بسام سعيد - النجاح الإخباري - لم تكن هذه الحرب الأولى التى يمر بها سكان قطاع غزة، بل هى الجوله الخامسة من الجولات المريرة التى عاشها السكان ، طالت كسابقتها الكثير من مكونات المجتمع من تدمير للبنى التحتية و الإنسان ، شطبت فيها أسر بالكامل من السجل المدني السكانى .
بهذا المعنى يمكن القول أن من أصبح شابا ويافعا هذه الايام مر بخمس حروب والعديد من الجولات شكلت جزءا كبيرا من وعية ، وصحته النفسية والعقلية ، وما مر به من رعب وهلع وخوف تكرر لمرات طوال ، طال هذا الرعب والهلع والفزع الأسرة التى تحاول الصمود فى ظل هذا الواقع المرير . فقطاع غزة منطقة صغيرة المساحة مكتظه بالسكان ، ويشكل الشباب والأطفال النسبة الأكبر من مكونات المجتمع ؛ حين يبدأ القصف تحتار الأسرة إلى أين تذهب ، واين تختبئ ، فالبيوت معظمها بسيطة مكونه من الواح من الاسبست وخاصة فى المخيمات و التى يشكل عدد سكانها حولى 70% من إجمالى سكان القطاع .
ومن خلال التجارب المعاشة فى الحروب التى مرت بها العائلات تلجأ العائلة إلى مكان آمن فى البيت ، رغم أن البيوت ليست آمنه ، فالقصف عنيف والمقذوفات واصواتها مرعبه ، فتتجمع العائلة فى غرفة واحدة ، وتستسلم لقدرها اما ان تنجو بشكل جماعى أو يتوفاها الله بشكل جماعى وحتى لا تفجع بفقدان عزيز !!
ويمكن القول ان اصعب الاوقات التى تواجها الأسر فى الحرب هو حلول المساء ومع أنقطاع التيار الكهربائي الذى لاياتى الا سويعات قليله ، حيث تبدأ الطائرات بالاغارة ليلا مما يسبب رعبا كبيرا للأطفال الصغار ، فيلجا الأطفال إلى الآباء والأمهات ليخففوا من توترهم وحمايتهم حين سماع أصوات قذائف الطائرات والدبابات والبوارج البحرية فى مشهد مرعب لا تستطيع الأسر النوم ليلا ، ويلجأ الآباء والأمهات إلى التحايل على الأطفال وايهامهم بأن هذه الأصوات بعيدة ومجرد فرقعات هواء ، ويكون الرعب مضاعفا عندما يكون القصف قريبا أو مجاورا للمنازل ، فالمنازل مكتظة ومتراصة !! ولكم ان تتخيلوا المشهد عندما يبدأ القصف ليلا وخاصة فى المناطق الحدودية حيث تهرب العائلات ليلا للبحث عن مكان أمن تحت وقع أصوات القذائف والصواريخ المتهاوية ، تهرب فى مشهد مخيف من صراخ الأطفال وعويل النساء وحيرة الآباء إلى أين المفر ؟! و هذه الماسى رصدتها وسائل الإعلام ، ويلجأ الآباء إلى الأقارب والأصدقاء لو توفرت مساحة كافية للمبيت والنجاة علما بأن القصف يطول كل مناطق القطاع فلا أحد آمن ! وبعض العائلات تهرب إلى المدارس طلبا للحماية ، وتسكن كل عائلة فى غرفة صفية واحدة ، يستخدم الجميع مراحيض واحده أو المتوفر فى المدرسة ، مما يشكل هذا الاكتظاظ الخطر الأكبر وخاصة فى ظل جائحة كورونا ، وتشكل مشاهد الدمار والهدم والقتل وتقطيع الاشلاء بما فيها من عنف ورعب واقعا صادما ومرعبا وذكريات لن تنسى بسهولة خاصة لدى الأطفال والشباب ، ويزداد المشهد رعبا حينما يطلب الاحتلال إخلاء البيوت لهدمها ليلا ، وخاصة البنايات المتعدده الطبقات و التى تضم عائلات كثيرة ، ولكم تخيل حجم الرعب والفزع والخوف الذى يصيب الأسرة والأطفال ، وكبار السن ، والمرضى ، وهم يحاولون النجاة من الموت ومن الدمار حاملين ما تيسر حمله من بقايا ذكريات !!!
فى ظل هذا الواقع ، وهذه المشاهد المروعه ، والصدمات النفسية ، سيتشكل جيلا يعانى من خلل فى الصحة النفسية ، والقدرة على التكيف مع الواقع ، وخاصة فى ظل ندرة وقلة المراكز النفسية والصحية ، وتراجع دور الاسرة القادرة على معالجة مخرجات الحرب من صدمات وهلع ، وفقدان قريب عزيز ، أو أسر استشهدت تحت القصف ، ومناظر البيوت المهدمة وفقدان المأوى ، وفقدان الأب أو الأم ، أو الأخ ، أو حتى فقدان العائلة كلها ، وكذلك غياب الأمل والنظرة السلبية للمستقبل والخوف من تجدد العدوان كل فترة !!!
هذا هو واقع قطاع غزة يا سادة ، وتاسيسا على ما سبق يمكن التأكيد على ان هذه الكوارث سترتد إلى عنف مجتمعى ، أو عنف وثورة ضد الاخر ، و تطرف فكرى وسياسى فى ظل انسداد الأفق وفى ظل الانقسام الفلسطينى الكارثى وغياب الحل السياسى والاقتصادي فى الواقع المنظور .
غزة التى تعتبر أكبر سجن مفتوح فى العالم و التى يعانى سكانها من صعوبة التنقل أو التواصل الوجاهى مع العالم الخارجى ، وخاصة لدى الجيل الشاب والذى يكون ثقافته من خلال العالم الافتراضى ، هذا الجيل الذى حرم الخروج والسفر والعمل والتعرف على الثقافات ، وهؤلاء هم قنابل موقوته ستنفجر فى وجه الجميع فى حال استمر الحال ، ولم تتوفر لهم الحياة الكريمه ، والأمنه ، كبقية شعوب العالم ، وفى ظل استمرار الاحتلال والانقسام والحصار والعنف الممارس والممنهح !!!
بقلم / د. بسام سعيد
أكاديمى وباحث