، هذا هو أحد نتائج هذا التحريض على التطرف حتى ضد اليهود المختلفين في الرأي. وبطبيعة الحال عدوان عصابات المستوطنين الإجرامية المدعومة من الجيش الذي نرى قسماً مهماً من ضباطه مؤيدين متحمسين يزداد شراسة الآن، وهم يستمدون التشجيع من قادتهم الذين سيصبحون عاجلاً في مناصب قيادية عليا في السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية.
الاتفاقات الائتلافية التي عقدها حزب «الليكود» بزعامة نتنياهو مع أحزاب «الصهيونية الدينية» و»وقوة يهودية» و»نوعم» تتيح لهم السيطرة على المفاصل المهمة لهذه الأحزاب. فحزب سموترتش يعيّن وزيراً في وزارة الدفاع لا يكون تحت مسؤولية وزير الدفاع بل خاضعاً لرئيس الحكومة، وهو سيكون مسؤولاً عن منسق أعمال الحكومة في المناطق الفلسطينية وعن الإدارة المدنية التي لن تكون تحت صلاحية قائد المنطقة الوسطى والجيش كما هو الحال اليوم وطوال سنوات الاحتلال.
وهذا يعني أنه ستكون للصهيونية الدينية القدرة على دفع كل الخطط الاستيطانية العالقة، وشرعنة البؤر الاستيطانية بالمفهوم الإسرائيلي، حيث أن البؤر التي بنيت بدون قرار رسمي ولم تمنح الشرعية لا تستطيع تلقي الخدمات من الحكومة بما في ذلك شق الطرق والخرائط الهيكلية والكهرباء والماء والخدمات الصحية وغيرها. وهذا سيكون على حساب الأراضي الفلسطينية الخاصة التي ستصادر لصالح المستوطنات. وعملياً يستطيع سموترتش تنفيذ مشروعه الاستيطاني عبر آليات الضم الزاحف التدريجي. كما سيعين رئيساً للجنة الخاص الموحدة للدستور والقانون والقضاء والخدمة الدينية، ورئيساً للجنة الإصلاحات التي ستعمل على تغييرات في جهاز القضاء.
وسيصبح بن غفير وزير «الأمن القومي» مع صلاحيات واسعة في المسؤولية عن الشرطة وحرس الحدود بما في ذلك الوحدات العاملة في الضفة والتي هي تحت مسؤولية قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال. وعملياً هذه بدور سيحدث خللاً في عمل وحدات حرس الحدود وتنسيقها مع الجيش في الضفة المحتلة حيث ستأتمر بأمر بن غفير. وقد يحدث تناقض بين أوامر قائد المنطقة الوسطى وبين تعليمات بن غفير. ولهذا رفض رئيس هيئة الأركان المغادر لمنصبه هذا التغيير. كما رفضه وزير الحرب بيني غانتس، وانتفض ضد هذه الاتفاقات عضو الكنيست الجديد ورئيس هيئة الأركان السابق غادي أيزنكوت الذي دعا لمظاهرة مليونية ضد الحكومة القادمة.
الحكومة القادمة ستكون إشكالية كبيرة للفلسطينيين ولقسم كبير من الإسرائيليين الذين يرفضون الإكراه الديني وتغيير طبيعة نظام الحكم على مختلف المستويات. وهناك من يعتقدون أن إسرائيل جديدة ومختلفة وأكثر عنصرية وتطرفاً وظلامية قد نشأت بالفعل. وقد تضع هذه الحكومة إسرائيل في مواجهة مع المجتمع الدولي. والتحذيرات قد بدأت بالفعل توجه لإسرائيل بدءاً من الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها، من مغبة الضم وبناء المستوطنات وهدم البيوت وإخلاء الفلسطينيين من منازلهم ومن تغيير الوضع القائم في الأماكن المقدسة.