وكالات - أشرف العجرمي - النجاح الإخباري - تقرير الخارجية الأميركية، الذي أصدر بعد إجراء فحص للرصاصة التي قُتلت بها الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، وتم على أيدي خبراء محترفين، يظهر ضبابية عالية فيما يتعلق بالسلاح الذي استخدم في قتل أبو عاقلة. حيث أشار إلى أن الفحص لا يتيح التوصل إلى "استنتاج نهائي" بشأن مصدر السلاح الناري الذي أطلقت منه، بحجة أن الرصاصة متضررة بشكل كبير. ومع ترجيح بأن الرصاصة أطلقت من موقع إسرائيلي، تبرئ الخارجية الأميركية إسرائيل بالتأكيد على عدم وجود ما يدعو للاعتقاد بأن شيرين قتلت عمداً. والملفت للنظر هو ما صرح به الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، بأنه تم إخضاع الرصاصة لفحص باليستي في مختبر الطب الشرعي كهيئة مهنية إسرائيلية وممثلين محترفين عن USSC، أي أن الفحص في النهاية إسرائيلي وليس أميركياً.
النيابة العامة الفلسطينية، التي رفضت ادعاء الخارجية الأميركية، تؤكد أن وضع المقذوف جيد ويمكن مطابقته مع السلاح الناري. وعملياً لا تقبل السلطة والقيادة الفلسطينية مضمون التقرير الأميركي الذي على ما يبدو يريد التغطية على إسرائيل، وعدم تحميلها المسؤولية بشكل واضح وقاطع عن جريمة قتل الصحافية الفلسطينية التي تحمل الجنسية الأميركية. والواضح أن المحاولة الأميركية لتمييع المسألة، والتي تعكس انحيازاً مفضوحاً لإسرائيل، يشوبها الكثير من عدم الموضوعية. فلو افترضنا أن حالة المقذوف غير جيدة تماماً، والترجيح هو أن مصدر إطلاق النار إسرائيلي، فكيف تصل لاستنتاج بأن القتل لم يكن متعمداً دون تحقيق موضوع من جهة موثوقة كما طالب بذلك أعضاء في الكونغرس الأميركي؟
عندما يتعلق الأمر بإسرائيل تختفي كل الخطوط الفاصلة في السياسة الأميركية، ولا يهم إذا كانت الضحية مواطناً فلسطينياً أم أميركياً أم من أي جنسية أخرى. وهذا بطبيعة الحال مناقض لتصرف الولايات المتحدة بشكل كامل لو كان المتهم طرفاً عربياً على سبيل المثال، أو من أي مكان ربما باستثناء حلفاء أميركا الغربيين. بمعنى أن حقوق الإنسان، وحقوق المواطن الأميركي أيضاً، ليست أموراً مبدئية وإنما تستخدم حسب الحاجة والمصلحة، وهذا ينطبق على السياسة الأميركية في كل مكان، ولكن الانحياز الأميركي لإسرائيل يفوق ما عداه من أشكال التعامل الانتقائي والمعايير المزدوجة في كل القضايا الدولية.
ويبدو أن الإدارة الأميركية لا يهمها نداءات ومطالبات النواب الأميركيين، الذي يطالبون بتحقيق محايد ونزيه في مقتل أبو عاقلة الذي تحول لحدث بالغ الأهمية على مستوى العالم، عدا كونه محط تركيز فلسطيني ربما كان غير مسبوق. كما لا تعنى هذه الإدارة بالتحقيقات التي أجريت حول الموضوع، خاصة تحقيق محطة "سي إن إن" الأميركية الذي قال بوضوح: إن شيرين قتلت برصاص قناص إسرائيلي، وإن جنود جيش الاحتلال "كانوا يطلقون النار مباشرة على الصحافيين". وقد نقلت نتائج التحقيق الذي نشر في 25/5/2022 إلى الجانب الإسرائيلي وبالتأكيد للسلطات الأميركية، ولكن لم يؤخذ على محمل الجد؛ لأنه يراد تمييع الموضوع وعدم إدانة الاحتلال الإسرائيلي. ولو كانت الإدارة الأميركية جادة، وتتعامل مع القضية بشكل موضوعي ومنصف، لكانت ذهبت لتحقيق دولي من جهات مختصة يشارك فيه خبراء أميركيون وانتظرت النتيجة التي ستكون دون شك أقرب للحقيقة من فحص إسرائيلي بحضور أميركي.
من الواضح أن إدارة الرئيس بايدن تمهّد لزيارة الرئيس للمنطقة، خصوصاً لإسرائيل، ولا تريد أن يبقى هذا الموضوع الحساس مثاراً في الفضاء السياسي خلال الزيارة، وأن يلقي بظلاله على الأجواء التي تحاول الإدارة خلقها والنتائج المتوقعة، خاصة فيما يتعلق بإنشاء تحالفات جديدة، ومحاولة التأثير على مجريات الحرب الروسية - الأوكرانية، والتي في صلبها موضوع الطاقة والحصار الاقتصادي ضد روسيا. ويبدو أن بايدن الذي يواجه صعوبات جدية في الداخل الأميركي، وانخفض التأييد الشعبي له لأدنى مستوى ممكن لرئيس في الحكم بسبب الوضع الاقتصادي وانطباعات الناس عن إدارته للأزمة، يريد البحث عن نجاحات دبلوماسية في منطقتنا، ولا يهم إذا كانت على حساب الفلسطينيين الذين يحاول إغراءهم ببعض الفتات.
بعض الجهات تهاجم السلطة الفلسطينية على تسليم الرصاصة للجانب الأميركي وكأنها شريك في محاولة التغطية على إسرائيل، وهذا الاتهام في الواقع غير منطقي، وليس سهلاً رفض الطلب الأميركي لفحص الرصاصة وإجراء تحقيق حتى لو كانت السلطة لا تثق بالجانب الأميركي. وليس من مصلحة أحد تبرئة إسرائيل التي لا تقيم وزناً لأي اتفاق، خاصة للعلاقة مع السلطة، وهي تعمل على إحراجها بشكل دائم. ومع ذلك على السلطة أن تتابع مسألة إدانة إسرائيل في المحاكم الدولية على جرائم الحرب التي ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك جريمة قتل شيرين أبو عاقلة. وهذا سلاح مهم بيد السلطة والشعب الفلسطيني لا يجب أن يهمل أو يتم الاستهتار به، أو أن يخضع لمساومات أو ضغوط.