وكالات - مهند عبد الحميد - النجاح الإخباري - نشهد، الآن، خنقا للقضية الفلسطينية جرت وتجري فصوله وسط صمت فلسطيني، والصمت أو عدم الاكتراث هو أصعب وأخطر حالة يمر بها الشعب الفلسطيني. سابقا، قامت الدنيا ولم تقعد عندما قدم الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة مقترحا لحل سلمي، واضطرب الوضع الفلسطيني والعربي في أعقاب اتفاقات كامب ديفيد في العام 79، ولكن منذ إبرام اتفاق أوسلو تغير الحال باتجاه اللامبالاة، ومنذ الاتفاقات الإبراهيمية اتسم الحال الفلسطيني بالعجز والشلل. إن إنكار ما يجري وعدم التفاعل الطبيعي مع التحولات العاصفة وانتظار المجهول قد يفسر بأنه حالة مرضية. ففي الوقت الذي أعتمد فيه النظام العربي الرسمي، الصلح والاعتراف والمفاوضات مع إسرائيل ساحبا من التداول لاءات قمة الخرطوم في العام 1967، في ذلك الوقت، أعلنت حكومات نتنياهو وبينيت على مدار عقدين بأن لا صلح ولا اعتراف ولا مفاوضات مع قطب الصراع الأساسي - الفلسطيني -. والأنكى من ذلك لخّص بينيت رئيس حكومة الاحتلال مطالبه بـ»صفر إرهاب»، مقابل زيادة عدد العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، مقدما بذلك أرخص مساومة في تاريخ الصراع، مستبدلا شعار «الأرض مقابل السلام»، بشعار «الخبز مقابل الأمن»، وكان نتنياهو قد رفع شعاره الشهير «السلام مقابل السلام». أقوال بينيت ومن قبله نتنياهو وممارساتهما الأمنية والاستيطانية والسياسية تنسجم تماما مع غطرسة القوة الاستعمارية، وتعبر عن انكشاف الوضع الفلسطيني أمام الغطرسة، مجردا من الدعم العربي السياسي والمادي بمستوى غير مسبوق، ومجردا من الدعم الدولي بمستوى غير مسبوق. دعونا نعترف بأن الوضع الفلسطيني صار، الآن، في أضعف حالاته، وعندما وصلنا إلى هذه الدرجة من الضعف، اصبحنا في موقع لا نحسد عليه، ولا يحسب لنا حساب، صحيح أن الشعب لم يخضع ويسلم بالشروط الإسرائيلية لكنه دخل في حالة من عزلة الأشقاء متجاوزا كذبة مقايضة حل القضية الفلسطينية بالتطبيع العربي الإسرائيلي، وقد تقدم التطبيع على الحل لا بل أصبح بديلا عنه، وسط صمت فلسطيني مريب. في هذا السياق، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية عن مسؤولين سعوديين وإسرائيليين أن بإمكانهم اتخاذ خطوات تدريجية نحو التطبيع قبل حل القضية الفلسطينية، «لأن دعم الفلسطينيين لا يتردد صداه لدى الشباب في جميع أنحاء الشرق الأوسط كما كان سابقا» وبحسب التقرير فإن قياس الرأي العام في السعودية يشير إلى فتور الشباب دون الثلاثين عن القضية وعدم اهتمامهم بها، ويعتقد المسؤولون السعوديون بوجود تحولات بين جمهور المملكة لصالح إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل، حيث تحاول السعودية وإسرائيل التوصل إلى اتفاق يعمق العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
من جهة أخرى، نقل موقع الحرة عن صحيفة «نيويورك تايمز» قولها، إن مجلس إدارة صندوق الثروة السعودي نقض توصية قدمتها لجنة استشارية تابعة له بالاستثمار في شركة أسسها غاريد كوشنر، صهر الرئيس السابق ترامب. وبحسب الصحيفة، فإن كوشنر حصل على استثمار ضخم بقيمة ملياري دولار بعد 6 أشهر على خروجه من البيت الأبيض وذلك من قبل صندوق الاستثمارات العامة السعودي.
في السياق ذاته، وقّعت دولة الإمارات وإسرائيل اتفاق تجارة حرة في دبي هو الأول من نوعه بين إسرائيل ودولة عربية، اعتبر أحد أهم الثمار الاقتصادية لتطبيع العلاقات بين الحكومتين. الاتفاق يتضمن زيادة الاستثمارات وخلق الوظائف وتعزيز الجهود وبموجب الاتفاق، سيجري «استثناء 96 بالمئة من السلع (من الرسوم الجمركية)، فورا أو تدريجيا. وأشار رئيس مجلس الأعمال الإماراتي - الإسرائيلي دوريان باراك إلى أنّ «التجارة بين الإمارات وإسرائيل ستبلغ 2 مليار دولار في العام 2022، وترتفع إلى حوالي 5 مليارات دولار في 5 سنوات، مدعومة بالتعاون في قطاعات الطاقة المتجددة والسلع الاستهلاكية والسياحة وعلوم الحياة. وبفعل الاتفاق «أصبحت دبي بسرعة مركزا للشركات الإسرائيلية التي تتطلع إلى جنوب آسيا والشرق الأوسط والشرق الأقصى كأسواق لسلعها وخدماتها» وهناك ما يقرب من 1000 شركة إسرائيلية ستعمل في ومن خلال الإمارات العربية المتحدة بحلول نهاية العام «فرانس 24/ 31-5-2022».
إزاء ذلك، تقول النخبة السياسية المتنفذة في دول الخليج، إن إغداق المليارات وفتح الأسواق المحلية والجزر والمضائق والقواعد أمام دولة إسرائيل هو حق سيادي لها وهي حرة في تحديد سياساتها وتحالفاتها. لكنها تغفل حقيقة انه لا يجوز دعم بلد مستعمر ومحتل ويعمل بنظام «أبارتهايد»، لا يجوز مبدئيا وأخلاقيا ليس احتراما للروابط القومية المشتركة بين الشعوب العربية، وليس احتراما للرابطة الدينية العقلانية غير - المتزمتة - بل احتراما للقانون الدولي الذي يحظر أي دعم لنظام «أبارتهايد» استعماري.
ولم تكتف النخبة السياسية الخليجية بتجاوز الروابط والقيم وحقوق الشعوب وحقوق الإنسان. بل انتقلت إلى مستوى تبني الحل الإسرائيلي التصفوي للقضية الفلسطينية. حين دعا الإعلامي السعودي علي الشهابي، إلى إقامة «المملكة الهاشمية الفلسطينية» بين الأردن وفلسطين في مقال له، معتبرا أن إسرائيل حقيقة واقعة مفروضة على الأرض يتوجب على المنطقة المحيطة تقبلها ويجب على الفلسطينيين أن يتصالحوا مع هذا الواقع دون أن تعوقهم الآمال والأوهام الزائفة.
يلاحظ هنا، إيجاد حل للسكان خارج فلسطين وهو مشروع اليمين الصهيوني المنسجم مع قانون القومية الإسرائيلي الذي اعتبر أراضي فلسطين التاريخية ملكا حصريا لليهود. ويتناقض المشروع بالكامل مع مصالح الشعب الفلسطيني الوطنية والتاريخية، ويتناقض أيضا مع حقوق الشعب الأردني واستقلاله وحقه في تقرير مصيره. ولا يتورع الشهابي مُطلق المشروع عن تبني الرواية الصهيونية في نسختها القديمة بالقول، إن الجيل الفلسطيني الأول الذي عاصر النكبة، قد مات، ولا بد أن تصير المسألة الشاغلة لهم ولأطفالهم هي القدرة على أن يعيشوا حياة كريمة.
بقي القول، إن بقاء الغطاء الفلسطيني الرسمي والشعبي عن تماهي النخبة السياسية الخليجية مع نظام الـ»أبارتهايد» الاستعماري الإسرائيلي، غير مبرر ويلحق افدح الأضرار بالقضية الفلسطينية، ومن الواجب إزالته بأسرع وقت.