وكالات - عقل أبو قرع - النجاح الإخباري - حسب مؤسسات حقوقية ونسوية في بلادنا، شهد العام الماضي مقتل 27 امرأة على الأقل لأسباب لها علاقة بالعنف المبني على النوع الاجتماعي، أي أن حالات القتل في هذه الحالات لها علاقة بطبيعة التعامل مع المرأة أو الرجل، أي النوع الاجتماعي، أي نظرة المجتمع إلى المرأة أو الرجل، وما يرافق ذلك من فجوات وعدم مساواة، سواء في التعامل أو التواصل أو الحصول على الفرص أو الخدمات أو الأجر أو طبيعة العمل أو فرص التوظيف أو التعليم أو الحصول على الحقوق من اقتصادية واجتماعية وسياسية وغير ذلك.
وهذه النظرة المجتمعية تنعكس بصورة أو بأخرى على العلاقات الاجتماعية ومنها العلاقات الأسرية، بين الزوج والزوجة ومع الأبناء وفي داخل العائلة الموسعة، وبالتالي طبيعة التعامل بين الرجل والمرأة، وحين يحدث العنف بسبب هذه الأوضاع أو نتيجة هذه الظروف، سواء أكان عنفا جسديا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، فإن هذا العنف يندرج في إطار العنف المبني على النوع الاجتماعي، ومن أشرس صور هذا العنف هو القتل، وبالأخص قتل النساء، وهذا ما نشهد تصاعده وبشكل مؤلم، سواء خلال العام الماضي أو خلال الأشهر الأولى من العام الحالي، وبالإضافة إلى هذا النوع من العنف، لا يكاد يخلو يوم إلا ونسمع عن العنف والقتل والإيذاء من خلال الشجارات أو الاعتداءات أو حوادث السير وما إلى ذلك، وهذا الوضع المؤلم والمحزن يحتاج إلى البحث عن الأسباب ومن ثم تطبيق حلول جذرية، تعمل على منع العنف أو أسبابه أو ظروفه من الأساس وبشكل حازم.
وكان لافتا خلال الأسابيع القليلة الماضية، التصاعد الحاد في العنف المجتمعي في بلادنا، وكان واضحا أن معظم من ينخرط في هذا العنف هم من فئة الشباب، وبغض النظر عن نوعية وحدة هذا العنف، أو الموقع، أو التداعيات أو الأسباب، إلا أن ذلك يحتاج إلى دراسة معمقة للأسباب والعوامل التي تقود إلى هذا العنف، بحيث أصبحت حوادث العنف ومن ضمنها القتل، من الأمور الاعتيادية، التي قد يمر عليها الكثيرون دون وقفة أو إرباك أو دعوات، كما كان يتم في الماضي، أي قبل سنوات في بلادنا.
فهناك حوادث الاعتداءات ومنها الاعتداء على النساء وبأشكال مختلفة ومؤلمة، وهناك الاقتتال الطلابي داخل وخارج المباني الأكاديمية التي تعلمنا أن لها حرمة واحتراما، ومنها العنف والصراعات الأكثر امتدادا وتأصلا، وبالأخص بين العائلات وبغض النظر عن الأسباب، كما حدث في الخليل وغيرها من المناطق مؤخرا، ومنها العنف الذي اصبح شبه اعتيادي، متمثلا في مظاهر مثل السرقات والاعتداء على المنازل والنصب وسرقة السيارات أو لوحاتها وغير ذلك من ظواهر لم نعتد عليها في الماضي.
ومن أشكال العنف الجديد كذلك، ما بات يعرف بالعنف الإلكتروني، أو هو ما يتم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة والمتعددة، من سرقة معلومات أو بيانات أو صور وبالتالي ابتزاز وتهديدات، وما لذلك من تداعيات قد تكون عنيفة أو مميتة في بعض الأحيان، ومن مظاهر العنف في هذا المنوال، حوادث الطرق أو السيارات المميتة، والتي بشكل أو بآخر قد تتقاطع أسبابها، مع أسباب أنواع العنف الأخرى.
ولا داعي للتعمق كثيرا في محاولة لسبر غور الأسباب للعنف بأنواعه، فالوضع الاقتصادي المتردي، والذي أفرز بالدرجة الأولى وسوف يفرز البطالة وعدم وجود فرص للعمل، وبالأخص عند فئة الشباب من الإناث والرجال، وهذا بدوره أدى إلى التردي في الوضع الاجتماعي والتربوي، بالإضافة إلى التردي في الوضع السياسي من جمود وضبابية وعدم وجود آمال بالتغيير، واستحواذ فئة محددة على امتيازات كثيرة، هذه الأوضاع المتشابكة معا، أدت إلى ما نحن فيه من مظاهر العنف في الوقت الحالي، ومنها المظاهر العنيفة التي تأخذ حيزا كبيرا في الإعلام ومن خلال حديث الناس ومنها الاعتداء على النساء، والتي من الواضح أنها سوف تتواصل وتتراكم إذا استمرت الأوضاع الحالية على ما عليه.
ومن إفرازات الأوضاع المتردية هذه، تفشي ظواهر الواسطة والمحسوبية والفساد، وتصاعد ظاهرة الاكتئاب والإحباط وبالأخص عند الجيل الشاب في بلادنا، من إناث وذكور، وبالطبع فإن من إفرازات العنف ظواهر الاكتئاب، حيث إن مرض الاكتئاب يتشكل أو يتطور بفعل عوامل نفسية اجتماعية اقتصادية وتوتر وضغوط وما إلى ذلك.
وإذا كانت حوادث العنف الفردية هنا وهناك تتم معالجتها بشكل أو بآخر حسب حدتها، سواء في الإطار العشائري أو من خلال الجاهات أو العادات والتي قد تأخذ مظاهر وتداعيات مؤلمة وبالأخص على أناس أبرياء لم يكن لهم دور في العنف، أو من خلال الإطار الأمني أو القانوني، أو في الإطار العائلي الضيق، إلا أن تصدعات العنف المجتمعي وان تواصلت وتراكمت وتصاعدت، سوف تصبح أمرا روتينيا يمر عليه الناس بشكل سريع، ويصبح جزءا من الواقع المؤلم العنيف الذي عايشناه خلال الفترة الماضية.
وهذا يستدعي التدخل وبعمق، أولا من الجهات الرسمية وبأنواعها، من خلال توفير البيانات والأرقام وإجراء الأبحاث والدراسات التي تحدد أسباب العنف بشكل موضوعي علمي بعيدا عن التخبطات والاجتهادات، وربط الأسباب مع أنواع العنف وحدته، وبالتالي التدخل من خلال إجراءات مدروسة عملية وبشكل تعاوني، والاهم هو الالتزام بنظام من المتابعة والتقييم للنتائج وفي فترة زمنية.
والتدخل الرسمي وكما يتم في المناطق في العالم، يستدعي التدخل في كافة المسارات التي ترابطها يؤدي إلى العنف، في المسارات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والسياسية وما إلى ذلك، وبالإضافة إلى الجانب الرسمي وهو الأهم، فإن هناك أدوارا مهمة ولو في نطاق أضيق لمؤسسات المجتمع المدني وبأنواعها، وفي إطار العائلة الممتدة وفي داخل الأسرة، وكل حسب وسائله وإمكانياته، لكي تعمل مجتمعة للحد من ظواهر العنف ومنها حوادث مميتة قد تصبح أن تواصلت، مع الزمن عندنا جزءا عاديا من الأمور الحياتية، مثل تلك التي تعايشها مجتمعات أو بلدان أخرى.
ومن الحلول الجذرية للتعامل مع مظاهر العنف وبالأخص العنف المبني على النوع الاجتماعي وفي داخل الأسرة الواحدة، هو العمل على تعديل القوانين القديمة المطبقة في بلادنا والتي ما زالت تعود إلى الحقبات الأردنية والمصرية في الضفة الغربية وفي قطاع غزة بالتتابع، والتي هذه الدول نفسها قامت بتعديلها لتتماشى مع متطلبات وظروف الوقت الحالي.
وهذا ما نحتاجه، أي إلى التركيز على إقرار قوانين حديثة تتعامل مع كل المجريات والتطورات والأحداث والعلاقات ومنها التي لها بعد من منظور النوع الاجتماعي، أي إصدار قانون يحمي الأسرة بكافة مكوناتها ومنها المرأة والرجل والأولاد وأفراد العائلة الكبرى وبالتالي المجتمع، بشكل يأخذ كافة الظروف الحالية وفي نفس الوقت لا يشذ عن طبيعة مجتمعنا وظروفنا وبيئتنا، أي لا يتم استيراده بصورة أو بأخرى من الخارج لإرضاء هذا الطرف أو ذاك، وهذا القانون وان تم تطبيقه وبشكل حازم، سوف يحمي الأسرة بكافة مكوناتها وبالتالي يحمي المجتمع المصغر وبالتالي المجتمع الكبير، الذي اعتدنا على تجانسه وتعاضده، ويمنح الحقوق وبأنواعها لكافة مكونات الأسرة، وفي المحصلة يحد من هذا العنف المجتمعي المتصاعد ومنه العنف المبني على النوع الاجتماعي وبالأخص العنف ضد النساء ومن ابشع صوره القتل