وكالات - سنية الحسيني - النجاح الإخباري - ركزت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة الأسبوع الماضي على تحقيق اختراق في عدد من القضايا، تم الإشارة إليها من قبل إدارته قبل الزيارة، كما جرى التركيز عليها خلال تلك الزيارة في البيانات والتصريحات الصحافية للرئيس بايدن، الأمر الذي يفسح المجال لتقييم نتائج هذه الزيارة، وتحليل الواقع السياسي في المنطقة اليوم من خلال مراجعة مخرجات هذه الزيارة وإنجازاتها. وبشكل مبدئي يتضح من جدول أعمال هذه الزيارة، والتي بدأت في إسرائيل وانتهت في المملكة العربية السعودية، أن هذين البلدين هما محور اهتمام هذه الزيارة، وحدود طموحاتها.
ولا يُعتبر دعم الإدارة الأميركية لإسرائيل من بين أسباب تلك الزيارة، لأن هذا الدعم متفق عليه ومحسوم منذ سنوات طويلة، ومن قبل كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، حسب ما أكده "بيان القدس" الذي صدر خلال زيارة بايدن لإسرائيل. ويبدو أن الهدف الصريح الذي جاء بايدن من أجله بخصوص إسرائيل يرتبط بشكل رئيس بدمج إسرائيل مع دول المنطقة، من خلال توسيع اتفاقيات التطبيع لتشمل السعودية بشكل أساسي، بالإضافة إلى تطوير التحالفات الأمنية مع دول المنطقة، وعلى رأسها السعودية أيضاً.
كما يتضح من تبدل السياسة الأميركية المفاجئة تجاه السعودية، أن الولايات المتحدة قد تأثرت بتطورات الحرب الروسية الأوكرانية، التي أوجبت إعادة النظر في سياستها تجاه حلفائها من دول المنطقة، وليس تجاه السعودية فقط. ولا تخرج محاولة احتواء التمدد الروسي والصيني في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن بدأت دول المنطقة ومنها حلفاء للولايات المتحدة بالاستدارة تجاههما، عن الهدف الأوسع بإعادة رسم تحالفات الولايات المتحدة وتوطيدها وصقلها.
في حين يتعلق الهدف الأميركي القصير المدى من هذه الزيارة أيضاً بالمملكة السعودية، بهدف زيادة ضخها للنفط، وذلك للسيطرة على أسعار موارد الطاقة، انطلاقاً من أهمية السعودية وقدرتها في هذا المجال، ومكانتها بين دول مجموعة "أوبك بلس" وهو الأمر الذي يرتبط بشكل مباشر بالانتخابات الأميركية النصفية التشريعية بعد أربعة أشهر، إذ قد يؤدي استمرار ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة التضخم في أميركا الناتج عنها وعن استمرار الحرب الروسية الأوكرانية لهزيمة نكراء قد تلحق بالحزب الديمقراطي.
وأما فيما يتعلق بالملفين الإيراني والفلسطيني، فتبقى ملفات ثانوية على أجندة هذه الزيارة. وتستخدم أميركا الملف الأول كمحفز استراتيجي لحشد دول المنطقة العربية للعمل مع إسرائيل، فأكد بايدن خلال زيارته لإسرائيل والسعودية على ضرورة التنسيق والعمل على منع حصول إيران على سلاح نووي، وتسخير جميع الطاقات لتحقيق ذلك. ورغم تمسك بايدن بكل ما رسخه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وإدارته لتقويض حل القضية الفلسطينية، متناسباً الواقع السياسي المترنح، حيث اعتبر بايدن أن الوقت لم يحن بعد لخوض العملية السلمية، في ظل تشديده على أن المفاوضات المباشرة هي وحدها التي ستؤدي إلى دولة فلسطينية مستقلة، لجأ بايدن لاستخدام النهج الدبلوماسي والتصريحات والإيماءات المغرية والمخادعة للفلسطينيين، واكتفى بدعمهم اقتصادياً، وتقديم وعود بتسهيلات حياتية، وذلك كمدخل إيجابي غير تصادمي مع الفلسطينيين، والذي يعد ضرورياً في إطار إعادة تقييم سياسة الولايات المتحدة تجاه دول المنطقة اليوم.
واعتبر محللون أميركيون أن بايدن خلال الزيارة سيطرح أفكاراً تتعلق ببناء منظومة دفاع موحدة لمواجهة التهديد الإيراني، بهدف إعادة رسم التحالفات في المنطقة، وهو الأمر الذي يستدعي القيام بتغييرات جذرية في السياسة الأميركية تجاه المنطقة، بعد سنوات من التردد والتراجع التدريجي في إطار تلك التحالفات، بعد أن فقد كثير من دول المنطقة الثقة بالسياسة الأميركية، وبمصداقية تعهداتها.
اعتقد بايدن في كلمته في إسرائيل أن بلاده قد ارتكبت خطأً عندما تركت نفوذها في الشرق الأوسط ينحسر، وأكد أن عليها أن تستمر في القيادة، وعدم خلق فراغ تملأه الصين وروسيا، ضد مصالح إسرائيل والولايات المتحدة"، خصوصاً في ظل تصاعد المنافسة مع الصين، ومخاطر الأزمات المتلاحقة التي تولدت ولا تزال من الحرب في أوكرانيا. واعتبر بايدن أن أي مقاربة لا تأخذ في الاعتبار التغيرات التي يشهدها الشرق الأوسط في ظل استمرت احتفاظه بأهميته الاستراتيجية، وسيطرته على الممرات المائية العالمية واعتباره مصدراً رئيساً للنفط والغاز، يعد خطأ جسيماً. وتعهد بايدن خلال زيارته لإسرائيل بـ "استخدام جميع عناصر قوة بلاده" لضمان عدم حصول إيران على سلاح نووي، ومواصلة العمل مع إسرائيل، والشركاء الآخرين، على مواجهة تهديدات إيران الأخرى المزعزعة للاستقرار على حد تعبيره، السيبرانية والصواريخ البالستية والوكلاء الإقليميين، والذين حددهم البيان بحركات المقاومة الفلسطينية "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وكذلك حزب الله اللبناني.
ويبدو أن الولايات المتحدة لم تذكر الحوثيين بهدف استخدام ذلك كورقة مساومة للمملكة السعودية في مفاوضاتها معها. وأكد بايدن على ضرورة استمرار العلاقات الأميركية - العربية، والتي تشمل دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق، بالتركيز على الأمن الذي ستضمنه الولايات المتحدة لدول المنطقة في مواجهة التهديد الإيراني، ومن خلال تمتين التحالفات في الشرق الأوسط. وأشاد بايدن في بيان القدس، الذي جاء في ختام محادثاته مع الإسرائيليين، بقمة النقب، التي استضافتها اسرائيل بهدف تشكيل تحالف اقليمي يضم إسرائيل وعدداً من دول المنطقة، حيث أكدت الولايات المتحدة في البيان، على مواصلة لعب دور نشط في بناء هيكل إقليمي قوي وتعميق العلاقة بين اسرائيل وشركائها الإقليميين ودفع التكامل الإقليمي لإسرائيل تدريجياً، واتفاقيات التطبيع.
لم يكتف بايدن بالتأكيد على تعهدات بلاده الأمنية لإسرائيل، وضمان تفوقها النوعي، بل قدم في بيان القدس تعهداً بتقديم مساعدات عسكرية إضافية تتجاوز مذكرات التفاهم بين البلدين، في الظروف الاستثنائية، كما أعلنت إدارته عن تقديم مليار دولار إضافي على تلك التفاهمات السابقة، لتمويل تكميلي للدفاع الصاروخي وتقنيات دفاعية متطورة كأنظمة أسلحة الليزر عالية الطاقة. ولم يوافق أي رئيس أميركي سابق على مساعدة إسرائيل في تطوير تلك التقنية الدفاعية عالية التعقيد، والتي اعتبر عدد من المحللين الأميركيين أنها تسمح لإسرائيل بمهاجمة إيران وحدها. كما ركز البيان على أن هذه التقنيات الدفاعية المتطورة من الممكن أن تصل ليد شركاء الولايات المتحدة الآخرين في المنطقة، في إطار مساعي الولايات المتحدة لإغراء تلك الدول للتحالف أمنياً مع إسرائيل.
تعزيز العلاقات الأمنية لإسرائيل مع دول المنطقة ليس نهجاً أميركياً جديداً، وإنما سعت واشنطن لتأمينه منذ سنوات، وأفصحت أميركا عن توجهاتها صراحة منذ شهر آب الماضي، في أعقاب توقيع "اتفاقيات إبراهيم" لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان، اذ لم تدعمها فقط، بل استخدمت محفزات ومساومات سياسية تجاه الدول العربية المستهدفة، لتحقيق هذا الانجاز لإسرائيل.
وحدث تطور جديد مهم في توجه الولايات المتحدة الداعم للتطبيع العربي مع إسرائيل من خلال نقل إسرائيل من مركز القيادة الأوروبية إلى القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط، فحافظت إسرائيل على علاقاتها وتنسيقها العسكري مع دول أوروبا من ناحية، وبدأت العمل مع دول الشرق الأوسط، بما فيها تلك الدول غير المطبعة مع إسرائيل، والتي باتت تتعاون عسكرياً وأمنياً معها تحت مظلة القيادة الأميركية. إن هذا التطور المهم سمح لإسرائيل للترويج بوجود تحالف إقليمي، فركزت إسرائيل على تحويل اتفاقيات إبراهيم إلى إطار متعدد الأطراف، وتعززت هذه الجهود بإنشاء منتدى النقب، ووصفت إسرائيل ذلك بأنه بداية هيكل دفاعي مشترك، وأنها بصدد بناء "تحالف دفاع جوي إقليمي برعاية الولايات المتحدة".
وتطالب الدول العربية واشنطن بالتزامات أمنية ثنائية ملزمة، بينما تستغل إسرائيل نفوذها لدى واشنطن، وتوجهات السياسة الأميركية المنبثقة من الرغبة الشعبية بتقليص التزاماتها تجاه المنطقة، لتحويل تلك الالتزامات الثنائية الأميركية العربية لتحالف أمني يضمها والدول العربية وأميركا. فجاء انضمام إسرائيل للقيادة المركزية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ضمن تلك المعطيات، الأمر الذي يفسر أهمية إسرائيل للعب دور أكثر أهمية في المنطقة في ظل هذه الإستراتيجية الأميركية.
من المرجح أن تلقى المبادرة بإنشاء تحالف استراتيجي في الشرق الأوسط يضم إسرائيل إلى جانب الدول العربية نفس المصير الذي خططت له إدارة ترامب، في ظل تباين تصورات إسرائيل والغرب حول التهديدات الإيرانية، وحدود الاشتباك معها، بالإضافة إلى غياب عنصر الثقة بإسرائيل. في حين قد ترحب الدول العربية بوجود نوع من تعزيز التعاون الأمني الثنائي أو حتى الإقليمي المحدود تحت المظلة الأميركية، في ظل المزايا التي قد يحصلون عليها بتعزيز قدراتهم الدفاعية الجوية والحصول على تكنولوجيا الحرب الإلكترونية الإسرائيلية وأنظمة الدفاع الصاروخي المتقدمة والتي تم تطويرها بالاشتراك مع الولايات المتحدة، وتتطلب تصريحاً أميركياً لنقلها إلى دول ثالثة، وكذلك حاجة دول الخليج لموافقة إسرائيل على شراء أسلحة أميركية أكثر تقدماً، نظراً لالتزام الولايات المتحدة بالحفاظ على "التفوق العسكري النوعي" لإسرائيل في المنطقة.