راسم عبيدات - النجاح الإخباري - من المفروض أن يكون شهر رمضان الفضيل شهر للتسامح والتعاضد والتكافل الاجتماعي والعبادة والتوبة وطلباً للصفح والمغفرة،ولكن للمرة المليون أقول بأن لدينا خلل متعدد الجوانب تربوي وثقافي وقيمي واخلاقي، دعك عن ما يبدو في الظاهر من نسك وعبادة وتقاطر او “تزارف” نحو الأقصى ودور العبادة،فكل ذلك لا يعكس تديناً وحباً وطمعاً في المغفرة والجنة وعمل الخير ..الخ، ما يبدو على السطح لا يعكس ما يجري في الداخل،الطقوس والعبادات وعدد الركعات لا تنعكس لا في السلوك ولا في القيم ولا في الأخلاق ولا في المعاملة ولا في الحياة العامة، أزمتنا شمولية عميقة بحاجة الى ثورة في الثورة في العمق وفي المفاهيم،نحن بحاجة الى اعادة انتاج وصياغة وعي ومفاهيم وقيم يكفينا السير وفق سياسة النعام….قولوا لي اذا كان كل هذا التدين والخشوع فينا،لماذا كل اشكالية بسيطة أو خلاف بين شخصين لأسباب تافهة بكل المعايير والمقاييس تتحول الى “فزعة” عامة وتأخذ أبعاداً طائفية او فئوية او قبلية او عشائرية،تظهرنا كقطيع أغنام او مجموعة من الغوغائيين لا تربطنا أية معاني او قيم بأبعادها الوطنية والأخلاقية والإجتماعية والدينية والسلوكية ..؟؟ ولماذا من يريد أن يتعبد ويصلي يعطل على الناس الآخرين شؤون حياتهم،ويبقيهم أسرى لمزاجيته ومنطقه الأعوج وتبريراته غير المنطقية بحيث يترك سيارته في وسط الشارع ليقول لك فعلت ذلك حتى أدرك الصلاة في الأقصى،أو لربما يفتعل معك “طوشة” كيف تسمح لنفسك بمراجعته،فأنت تريد أن تحرمه من الصلاة..!!،هذه صلاة ليس فيها لا عبادة ولا مغفرة ولا رحمة،ولا يجوز تحميل الله “جميل” بصلاتك الكاذبة،فالصلاة أخلاق وليست طقوس،والرسول محمد صلى الله عليه وسلم بعث متمماً للأخلاق وهو القائل ” الدين المعاملة”.
أما عن الفوضى العارمة في الشوارع والطرقات والسير فحدث ولا حرج سيارات تسير بعكس السير وتغلق الشوارع ويصطف الناس في طوابير طويلة يشتمون ويسبون ويصرخون وسرعان ما تندلع “الطوش” لتتحول الى ساحات حرب تستخدم فيها كل الألفاظ البذيئة والتعارك ليس بالأيدي فالعصي والجنازير والمواسير والسكاكين وحتى السلاح المشبوه تكون جاهزة للإستخدام،في مشاهد تقول لك بأننا في مرحلة المشاعية البدائية.
والمأساة أن السرعة الجنونية والسير بعكس السير وعدم احترام الأنظمة وقوانين السير أكثر ما تقوم به وتمارسه السيارات العمومية التي يفترض أن سائقيها لديهم دورات من أجل التقيد الصارم بقوانين السير،وهم ممن يتمتعون بالأخلاق وحسن المعاملة ولديهم أرواح يجب ان يحافظوا عليها،ولكن كل ذلك لا وجود له على أرض الواقع …!!،وكذلك سيارات تسير بلا رخص او تامين أو حتى مشطوبة والمبرر والحجة جاهزة ظروفنا وأوضاعنا الإقتصادية صعبة،وليت الأمور تقف عند هذا الحد فهناك من يستخدم السيارات المشطوبة كوسيلة نقل للركاب،بقلك بدنا “نترزق” وأرواح الناس الله لا يردهم،،والشرطة بدلاً من أن تأخذ القانون وتطبقه،من لديه علاقات وواسطة تلغي مخالفته او لا تصادر سيارته….ومشاة يسيرون في الشوارع كالقطعان لا إشارات ضوئية ولا قوانين سير يحترمون…..وتجار يستغلون هذا الشهر ليس فقط من خلال رفع الأسعار او مضاعفتها،بل من لديه بضاعة فاسدة او منتهية صلاحيتها،او لفظتها مستوطنات الإحتلال ومصانعها يجري تسويقها على أبناء شعبنا والبعض بكل وقاحة يقول لك نحن نريد ان نخفف على الفقراء ؟؟،وهو يقوم بعملية إعدامهم،وليس هذا فحسب،بل خطب الكثير من أئمة الجوامع الذين يمثلون دور الورع والتقوى بدلاً من ان يدعو الى تكاتف ووحدة المجتمع ومحاربة ونبذ التطرف والمذهبية،يصبون الزيت على نار المذهبية والطائفية……وشباب يتسكعون في الشوارع ومن بعض الإفطار “تفحيط” و”تخميس” و” تشحيط” وأراجيل في وسط الشوارع العامة وأغاني بدون معاني تصدح من مسجلات سياراتهم،وسلوكيات أقرب للرعاع منها للسلوك الإنساني السوي والواعي… جرافات وحفارات وخلاطات باطون ومقصات وكمبريسات تعمل طول الليل ولا تترك للناس فرصة للنوم أو حتى الراحة والهدوء،بحجة انهم لا يستطيعون العمل في النهار بسبب الصيام،وعلى الناس التكيف مع ذلك.
اما قبيل موعد الإفطار فعليك أن تكون شديد الحظر فالكل يسير سرعة جنونية “وزوامير” بأعلى الأصوات ومختلفة الأنواع،يريدون شراء الفلافل والحمص او القطايف او التمر الهندي واللوز،حيث الإزدحام وإغلاق الطرق أمام تلك المحلات تشعرك بأننا على أبواب حرب مدمرة أو مجاعة كبرى .
والقضية الأخطر بأن العديد من المؤسسات أو الجمعيات العربية التي تعمل في إطار العمل الإغاثي سواء في توزيع الطرود الغذائية أو وجبات إفطار الصائم حولوا شعبنا الى شعب متسول،حيث نرى بان الكثير من المؤسسات الداعمة تحرص على تصوير تلك الوجبات أو الطرود التي توزعها في إنتهاك فظ لكرامة وإنسانية الفقير او المحتاج،والحجج والتبريرات بأن تلك العملية فقط من اجل التوثيق وإثبات المصداقية، وهذا ليس مبرراً لكي تمارس تلك الجمعية او المؤسسة الدعاية بهذه الطريقة.
وكذلك الطريقة التي يجري التعامل فيها مع الوجبات التي يتم إدخالها الى المسجد الأقصى،حيث الفوضى العارمة سواء من حيث التجمهر والتدافع على تلك الوجبات في مناظر غير حضارية،او المخلفات المترتبة عنها من القمامة،من حيث انتشار اكوامها في ساحات المسجد الأقصى.
نعم نحن في مرحلة نعاني من التفكك والإنهيار على كل الصعد،ويجري ترجمة ذلك بشكل جلي في شهر رمضان،والحالة الطبيعية تفترض العكس،تفترض أن نكون في هذا الشهر الفضيل في أعلى درجات التضامن والتكافل مع بعضنا البعض،نتغاضى عن صغائر الأمور،ونلتمس الأعذار لمن يرتكبون الأخطاء،ونقف صفاً واحداً امام كل الساعين الى تدمير وتفكيك لحمتنا ونسيجنا المجتمعي والوطني.
في ظل هذا الواقع المرير الذي نعيشه،واقع في جزء كبير منه نحن مسؤولين عما آلت إليه اوضاعنا،والإحتلال ليس المشجب الدائم لكي يكون شماعة جهلنا وتخلفنا وقصوراتنا وإنعدام القيم والأخلاق عندنا.
حماية السلم الأهلي والمجتمعي وتشكيل لجان وطنية وعشائرية تلعب دوراً رئيسياً في التوعية بمخاطر الظواهر الإجتماعية السلبية والإنحرافية،مثل البلطجة والزعرنة والتطاول والتعدي على ممتلكات الناس وأراضيهم،وممارسة سياسة الإستقواء والخاوات وغيرها،وكذلك يجب أن لا يكون دورها توعوياً فقط بل يجب ان تكون عنواناً التصدي لمثل هذه الظواهر والمساءلة والمحاسبة الجدية لكل المسؤولين عن مثل هذه الظواهر والسلوكيات الإنحرافية، المدارس تخصص لها وقتاً في الإذاعات الصباحية،وكذلك يجب ان يكون هنك حصص في مادة التربية الوطنية وندوات ومحاضرات تحارب وتنبذ هذه الظواهر والسلوكيات اللامعياريه،وكذلك الحال في الجوامع والمؤسسات الدينية،عليها دور مهم في مهاجمة هذه الظواهر والدعوة لمحاسبة مروجيها ومرتكبيها والمحرضين عليها.
نحن اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه سائرون نحو الدمار والتفكك المجتمعي والوطني،فالفوضى رديف الدمار والإنهيار،ونحن بحاجة الى من يعلق الجرس ويمارس ذلك على أرض الواقع.