وكالات - هاني عوكل - النجاح الإخباري - منذ أن أدى اليمين رئيساً للولايات المتحدة الأميركية في العشرين من كانون الثاني 2021، لم يفكر جو بايدن في زيارة إسرائيل، ولم تطرح إدارته مبادرات سلام جديدة أو مُحدّثة لمعالجة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
من المفترض أن تكون هناك زيارة لبايدن في الثلث الأخير من الشهر الجاري، غير أن أوساطا أميركية وإسرائيلية تتحدث عن احتمالات تأجيل الزيارة إلى منتصف تموز المقبل لأسباب عدة، ربما أهمها الخوف من التأثير على حكومة نفتالي بينيت المهددة بالفشل السياسي.
في كل الأحوال، سواء جاء الرئيس الأميركي إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة والتقى المسؤولين من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، أو تأجلت الزيارة إلى وقت غير محدد، يلحظ أن الإدارة الأميركية الحالية غير مهتمة أبداً بمسألة هذا الصراع وممكنات حله.
يدرك بايدن وإدارته أن ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي غير ناضج بعد لإطلاق تسويات في المنطقة، وحالياً، لا يشكل هذا الملف أي أولوية في أولويات السياسة الخارجية الأميركية، انطلاقاً من عدة اعتبارات، من بينها فشل الإدارات الأميركية السابقة في هذا الاختبار.
بالتأكيد، هناك كلام كثير سيقوله بايدن للمسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين، من قبيل أن الولايات المتحدة مع سياسة حل الدولتين ووقف الاستيطان الإسرائيلي والأعمال الاستفزازية من قبل الجانبين. لكن أهم الكلام بالنسبة للرئيس الأميركي وما يريد أن يسمعه المسؤول الإسرائيلي لا يتعلق بالطرف الفلسطيني، وإنما بترتيبات أمنية جديدة لحماية إسرائيل وأمنها ضد أي تهديد إيراني.
أساس زيارة بايدن يصب في هذا الاتجاه، وهو دعم إسرائيل ومدها بالمال والسلاح وضمان تفوقها في المنطقة، والبحث في إمكانية تطوير وتوسيع منظومتها الدفاعية الصاروخية لمواجهة أي مخاطر محتملة سواء من قبل طهران أو «حزب الله» اللبناني.
في الواقع، يُفضّل الرئيس بايدن أن يكون على مسافة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت، من جهة غض الطرف عن كل الاعتداءات التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة، ويشمل ذلك بطبيعة الحال مواصلة سياسة الاستيطان.
كذلك تجد الإدارة الأميركية أن عدم الاهتمام بملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي هو ضوء أخضر لحكومة بينيت من أجل الاستعجال في ضم الضفة الغربية وجعل فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة أمراً مستحيلاً.
للطرف الفلسطيني سيتحدث بايدن عن أهمية عودة المفاوضات الثنائية مع الجانب الإسرائيلي، ولن يضغط على تل أبيب لإنهاء اعتداءاتها في القدس وعموم الضفة الغربية، وكذلك لن يضغط عليها لوقف استيطانها.
حتماً، سيتحدث عن موضوع استهداف الصحافية شيرين أبو عاقلة، ولن يحمل الطرف الإسرائيلي مسؤولية هذا الاستهداف، وإنما سيدعوه مع نظيره الفلسطيني للعمل سوياً في تشكيل لجنة تحقيق للكشف عن ملابسات استهداف أبو عاقلة.
سيستدعي أيضاً الملف الروسي - الأوكراني خلال الزيارة، وسيؤكد موقف بلاده الثابت في حماية الاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو» من التمدد الروسي غرباً، وكذلك دعم واشنطن لكييف وتقديم مختلف المساعدات العسكرية والمادية لها.
لا ينبغي على الفلسطينيين أن يعلقوا آمالاً على هذه الزيارة إن تمت، فلربما يحدث اختراق في موضوعات تتعلق بتسهيل حياة الفلسطينيين وعودة تقديم المساعدات الأميركية لهم وفتح مكتب التمثيل الفلسطيني الذي سبق أن أغلق في عهد ترامب.
ثمة قضايا كثيرة تشغل بال بايدن على الصعيدين الداخلي الأميركي والدولي، ويضعها في قمة أولوياته، بينما يقع ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في آخر الأولويات.
ما يهم الرئيس الديمقراطي داخلياً هو وقف انحسار حزبه ووضع حد للجرائم المرتبطة بالكراهية والعنصرية وحمل السلاح.
كذلك هناك مسألة ملحة تقلق الإدارة الأميركية ومرتبطة بالغلاء المعيشي وارتفاع أسعار الكثير من المنتجات على خلفية رفع أسعار الوقود، وكل ذلك إلى جانب الاهتمام بموضوع روسيا والصين وإيران يجعل من زيارة بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط شكلية بالنسبة للفلسطينيين تحديداً.
لكنها غير شكلية بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، لأنها تريد بالضبط أن تنفرد بالملف الفلسطيني في الغياب المقصود للتأثير الأميركي، وأما بخصوص الملف الإيراني ترى إسرائيل أن إعادة صياغة التحالفات في المنطقة أمر مهم وضروري لتحجيم الدور الإيراني وضمان عدم امتلاكها أي سلاح استراتيجي من شأنه أن يهدد الدولة العبرية.
في الحقيقة، يمكن القول، إن مختلف الإدارات الأميركية السابقة عملت على تهميش ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، بخلق ملفات أكثر أهمية على الساحة الدولية، بهدف جعل إسرائيل تسيطر على هذا الصراع وتديره على طريقتها الخاصة.
قبل الحرب الروسية على أوكرانيا، كان هناك الربيع العربي الذي فتح الباب على ثورات وحروب داخلية أثرت على مركزية القضية الفلسطينية ودفعت بهذا الملف من تصدر عناوين الصحافة والأخبار العالمية إلى خبر ثانوي وأحياناً هامشي. وقبل الربيع العربي كانت الحرب الدولية والأميركية على العراق، التي أضعفت القضية الفلسطينية وجعلت الفلسطينيين يقبلون أوسلو على مضض.
القصد من هذا الاستعراض السريع، أن لإسرائيل مصلحة كبيرة في هذه الحرائق التي تشعلها الولايات المتحدة الأميركية بيدها أو عبر حلفائها، والحرب الحالية التي تشنها موسكو على كييف أكبر دليل على أن العالم منشغل بما يجري في أوكرانيا ولا شيء آخر يقلقه أكثر من هذا الموضوع.
بايدن لا يختلف كثيراً عن نظيره السابق ترامب بخصوص دعم إسرائيل، إذ إن الثاني يجاهر ويفاخر علانية بتقديم كل أنواع الدعم لتل أبيب ويثني على مواقفها، والأول يغض الطرف عن كل السياسات والاعتداءات الإسرائيلية حتى تصل بعد ذلك إلى مرحلة لا يمكن فيها الحديث عن دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة.