سامح الجدي - النجاح الإخباري - منذ أن أعلن الزميل ناصر أبو بكر نقيب الصحفيين يوم الثالث من اغسطس الحالي موعد انعقاد المؤتمر العام لنقابة الصحفيين في التاسع والعاشر من كانون الأول المقبل، وإجراء انتخابات لنقابة الصحفيين الفلسطينيين، والمجموع الصحفي يتساءل هل فعلاً ستكون هناك انتخابات ؟؟ وما هو الشكل القادم لنقابة الصحفيين ؟؟ وهل سنرى تغييرا في وجوه المجلس الإداري والأمانة العامة ؟؟ خاصة أن جزءا منهم له ما يزيد من أثنتي عشرة سنة في موقعه الحالي، وما هو شكل التحالفات القادمة ؟؟ وهل سيكون لمؤسسات المجتمع المدني العاملة في مجال الصحافة التأثير الأكبر أم سيكون للفصائل ؟؟ وهل سيكون للمستقلين والنشطاء والشباب كلمة الفصل في النقابة ؟؟
باعتقادي الشخصي ومن تجربتي أقول إنني أميل لفكرة أن الانتخابات لن تجري في الموعد الذي حددته النقابة، لسبب جوهري ومهم أن النقابة ليست اللاعب الوحيد في إمكانية إجراء الانتخابات، فنقابة الصحفيين تختلف عن غيرها من النقابات الأخرى، فهي نقابة واحدة للوطن وتجري انتخاباتها في قائمة واحدة على مستوى الوطن "بالقدس والضفة وغزة" في نفس التوقيت، وربما الانقسام السياسي والجغرافي بين شطري الوطن يفشل انعقاد المؤتمر العام، وعلى الأقل في قطاع غزة، ناهيك عن موقف الفصائل والأحزاب من المشاركة أو عدمها في الانتخابات، بالإضافة إلى أن مؤسسات المجتمع المدني العاملة في مجال الصحافة أضحت اليوم لها نفوذ وتأثير قوي وكبير في الوسط الصحفي، أكثر من بعض الفصائل والقوى السياسية ورأيها ومشاركتها أو مقاطعتها ربما يؤثر على سير الانتخابات نفسها، وهذا الأمر مرهون بنتائج الحوارات بين الأطر والمؤسسات الصحفية".
ناهيك عن أن بعض المراكز في النقابة تحاول بشكل أو بآخر تعطيل إجراء الانتخابات لاستمرار وجودها، لأنها تعلم أن رصيدها لدى الوسط الصحفي قد نفذ، وأن تجربة الصحفيين مع هذه المراكز أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنها تعمل لمصالحها الخاصة بعيدا عن مصالح المجموع الصحفي، والوقائع على الأرض تثبت ذلك.
وبغض النظر عن وجهة نظري في إمكانية عقد الانتخابات من عدمه، فالصحفيون هم المسؤولون بشكل مباشر عن قرار كهذا لأنهم الأشخاص الذين يعيشون واقع الصحافة والأعلم بواقعهم وحالهم وتجربتهم واحتياجاتهم، ومثل هذا القرار يجب أن يكون نابعا منهم بالأساس وليس مفروضاً عليهم من جهات أخرى سياسية أو إدارية أو بيروقراطية، وحتى إن كانت تقصد حسن النية.
فمن حق، بل من واجب، الصحفيين دون غيرهم، تقرير كيف سيكون حال النقابة في المرحلة اللاحقة، خاصة في ضوء تجاربهم الصحفية النقابية على مر العقود الماضية وما صاحب هذه التجارب من إنجاز وإخفاق.
نقول كل هذا من باب الحرص وكذلك بناء على تجاربنا السابقة (الناجحة والفاشلة) على السواء. فنحن في أمسّ الحاجة لبناء جسم نقابي صحفي وحدوي تعاوني عضوي ممثل فعّال ومستجيب لتطلعات كافة الصحفيين.
فالمطلوب ليس انتخاب مجلس إداري وأمانة عامة فقط، لكن المطلوب هو إعادة ولادة جسم نقابي صحفي ولادة طبيعية وصحية، ومأسسة هذا الجسم على أسس سليمة ودقيقة والسير على الطريق الصحيح ليبقى هذا الجسم شامخاً ومعمراً ولنضمن ديمومته واستمراريته وفعاليته، وليأخذ شرعيته الحقيقية من الصحفيين أنفسهم. فقد سئمنا العيش في ظل فجوات الشرعية وأزمات التمثيل وقد حان وقت جَسرُها.
فنحن نريد نقابة حقيقية أصيلة فعّالة قادرة على حماية حقوق الصحفي، وقادرة على إيجاد فرص العمل للعاملين في هذا القطاع الصحفي، وحل مشكلة عمل الصحفيين وإيجاد الفضاءات والأماكن المناسبة لعمل الصحفيين، وخلق الأجواء الصحية والطبيعية للإبداع.
كذلك فنحن نريد نقابة قادرة على الدفاع عن حقوق الصحفيين وتمثيلهم وإعطائهم حقوقهم ،وخلق ظروف إيجابية لهم مثل تأمينات صحية، وحل مشكلة الضرائب المفروضة عليهم، والبحث عن وسائل بديلة عن التمويل المشروط وإنصاف الصحفيين وفق أسس المحاسبة والمساءلة والعدالة والمساواة، وتعزيز مفهوم العمل الجماعي بين الصحفيين والقطاعات الإعلامية.
نريد نقابة صحفيين تليق بالتجربة الصحفية وعطائها، وتليق بالحركة الصحفية الإبداعية الغنية وتلبي مطالبها. نريد نقابة بحجم التضحيات والعطاءات والإبداع تلبي الاحتياجات التي طال انتظارها. لا نريد جسما إداريا بيروقراطياً جديدا يُفقد الإبداع بريقه، ولا نريد جسماً هلامياً شكلياً آخر يتبعثر أو يندثر عند أول اختبار حقيقي له.
نريد نقابة منا وبنا ولنا. نريد نقابة مبنية على التشاور والحوار والنقاش والجدل الجاد والعميق، لا على ديمقراطيات الانتخاب الشكلية الصورية على حساب لُب وجوهر العمل الجماعي الإبداعي.
نريد نقابة تستعين بأصحاب الباع الطويل في العمل الصحفي والإعلامي وبخبراتهم بدل إهمالهم وإقصائهم وتغييبهم. نقابة تبني على الإرث والجِد والتعب لمن أفنوا عمرهم لرفعة الإعلام الوطني والرواية الفلسطينية بعطائهم واستمراريتهم على مدار العقود رغم الصعاب.
نريد نقابة تراكم على الإنجاز، وتتعلم من الفشل، وتأخذ العبرة من التجارب النقابية السابقة ولا تكرر نفس الأخطاء ونفس الأشخاص، ولا تتنازع على الحصص والمناصب والمخصصات والمسميات والشكليات والرسميات، بل نقابة تحيي بعضاً مما عندنا من رصيد وإرث في المجال الصحفي النقابي؛ فنقابة الصحفيين ليست جديدة في هذا الميدان.
الدرس كان واضحاً: ديمومة وعطاء الأجسام النقابية مستمد من قوة شرعيتها التمثيلية ومن احتضان أصحاب الشأن (الصحفيين أنفسهم) لهذه الأجسام واحتضانها لهم. وحتى لا نضلّ الطريق مرة أخرى فعلينا بناء نقابة صحفيين فلسطينيين تليق بتاريخ وتضحيات وتفاني وإبداع الحركة الصحفية، نقابة للصحفيين منهم وبهم ولهم.