طلال عوكل - النجاح الإخباري - قد يعتقد الكثيرون أن القضية الفلسطينية، تغيب عن دائرة الاهتمام، بسبب الحرب في أوكرانيا وتداعياتها التي تشكل حدثاً دولياً خطيراً.. قضية من طبيعة القضية الفلسطينية لا يمكن أن ينجح أحد في تغييبها حتى لو بدا في ظاهر الأمور أنها على رفوف النسيان.
المعطيات التي تفرزها الأحداث الدولية الجارية من شأنها أن تعكس نفسها على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما على كل أركان الكرة الأرضية، ولكن على نحوٍ خاصٍ بسبب انعكاسات تلك الأحداث على الإقليم، وعلى إسرائيل التي تتحرك فيه بقدرٍ من القلق والارتباك.
بعد فشل الولايات المتحدة في إقناع السعودية والإمارات وفنزويلا برفع مستوى إنتاجها من النفط لضبط ارتفاع أسعار الطاقة وتعويض النفط والغاز الروسي، يبدو أن الإدارة الأميركية تحاول التوصل سريعاً إلى الاتفاق مع إيران، لكي تساهم الأخيرة في ضخّ النفط إلى الأسواق العالمية.
بوريس جونسون حاول هو الآخر إقناع الإمارات والسعودية بتلبية ما طلبته الولايات المتحدة.. لكنه فشل فيما وجدت السعودية سبباً للتهرب من المسؤولية عن ضخ المزيد من النفط، بعد الهجمات الحوثية الأخيرة على منشآتها النفطية.
من الواضح أن ثمة عطباً أصاب العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج التي أخذت تفقد الثقة بالعلاقات والثقة بالحماية الأميركية.
القلق يمتد إلى إسرائيل التي ترتفع فيها الدعوات للاعتماد على الذات في حماية نفسها، حتى بعد أن قررت الإدارة الأميركية دعم منظومة «القبة الحديدية» بمليار دولار بالإضافة إلى أربعة مليارات ونصف المليار من المساعدات لإسرائيل.
نموذج أوكرانيا، وتخلي الولايات المتحدة وحلفائها عن هذه الدولة التي تحظى بمكانة مهمة جداً، يدق أجراس الإنذار، من أن الولايات المتحدة تبحث عن مصالحها الذاتية، ويمكن أن تضحي بأي من حلفائها.
على أن القضية المباشرة التي تشكل سبباً للقلق بالنسبة لإسرائيل ودول الخليج، تكمن في التداعيات الناجمة عن توقيع اتفاق (خمسة زائد واحد) الخاص بالملف النووي الإيراني.
تنظر دول الخليج وإسرائيل بخطورة إلى تحرير الاقتصاد الإيراني، ورفع «الحرس الثوري» و»الحوثيين» من قائمة الإرهاب. كما تنظر بخطورة إلى السياسة الأميركية إزاء اليمن، ما سيعطي إيران وحلفاءها فرصة لتوسيع الدور، والعمل في المنطقة عموماً.
يصبح الدور الإيراني أكثر فعلاً وتأثيراً، أيضاً في ظل تراجع الوجود والدور الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، بعد الهزيمة المذلّة التي لحقت بالولايات المتحدة وحلفائها في أفغانستان، وتعرض وجودها في العراق لهجمات صاروخية.
تضع هذه التطورات الجارية والمرتقبة إسرائيل في وضع صعب، حيث يترتب عليها الاعتماد على نفسها في مواجهة ما تسميه البرنامج أو القدرات النووية الإيرانية، وتزايد نفوذ ودور إيران في محيطها، ودون غطاء وربما بوجود معارضة أميركية ودولية.
لهذا، تحاول إسرائيل، إقامة حلف إقليمي على غرار حلف «الناتو»، على حد تعبير مصادر إسرائيلية بعد القمة الثلاثية التي جمعت بينيت بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والشيخ محمد بن زايد ولي عهد دولة الإمارات العربية، غير أن الأمور في هذا الاتجاه، تواجه صعوبات وعقبات من غير السهل تجاوزها.
على خطٍّ آخر، تحاول السياسة الرسمية الإسرائيلية تجنب تصعيد مرتقب في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصاً الضفة وغزة، خلال شهر رمضان.
في هذه الوجهة، تقدم الحكومة الإسرائيلية جملةً من التسهيلات سواء في الضفة، حيث أعلنت السماح بالصلاة في المسجد الأقصى، ورفعت الحظر عن زيارات أسرى «فتح»، أو في غزة، حيث رفعت عدد التصاريح للعمل إلى اثني عشر ألفاً، وربما تقدم المزيد من التسهيلات.
غير أن السياسة الإسرائيلية الرسمية لا تستطيع ضبط نشاط واعتداءات الجماعات المتطرفة، التي يتقدمها بن غفير وتشمل العديد من الجماعات آخرها قيام مئات المستوطنين بتشكيل ميليشيا مسلحة تحمل اسم «بارئيل» وبدعمٍ من الشرطة وبلدية الاحتلال لاستهداف فلسطينيي النقب بعد العملية التي أدت إلى مقتل أربعة إسرائيليين. ثمة عوامل عديدة في الجانب الاحتلالي لا تزال تشكل صواعق قابلة للتفجير، خصوصاً مع التزامن بين الثلاثين من آذار «يوم الأرض»، وشهر رمضان والاحتفالات اليهودية.
في ضوء هذا المشهد العام، والمتغيرات الدراماتيكية في مواقف واصطفافات الدول والمراكز، واستمرار الضغط الأميركي والأوروبي على السلطة والمجتمع الفلسطيني، بسبب التحريض الإسرائيلي، ثمة حراكات مهمة مناصرة للقضية الفلسطينية، من المتوقع أن تزداد وتتسع تأثيراتها في عمق المجتمعات الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة على خلفية ازدواجية المعايير.
يعود مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، لتكرار معزوفته المشروخة، واتهاماته لتقرير منظمة حقوق الإنسان الدولية التابعة لكلية الحقوق، في جامعة هارفرد (أميركا)، الذي ينص على أن إسرائيل تنتهك في الضفة الغربية قرارات الأمم المتحدة، ما يرقى إلى جريمة الفصل العنصري بموجب القانون الدولي، وفي مقامٍ آخر، يوقّع أربعة عشر ألف أميركيٍّ على عريضةٍ لشركة «غوغل» تطالبها باحترام حقوق موظفيها من المناصرين للقضية الفلسطينية.. كما تشير العريضة إلى أن آلاف العاملين في «غوغل» و»أمازون» يطالبون أرباب العمل، بإنهاء عقود الشركتين مع الحكومة الإسرائيلية.
في لندن، يقوم نشطاء بريطانيون وفلسطينيون بتغيير اسم شارع السفارة الإسرائيلية إلى شارع الفصل العنصري، والأرجح أن تشهد المجتمعات الأميركية والأوروبية، خصوصاً المزيد من النشاطات، التي تفضح سياسات حكوماتها إزاء سياسة الفصل العنصري في إسرائيل.