يونس العموري - النجاح الإخباري - مرة أخرى تبرز قضية بلدية القدس العربية (امانة القدس الشريف) الى الواجهة في ظل خوض المدن الفلسطينية للانتخابات البلدية، وكثيرة هي الدعوات التي تتكاثر وتحاول ان تمارس اجتهادها فيما يخص أمانة القدس الشريف (بلدية القدس العربية) من ضمنها المشاركة العربية في انتخابات بلدية القدس الإسرائيلية، بذريعة التأثير المباشر على الخارطة الانتخابية للمجلس البلدي الإسرائيلي. وكانت ان انطلقت دعوات سابقة بضرورة تشكيل (بلدية القدس الفلسطينية) وهي الأخرى كانت ان سميت دعوة اجتهادية للتأثير في مسار العملية الانتخابية البلدية في القدس. وكانت اخر هذه الدعوات ما صدر من خلال دعوات إسرائيلية وأخرى عربية، (قبل فترة) حول الدعوة الى خوض الانتخابات لبلدية” القدس” ضمن قائمة يهودية – عربية.
الا ان هذه الدعوات تثير العديد من الإشكالات والسجالات حولها وحول مواقيتها وطبيعة توجهاتها وخفايا وخبايا منطلقاتها، في ظل الاعتراف الاميركي بالقدس الموحدة كعاصمة لدولة الاحتلال وما يُثار عن الخطوط العريضة لماهية السياسات الامريكية وملامحها، الأمر الذي يحمل في طياته الكثير من التساؤلات لعل ابرزها حول فعل هكذا بلدية في ظل الاحتلال، او فيما يخص امكانية فعل بلدية القدس العربية ذاتها في ظل وقائع القدس وتداعيات قضاياها..
من المعلوم والمعروف حقيقة الظرف الواقعي المعاش في القدس ولا اعتقد ان الاعلان عن بلدية عربية بالشكل النظري من الممكن ان يسهم في خلق وقائع جديدة على الأرض في المدينة ، او الدخول بشكل مباشر وبالشراكة الفعلية مع المجلس البلدي الإسرائيلي الاحتلالي له الحد الأدنى من التأثير، هذا من جانب اما من الجانب الأخر فلا بد من الإشارة الى ان مسألة البلدية والخدمات البلدية في الفهم القانوني والسياسي والمسألة السيادية هي مسألة خدماتية بامتياز قد تُمنح من قبل سلطات الاحتلال للأقاليم المُحتلة ولا علاقة بممارسة الفعل والعمل البلدي بمفهوم السيادة ذاته ، الأمر الذي يعني ان الخدمات البلدية وتقديمها لسكان المدينة ليس له علاقة بالسيطرة الفعلية على الأرض والانسان، بل ان تجربة الاحتلال الإسرائيلي في القدس كانت قد حاولت العمل على خلق اشكال بلدية محلية للأحياء العربية في المدينة وربطها ببلدية الاحتلال على شكل لجان تطوير الأحياء، واتاحة الفرصة للسكان بإدارة شؤونهم الحياتية فيما يخص الأمور البلدية.
بل ان أحد أهم مرتكزات الرؤى الإسرائيلية للحلول المقترحة للقدس يقوم على اساس خلق شكل من الأشكال البلدية للأحياء العربية في القدس يقوم بإدارة الشأن الحياتي اليومي فقط لا غير.
ان هذه الدعوات المنطلقة من العديد من الشخصيات وربما ايضا من بعض من تسمي أنفسها مؤسسات مقدسية مخطئة بالتوجه اولا، حيث ان الدعوة لتأسيس بلدية فلسطينية او الشراكة في البلدية الإسرائيلية وممارسة العملية الاقتراعية، قد اغفلت العديد من القضايا والأساسيات بالمشهد المقدسي الوطني وعلى رأسها الاتي:
• اغفال حقيقة أمانة القدس القائمة بالفعل كإطار وطني مقدسي قائم ما قبل الاحتلال وما زال قائما بالشكل الفعلي ويتم التعاطي مع هذا الإطار عربيا ودوليا، كشكل من اشكال رفض وقائع الاحتلال الجديدة في القدس ما بعد العام 67، حيث كان من الضروري الإبقاء على التشكيلة العربية الوطنية الفلسطينية لبلدية القدس والمتمثلة بأمانة القدس.
• استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية والحقوق المشروعة للمواطنين المقدسيين، فكل ما تم ويتم استحداثه بالمناطق المحتلة يعتبر باطلا وعلى هذا الأساس كان من الضروري بمكان ان يتم الحفاظ على إطار امانة القدس لا العمل على خلق جسم جديد في ظل الاحتلال من الممكن ان يخدم توجهات الاحتلال ذاتها.
• ان قضية القدس قضية سياسية سيادية بامتياز، وإن القدس منطقة محتلة تسري عليها اتفاقية جنيف الرابعة، ولا يحق لسلطات الاحتلال بموجبها اتخاذ أية إجراءات تؤدي إلى تغيير وضعها القانوني، أو طبيعتها الجغرافية أو تركيبتها الديمغرافية، ومن حق سكانها النضال في سبيل قضيتهم الوطنية ومن واجبات الاحتلال تنظيم حياتهم المدنية وتسيير أحوالهم المعيشية وفقا لمتطلباتهم الحياتية على الأساس القانوني الدولي. وكونهم جزء لا يتجزأ من الفسيفساء الفلسطينية المحتلة فبالتالي يسري عليهم ما يسري على باقي الأقاليم المحتلة وبالتالي فإنهم يخضعون لممثليهم في الإطار السياسي والوطني ، وفي الحالة الفلسطينية فإن سكان القدس يخضعون لمقررات منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، في كافة اماكن تواجده وبالتالي هم جزء من منظومة مؤسسات منظمة التحرير ولا يجوز ابتداع اشكال واطر جديدة لتمثيلهم او ادارة شؤونهم الحياتية ، على اعتبار ان منظمة التحرير ما زالت هي من تنطق باسم جموع الشعب الفلسطيني ومن ضمنها كما اسلفنا مواطني القدس.
• ان مواجهة السياسات الاحتلالية في القدس لا يتطلب خلق الجسم البلدي للقدس بل يتطلب الانخراط في الإطار الوطني الجامع والفاعل وذلك من خلال برمجة الفعل الوطني المقدسي ذاته وفقا للأجندة الوطنية المقدسية وهذا يتطلب معرفة متطلبات القدس اولا والعمل على خلق برامج قادرة على استيعاب الحالة المقدسية من خلال صناعة السياسات القادرة على مواجهة ومجابهة سلطات الاحتلال وبرامجها التي سعت لتغيير معالم المدينة وتهجير أهلها منها، والاستيلاء على أراضي سكانها وأملاكهم، وتنفيذها لسلسلة مكثفة ومتتالية من الإجراءات العنصرية الهادفة إلى إحداث تغيير نهائي وشامل في وضع المدينة. وهو الأمر الذي يعني ضرورة استنهاض الحركة الوطنية المقدسية من جديد وتفعيل المؤسسات التي اعتقد انها تعاني من ممارسات ومطاردات سلطات الاحتلال ومن إهمال قد يكون مبرمجا ممن يمسكون اليوم بدفة العمل السياسي الفلسطيني.
ان ما ورد ويرد بهكذا دعوات انما يشير وبوضوح الى الحالة المقدسية الراهنة، واعتقد ان المهمات المقدسية لا يمكن ان يضطلع بها الجسم البلدي المُشار اليه،( كجسم واطار ركيك ) وبذات السياق اعتقد انه لابد من إعادة الاعتبار لأمانة القدس الشريف وإعادة الاعتبار لها وإعادة تشكيلها من خلال قرار يصدر عن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وان يتم رعايتها ورصد الموازنات لها ومستحقاتها وتفعيلها وتفعل أنشطتها على ارض الواقع وخلق حالة اشتباكيه بامتياز مع سلطات الاحتلال وخلق برامج تضطلع بها امانة القدس بهدف فرض سياسة الامر الواقع ، وحتى نسمي الأشياء بمسمياتها وحقيقة امورها فلا بد من القول ان هذه المهمات لابد من ان تضطلع بها أيضا الحركة الوطنية جمعاء من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، ومن خلال ذراعها الوطني امانة القدس والمطلوب هنا بكل صراحة اصدار مرسوم رئاسي صادر عن رئيس دولة فلسطين رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير يقضي بإعادة تشكيلها وفقا لقرار اللجنة التنفيذية واستنادا على حالة توافق وطني في القدس ، وان يصدر هكذا مرسوم بذات الوقت الذي يتم الإعلان فيه عن نتائج الانتخابات المحلية للمدن الفلسطينية .
ان القدس فعلا بحاجة الى قرارات عملية فعلية واعتقد ان الإعلان عن إعادة تشكيل وتفعيل امانة القدس من خلال صيغة توافق وطني، وان يكون لها برامج وامكانيات للعمل ورصد ميزانيات فعلية، تعتبر خطوة ثورية من شأنها قلب المعادلة لصالح القدس العربية عاصمة دولة فلسطين العتيدة.
اما ان نظل في ذات الدائرة ندور بحلقات مفرغة فارغة ليطلع علينا كل يوم من يحدثنا عن القدس وعن توصيف حالة القدس وتداعيات القضايا المقدسية، والأدهى من ذلك كله ان صُناع القرار الوطني الفلسطيني الرسمي قد تحولوا الى باحثين أكاديميين يجيدون الحديث عن وقائع القدس في الإطار النظري ويقدمون الاقتراحات والخطط التنظيرية وكفى المؤمنين شر القتال…. فمن مسؤول الى زعيم يشارك في مؤتمر هنا او بمقالة هناك يجتهد بتوصيف حالة القدس فيها وحتى يتمظهر بمظهر الشفاف يصرخ بالعجز والتقصير الممارس بحق القدس وقضاياها وهو بلا شك ركنا من اركان العجز والتقصير والإهمال.
مرة اخرى اعتقد ان المطلوب للقدس اليوم يتعدى الدعوات النظرية الشكل ومن الضروري الانتقال الى الشكل العملاني الفعلي للقدس وذلك عبر تنفيذ البرامج القادرة على استيعاب المرحلة بكل انعكاساتها وتداعياتها على القدس وقضاياها وهذا يتطلب:
• أولا: لم شمل الحركة الوطنية الفلسطينية في القدس.
• ثانيا: ترسيخ مفاهيم القدس العربية العاصمة الوحيدة والأبدية للفلسطينيين.
• ثالثا: تحييد القدس من كل اشكال الصراعات السلطوية في المشهد الفلسطيني.
• رابعا: المباشرة بخلق وقائع جديدة على الارض وذلك عبر برمجة فرض الأمر الواقع فلسطينيا في القدس.
• خامسا: اعادة الاعتبار لوثيقة العهد والشرف للقدس لتكون وثيقة فلسطينية عربية قادرة على خلق الحالة الاستقطابية الشعبية والرسمية العربية والإنسانية من حولها.
وحيث ذلك واستنادا الى وقائع واقع القدس الراهن ، وحيث ان للقدس معادلة تفرض ذاتها على الكل الوطني ادعو هنا الى إعادة تشكيل امانة القدس على أساس حالة توافقية وطنية تمثل كافة أطياف اللون الوطني المقدسي من مختلف الاتجاهات والتوجهات والمؤسسات.