طلال عوكل - النجاح الإخباري - سبحان من يُبدِّل الأحوال، هكذا يتحول العدو الأول للأمة العربية إلى صديق وحليف، وربما منقذ، بينما تتحول إيران إلى عدو مبين وخطر على النظام العربي الرسمي. من حيث المبدأ يمكن القول، إن المتغيرات السياسية والانعطافات الكبرى، ستؤدي إلى تغيير وظائف الجغرافيا السياسية، ولكن ليس إلى الحدّ الذي يجعل العرب يتجاهلون قوة وحدتهم، فيقودهم الضعف إلى الالتجاء إلى عدوهم التاريخي.
وربما كان علينا أن نقبل الشكوك التي يطرحها البعض في كثير من الأحيان، بشأن ما إذا كان النظام العربي الرسمي وفق سياقات تطوره، قد بنى استراتيجياته على أساس أن المشروع الصهيوني يهدد وجود وهوية الأمة العربية.
مرّة أخرى يحق لإسرائيل أن تتبجّح بأنها تحقق أحلام قياداتها التاريخية، ذلك أن ما نراه، اليوم، يشير إلى تحقق رؤية شمعون بيريس الذي سبق كوندوليزا رايس، بشأن الشرق الأوسط الجديد.
ينظر الزعماء العرب بين أرجلهم، ولا يعيرون انتباهاً لطبيعة وأبعاد المخطط الصهيوني ذي الأبعاد العميقة، ابتداءً من مقولة «شعب بلا أرض لأرض بلا شعب»، ومقولة «أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل»، وإلى ما قاله بيريس من أن العقل الإسرائيلي يحيل هذه المنطقة إلى جنّة في حال تحالفه مع الثروات العربية.
ولكن هل فعلاً سيؤدي الاستخفاف بالعقل العربي إلى حد التسليم برجاحة العقل الصهيوني، سيؤدي إلى تحويل هذه المنطقة إلى جنّة؟
كيف يمكن لنهج عنصري شرّير، أن يحول المنطقة إلى جنّة، وهو عاجز عن أن يحقق الجنّة في الجغرافيا التي سلبها من أصحابها، أم إن العرب لا يدركون ماهية النظام الذي يتعاملون معه؟
إسرائيل لا تمارس سرقة الأرض واستيطانها فقط في الأراضي المحتلة العام 1967، ولا تمارس الإرهاب والقتل والاعتقال والتنكيل بالفلسطينيين في الضفة وغزة والقدس فقط. وإسرائيل لا تنكر على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة العام 1967، أي حقوق وطنية أو سياسية، بل هي ترفض، أيضاً، مساواة مواطنيها العرب مع اليهود.
قبل اللقاء السداسي في النقب، كانت هناك عملية أودت بحياة عدد من الإسرائيليين، وكانت حالة من الغليان تسود المنطقة، وتتجه نحو تصعيد المواجهة، وخلال وجود وزراء الخارجية الستة، وقعت عملية الخضيرة.
ألا يشير ذلك إلى أن الأمن الإسرائيلي الذي اتخذ أقصى الإجراءات الأمنية لضمان الهدوء وضمان أمن الوفود الزائرة، غير قادر على أن يحمي أمنه واستقراره.
ألا يرى وزراء الخارجية الستة، أن الأمن الداخلي الإسرائيلي هش ومهدد بعد عملية إطلاق النار في بني براك بالقرب من تل أبيب، بالرغم من الإجراءات الأمنية الصارمة التي اتخذتها الحكومة، والجيش والشرطة وأجهزة الأمن، بعد عملية الخضيرة؟
وبصرف النظر عن الاختلاف الذي قد يظهر بين الفلسطينيين بين من يرحب ومن يدين هذه العمليات، فإن الأمر يتعلق من ناحية بمدى خطورة السياسات والإجراءات العنصرية التي تمارسها كل السلطات الرسمية وغير الرسمية في إسرائيل، والتي تصيب المصالح الفردية عوضاً عن الجمعية للفلسطينيين. كما يتعلق من الناحية الأخرى بهشاشة وضعف الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وصعوبة الحفاظ على الأمن والاستقرار، وحتى النسيج الاجتماعي.
تبدو إسرائيل على أنها قلعة حصينة تملك ترسانة ضخمة من أدوات ووسائل القتل والتدمير، وان بإمكانها كما تدعي مصادرها السياسية والأمنية أن تتفوق على كل ما حولها من الجيوش، ولكن في ضوء هشاشة نظامها السياسي والمجتمعي، وخطورة مخططاتها وطبيعتها العنصرية فإن المؤسسة الحاكمة تكون أقرب إلى شركة أمنية ليس أكثر.
ألا يلاحظ المراقبون أن إسرائيل تسعى منذ بعض الوقت إلى شراء الهدوء في الضفة الغربية والقدس وغزة خلال شهر رمضان؟
إسرائيل جنّدت وساطات أميركية وأردنية ومصرية، عدا اتصالاتها بالسلطة الوطنية، من أجل ضمان الهدوء.
وإسرائيل اتخذت جملة من التسهيلات ووعدت بأخرى لضمان الهدوء في شهر رمضان، لكنها تفشل في ذلك، لأن الأمر لا يتعلق فقط بالفلسطينيين.
لماذا سيصعّد الفلسطينيون من مقاومتهم للاحتلال، إذا لم تبادر الجهات الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية لمواصلة الاستفزازات؟
قبل أن تطلب إسرائيل الهدوء، كان عليها أن تضبط سلوك الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية وأن تضبط على نحوٍ خاص الجماعات الاستيطانية المتطرفة، التي لا تتوقف عن مزاولة اقتحام المسجد الأقصى، ومواصلة سياسة التطهير العرقي، وسياسة القمع والاعتقال ومصادرة الأراضي وأبسط الحقوق.
في الواقع، فإن من يقرر إقامة خمس مستوطنات في النقب، ومن يعتدي على المساجد في اللد والرملة، ومن يسمح بتشكيل ميليشيات مسلّحة، ويطلق العنان لبن غفير وأعوانه، من يقرر ذلك وأكثر، هو الذي يقدم الدوافع والأسباب للمقاومين الفلسطينيين بما توفر لديهم من وسائل.
لقد حان الوقت للعرب قبل غيرهم لأن يدركوا أن إسرائيل تسبق كل الدول الأخرى في انتهاكاتها للقوانين الدولية، وأن من يفعل ذلك لا يمكنه أن يساعد أحدا، على الالتزام بتلك القوانين، أو احترام سيادات الدول.