عقل أبو قرع - النجاح الإخباري - تزداد شدة المنافسة وزخم عرض البرامج الانتخابية هذه الأيام بين الكتل المرشحة المختلفة، وذلك مع اقتراب موعد المرحلة الثانية من الانتخابات المحلية، في 26 الجاري، وبالطبع المنافسة وعرض البرامج من أجل جذب الناخبين هما من الأمور الطبيعية المفترض تشجيعها والاستمتاع بها، ومع تكدس الكثير من الكتل من القوى ومن العائلات والمستقلين وما يدور حولها، ومع بدء الدعاية الانتخابية التي من المفترض أن تتواصل ولمدة أسبوعين، من المتوقع أن تحوي البرامج الانتخابية للكتل التي ترنو إلى صوت الناخب، وتعرضها الدعاية الانتخابية قضايا حياتية يومية تهم الناس وتؤثر وبشكل مباشر على حياتهم، بعيدا عن الشعارات والتخبطات والوعود الكبيرة التي سئمنا منها.
ورغم أن هذه المرحلة من الانتخابات المحلية ستجري في المدن الكبرى، وبالتالي تكون الأضواء مسلطة عليها أكثر من المرحلة الأولى التي تمت في شهر كانون الأول من العام 2021، وبالتالي تتزاحم الكتل والأحزاب لإبراز ثقلها، تحضيرا لانتخابات ربما أكبر وأوسع في المراحل القادمة، ألا أن القضايا الداخلية الحياتية والمعيشية للمواطن وللمستهلك هي الأهم، لأن الناخب بات من أولوياته قضايا الأسعار وتوفر الخدمات والتعليم والنفايات والمياه وازدحامات الشوارع وحوادث السير، بعيدا عن مواضيع السياسة الكثيرة التي سئم سماعها.
وبما أن المرأة تشكل حوالي النصف من مجموع الناخبين، وبأن كافة القوائم المتنافسة تحوي على الأقل 20% من تركيبتها من النساء، من المفترض أن يتم التركيز على قضايا مهمة من منظور النوع الاجتماعي في الإطار البلدي المحلي الضيق، مثل توفر الفرص والإمكانيات للتعليم والتوظيف والتدريب والحصول على الخدمات الأساسية والوصول إلى التمويل والقروض والاشتراك في البرامج المختلفة، والتعامل في إطار المساواة حين تقسيم المقاعد في المجالس المنتخبة، ودعم مبادرات شبابية وللمرأة فيما يتعلق بالبيئة والتغيرات المناخية والطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر، والتعامل مع قضايا العنف وحماية الأسرة في إطار المجلس البلدي، كمثال من الممكن الاحتذاء به على المستوى الوطني.
ومن تتبع الانتخابات في مناطق مختلفة في العالم، يلحظ أن هناك معايير من المفترض أن تتم من خلالها المنافسة بين الكتل أو بين المرشحين، وبالتالي تجري الدعاية الانتخابية على أساسها، ومن أهمها التركيز على قضايا حياتية خدماتية عامة في حال الانتخابات المحلية عندنا، وعلى الكفاءة والخبرة والنزاهة والشفافية، وعلى المصلحة العامة بعيدا عن الفئوية الضيقة، وعلى طرح أو التركيز على توفير حلول عملية واقعية مقنعة ممكنه لأمور تؤرق الناس، من الصحة والتعليم والنظافة أي النفايات وقضايا تسويات الأراضي وتوفير المواصلات وأمور يعيشها الناس بشكل يومي.
والرسالة التي تريد إيصالها الدعاية الانتخابية، سواء من حيث المحتوى أو الأسلوب أو الوسيلة،  التي من المفترض إيصالها إلى جمهور الناخبين، الذين من المفترض أن يحددوا الكتلة أو الأشخاص الفائزين في الانتخابات، من المفترض أن تتناسب معهم، ومع طبيعتهم وبيئتهم وظروفهم واحتياجاتهم، ومن المفترض أن تتسم بالبساطة والسلاسة، وتتم بأسلوب عادي أو من خلال وسيلة إعلامية أو غيرها يمكن لغالبية المستهدفين الوصول إليها وفهمها، وبأن يكون محتواها عمليا بعيدا عن التنميق أو التضخيم أو حتى لو كانت الكتل حزبية أو مسيسة كبيرة وتملك الإمكانيات، بعيدا عن الشعارات الكبيرة التي نادت وما زالت تنادي بها هذه الأحزاب وبصرف النظر عن نوعها، خلال السنوات الكثيرة الماضية.
وبالإضافة إلى محتوى الرسالة ووسيلة إيصالها إلى الناس، فإن تتبع آراء الناخب وبشكل متواصل، أي من خلال التركيز على التغذية الراجعة، ومن ثم تعديل أو تضمين هذه التغذية الراجعة في حملات الدعاية الانتخابية، يعتبر من أهم عوامل نجاح أو فشل الدعايات الانتخابية، سواء أكانت محلية أو وطنية، وهناك حملات انتخابية في العالم بدأت من خلال رسائل محددة ولم تعدل أو تغير خلال الحملة وانتهت بالفشل أو الانتكاسة، وهناك حملات واكبت آراء ووجهات النظر وأولويات وتطلعات الناس وعدلت وحورت ونجحت، أي أنها سمحت للناس أو لجمهور الناخبين بتحديد الرسائل والمواضيع والأولويات الانتخابية ومسارها.
وبعيدا عن المحتوى العام لرسائل الدعاية الانتخابية، من المفترض التركيز على قطاعات محددة، مثل قطاع الشباب مثلا ومن ضمن ذلك الشابات، ومن المفترض التركيز على قضايا لها علاقة بالحقوق والمساواة، حيث أصبح الهم الأساسي لفئات عريضة في مجتمعنا قضايا ملحة، مثل العمل والبطالة والبعد عن الواسطة والمحسوبية، وبالتالي فإن المنافسة على هذا الأساس والعمل بعد الفوز في هذا الإطار، سوف يفتح الأبواب بشكل أوسع لهذه الفئات من أجل أن تنافس وتفوز في الانتخابات الأوسع وغيرها، وبالتالي المساهمة في إحداث التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يطمح له الناس.
ورغم محدوديتها ونطاقها الضيق وطبيعة المواضيع المحلية والخدماتية التي سوف تقوم عليها  حملات الدعاية أو الترشح لهذه الانتخابات، ورغم تسابق الأحزاب بأنواعها لتوفير الدعم والتبني للمرشحات والمرشحين، إلا أن التركيز على الكفاءات والخبرات المهنية هو الأهم، ليس فقط في نجاح الوصول إلى عضوية أو إلى قيادة المجلس المحلي أو البلدي، وبل في الفعالية في تنفيذ الوعود وإحداث التغيير وفي التأثير على مسار عمل هذه المجالس، وبالتالي في تحقيق الإنجازات التي يتم البناء عليها في الفترات القادمة.
وإذا كانت المجالس البلدية التي من المفترض انتخابها، تمثل الصورة المصغرة من الحكومة المحلية التي من المفترض أن تهتم بالمواطن وتحرص على تلبية احتياجاته الأساسية وتلبية طموحاته بالحد الأدنى منها، فإن هذه الاحتياجات التي من المفترض أن تركز عليها الدعاية الانتخابية، وبعيدا عن السياسة هي عديدة ومتنوعة، بدءا من تجميع النفايات وعدم انقطاع المياه وضمان الحصول المنتظم على الكهرباء، ومعالجة المياه العادمة وصيانة الشوارع والطرق، وتوفير العدد والنوعية المطلوبين من الصفوف المدرسية، ومعالجة احتياجات الشباب، واحتياجات المرأة والأطفال، وإيجاد أماكن ووسائل الترفية للمواطن وما إلى ذلك من احتياجات تلمس الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني.
ورغم الوعي ورغم النسبة الكبيرة من الأجيال الشابة التي يحويها المجتمع الفلسطيني، ورغم النسبة المتصاعدة لمشاركة النساء في نشاطات عديدة في المجتمع الفلسطيني ومن ضمنها الانتخابات، ورغم النسبة الكبيرة في المجتمع الفلسطيني من خريجي التعليم العالي، إلا أن الانتماء العائلي ما زال عامل جذب أو شد أو حتى الأساس لاتخاذ القرار سواء للترشح أو الانتخاب، ورغم أهمية هذا العامل في التضامن الاجتماعي في مجتمع مثل مجتمعنا، إلا أن إقحامه في انتخابات من المفترض أن يقوم الفائز فيها في توفير الاحتياجات للجميع، وفي خدمة القرية أو المدينة ككل، وفي خدمة المواطن بصرف النظر عن انتمائه، لن يؤدي إلى النتائج التي يطمح لها المواطن الفلسطيني.
ومع كل الأمل والثقة بأن ننجح بالقيام بحملات انتخابية إيجابية خلال الأيام القادمة، وصولا إلى الصمت الانتخابي، أي يومين قبل موعد إجراء الانتخابات، فإننا نطمح بأن تشكل هذه الدعاية أرضية مهنية وحضارية منظمة، من خلال إيصال رسائل وأفكار الكتل المتنافسة وبصرف النظر إن كانت حزبية أو أهلية إلى جمهور الناخبين، وبأن نوطد مبدأ المنافسة الشريفة الشفافة، وصولا إلى الدعاية الانتخابية الأشمل على المستوى الوطني، من خلال إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية التي أصبحت هي الهدف القادم الذي نتطلع إلى تحقيقه.