وكالات - هاني عوكل - النجاح الإخباري - مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا منذ أواخر شهر شباط الماضي، والدول الأوروبية متخوفة من تأثيرات هذه الحرب على القارة العجوز وتوسيع رقعة الخلاف مع موسكو بسبب فرض العقوبات الدولية عليها، وتطويقها جغرافياً مع امتداد النفوذ الأوروبي على مستوييه حلف «الناتو» والاتحاد الأوروبي.
هذا الخوف من روسيا دفع دولاً مثل فنلندا والسويد إلى طلب العضوية للانضمام إلى حلف الشمال الأطلسي، منهيين حقبة طويلة من الزمن صُنفا فيها على الحياد العسكري، في مرحلة شهدت استقطاباً شرساً بين حلف «وارسو» الذي كان يقوده الاتحاد السوفيتي قبل تفككه، وحلف «الناتو» الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ومعها قاطرة من الدول الأوروبية الغربية.
الدوافع الفنلندية والسويدية لطلب الانضمام لحلف الناتو مفهومة وواضحة، ومرتبطة بتعزيز الأمن لدى دول الاتحاد الأوروبي، وأخذ الاحتياطات الكاملة للتعامل مع أي مستجدات عسكرية خصوصاً فيما يتعلق بارتدادات الحرب الروسية الحالية على كييف.
طبعاً لدى هلسنكي تخوفات أكثر من جارتها ستكهولهم فيما يتعلق بحدودها الملاصقة مع روسيا التي تصل إلى 1300 كيلومتر، وكذلك مستقبل أمنها، ولذلك استعجلت قبل السويد طلب الانضمام السريع إلى «الناتو»، وفي ذات الوقت صدرت تطمينات من المستوى السياسي الفنلندي إلى روسيا بأن عضويتها في الحلف العسكري لا يعني بالضرورة نقل قطع عسكرية متطورة وصواريخ نووية إلى أراضيها.
ليس هذا أساس النقاش في موضوعنا، وإنما «الفيتو» التركي ضد انضمام هاتين الدولتين الأوروبيتين إلى حلف «الناتو»، علماً أن طلب الانضمام إلى عضوية هذا الحلف العسكري يتطلب موافقة كل أعضائه، وأنقرة هي الدولة الوحيدة التي تعترض على ذلك.
لا يهم تركيا إذا انضمت فنلندا والسويد إلى «الناتو»، لكن ما يهمها هو الثمن الذي تقبضه للموافقة على هذه العضوية، وحالياً يجري شراء رضاها بعرض طلباتها على الولايات المتحدة الأميركية وشركائها الأوروبيين، وهي طلبات متنوعة وتحمل أبعاداً سياسية وعسكرية.
على الرغم من أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن صراحةً استياء بلاده من هذا الانضمام، تحت قناعة أن فنلندا والسويد تحديداً هما «بيوت ضيافة» للمنظمات الإرهابية التركية على حد قوله، إلا أن أنقرة لا تعتبر هذا السبب هو أساس امتناعها عن توسيع «الناتو».
ولا تخاف تركيا من فكرة أن توسيع حلف الشمال الأطلسي سيعني تأثيراً على مصالحها الإقليمية، واستعداء لسياساتها في منطقة الشرق الأوسط وتأثيراً سلبياً على علاقتها مع روسيا، ونموذج اليونان بشأن انضمامها للحلف سابقاً وتحشيدها ضد المصالح التركية استدعاه أردوغان حتى يغطي على أهم مطالبه.
أهم مطلب بالنسبة لتركيا هو مسألة انضمامها للاتحاد الأوروبي، وحتماً سيتم التطرق إلى هذا الموضوع باعتباره السقف الأعلى للمطالب التركية، غير أن أنقرة تدرك أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لن يوافقوا على هذا المطلب، وبالتالي ربما سيجري التوافق على طلبات تركية أخرى بالجملة.
من بين هذه الطلبات مثلاً، تخفيف اللهجة الأميركية والأوروبية الحادة مع تركيا بشأن تعاملها مع المعارضة التركية، وتضييق الخناق على أعضاء من حزب العمال الكردستاني ومنظمة فتح الله غولن المنتشرين في بعض العواصم الأوروبية وفي الولايات المتحدة.
كذلك قد يحدث اتفاق بشأن استمرار فرض العقوبات الأميركية على الوكالة التركية الحكومية المكلفة بخصوص شراء الأسلحة الأميركية، على خلفية حصول أنقرة على منظومة الصواريخ الروسية المتطورة «اس 400» التي أدت أيضاً إلى طردها من الجهود المشتركة لتطوير الجيل الخامس من المقاتلات الحربية «إف 35».
لن تترك أنقرة ملف عضوية فنلندا والسويد للناتو يمر مرور الكرام بدون أن تحصل على ثمن كبير، وقد يشمل ذلك تعزيز الشراكة الاقتصادية مع واشنطن والاتحاد الأوروبي، وفتح أسواقهم أمام البضائع التركية، والدعوة للاستثمار في الأخيرة بهدف تحسين اقتصادها الراكد وإنعاش عملتها المحلية التي فقدت الكثير من قيمتها.
حالياً ثمة تحركات دبلوماسية وجولات مكوكية بين القادة الأوروبيين لتسريع عملية انضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو، وقبل أيام عقد اجتماع لوزراء خارجية الحلف في برلين بهدف إيجاد حلول مستعجلة بخصوص العضوية الكاملة في غضون أربعة أشهر بدلاً من اتباع الطريق الطبيعية التي تستغرق بين عام إلى 14 شهراً.
في النهاية ستوافق تركيا على توسيع حلف «الناتو» الذي تحتل المرتبة الثانية فيه من حيث عدد قواتها، ولن يؤثر ذلك على علاقتها مع روسيا، ففي النهاية نصف بيضها في «سلة» موسكو والنصف الآخر في «سلة» الغرب، والأهم أنها ستحاول استثمار هذه الحرب لتحقيق مصالحها السياسية والاستراتيجية.
أما بالنسبة لروسيا فستتخذ إجراءات احترازية في التعامل مع الغرب، من قبيل تعزيز الأمن الاستراتيجي وتعزيز الأنظمة الدفاعية والهجومية ونشر أسلحة متطورة على جبهات مختلفة مع أوروبا، وهي رسائل تخويفية الهدف منها فهم واستيعاب الاحتياجات الأمنية الروسية ورفض التوسع العسكري الأوروبي على حساب المصالح الحيوية لموسكو.