هاني حبيب - النجاح الإخباري - قالوا عنها «قمة تاريخية» بينما هي ليست قمة كونها اجتماعاً وزارياً، وليست تاريخيّة بالنتائج العادية جداً التي صدرت عنها، هذا بالتأكيد ليس تقليلاً من تأثيراتها، الرمزية منها على وجه الخصوص، فهؤلاء الوزراء، سبق وأن زاروا فلسطين المحتلة فرادى، وإذا استثنينا مصر، فإن هذه الاجتماعات كانت في الأصل في سياق «جماعة أبراهام» ولم تكن لتحدث لو أن لم تسبقها قمة شرم الشيخ، على الأقل هكذا يرى المحلل السياسي لصحيفة هآرتس باراك رافيد الذي قال إن وزير الخارجية الإسرائيلية لابيد أراد استغلال قمة شرم الشيخ الذي لم يُشارك بها، بحدث أكبر يكون المضيف في اجتماعات تعقد في إسرائيل، رافيد يؤكّد في هذا السياق أن قيمة هذه الاجتماعات تتعلق بالصورة وليس بالمحتوى.
ونقدّر أنّ ما يجمع قمة شرم الشيخ ومؤتمر النقب، هو غياب الفلسطيني، لا نشير بذلك إلى غياب التمثيل الفلسطيني، بل لغياب القضية الفلسطينية، فالأحاديث القصيرة التي جرت عقبها تناولت بشكلٍ هامشي المسألة الفلسطينية وكأنها مجاملة أكثر من أن تكون قضية تم التوقف عندها، وكأننا أمام إعادة الاعتبار إلى مقولة الشرق الأوسط الجديد التي ازدهرت قبل قرابة ثلاثة عقود. الرئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريس شرح فهمه لهذه المقولة بالقول: تعاون وثيق بين إسرائيل والدول العربية على قاعدة المصالح المشتركة، دون أي صلة بالمسألة الفلسطينية أو بحلٍ شاملٍ للصراع.
أهمية لقاء النقب، تكمن بمجرد انعقاده، ليس أكثر، فالروابط ذات الأبعاد الأمنية والاقتصادية وربما السياسية، بين أطراف هذا المؤتمر موجودة وقوية بشكلٍ تنائي وجماعي في بعض الأحيان، وهناك اتفاقيات تحدد التزامات كل طرف مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لكن وجود وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، حدد هوية هذا المؤتمر بشكلٍ عام، وهو التخوّف الذي أبدته بعض الأطراف في إعادة الحياة إلى الاتفاق النووي الإيراني، وظهر وكأن هؤلاء قد استسلموا لحقيقة أن إدارة بايدن ليس أمامها من خيار سوى العودة إلى الاتفاق، لكنهم توقفوا عند ضرورة أن لا تستجيب إدارة بايدن لإسقاط التصنيف «الإرهابي» عن الحرس الثوري الإيراني، وظيفة بلينكن في هذا الاجتماع طمأنة المجتمعين من دون الادلاء بأية التزامات، لذلك تم الاتفاق مبكرًا على عدم صدور بيان ختامي للاجتماع والاكتفاء بالإدلاء ببياناتٍ فردية.
لابيد، استضاف مؤتمر النقب، لكن محصلة نتائجه سيجنيها رئيس الحكومة بينيت، إذ سيقارن بسلفه نتنياهو الذي تمت في عهده تشكيل «جماعة أبراهام» في أكبر وأعمق موجة تطبيع، حيث لا يمتلك الأول مهارات وكريزمات الثاني، فإنه يسخّر السياسة الخارجية للتعويض عن قصوره في الميدان الداخلي، فيتوسّط بين روسيا وأوكرانيا، ويحسّن العلاقات مع تركيا ويزور شرم الشيخ وينام في مصر ويُشارك في قمة شرم الشيخ، وبينما يبدو مستقلاً عن واشنطن، فإنه يرحّب بإتاحتها فرصة لإسرائيل بقيادته لكي تملأ الفراغ التي تركته أميركا بانسحابها النسبي من المنطقة، وقمة شرم الشيخ ولقاء النقب انجازان لسياسته الخارجية كرئيسٍ للحكومة، باعتبار أنّ لقاء النقب هو نتاج لقمة شرم الشيخ.
وبينما تغادر أطراف لقاء النقب، تظل حقيقة ساطعة تأبى على أن يتجاهلها أحد، ذلك أنّ عملية الخضيرة، تذكرة لكل الأطراف، بأن أصل القضايا، وأم المسائل، هي القضية الفلسطينيّة، وأن لا استقرار في هذه المنطقة في العالم بدون التوصّل إلى حلٍ عادلٍ لها وفقًا لقرارات الشرعية الدوليّة، وقيام الدولة الفلسطينيّة، ذلك أنّ مؤتمرات التطبيع تحاول أن تتجاهل هذه الحقيقة التي تفرض نفسها رغم كل محاولات طمسها والتنكّر لمركزيتها.