عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - كلما كان صوت المقاومة الشعبية الفلسطينية عاليا وقويا، ورسالته جلية وواضحة لدولة الاستعمار الإسرائيلية ومن لف لفها، ومن يقف خلفها، ويشد على أيديها، استمع العالم للصوت الوطني الفلسطيني بانتباه أعلى، وتوقفت الأقطاب في الغرب الرأسمالي عن ترديد الأسطوانة الإسرائيلية الصهيونية المشروخة "معاداة السامية"، وكفوا عن التهريج والتحريض على الرواية الوطنية الفلسطينية، التي يحاولون بكل الوسائل تشويهها، وتفريغها من مضامينها الوطنية، ومن هويتها وحقائقها، وموروثها التاريخي الحضاري، وإلباسها ثوبا غير ثوبها، ولونا أصفر باهتا غير صورتها المشرقة والناصعة، معتقدين أن قيادة منظمة التحرير والشعب سيركع جاثيا على ركبتيه مستجديا تلك الدول إرسال الأموال مقابل بيع الهوية والرواية الوطنية. وتناسى أولئك الغربيون أن 74 عاما من الكفاح، وعشرات ومئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين لم يكونوا عبثا ولا ترفا ولا حبا في الدماء والموت والمعاناة، وإنما لتحقيق السلام ونشر لغة وثقافة التسامح والتعايش. أضف إلى أن كل التضحيات لم تفت في عضد الشعب الفلسطيني، ولم ترغمه على التنازل عن روايته الوطنية، ولا التخلي عن ثوابته وحقوقه السياسية.
كما تجاهل أولئك الغربيون تماما أن أبناء الشعب الفلسطيني، هم أولا من أبناء الأمة العربية الساميين، وليسوا من الخزر اليهود الأوروبيين المستعمرين لفلسطين، ولن يكونوا يوما غير ذلك، وهم الأحرص في الدفاع عن السامية، والتسامح والتعايش والسلام، ويرفضون رفضا قاطعا خيار الاستسلام، وبالتالي قبولهم السلام، والتنازل التاريخي الذي قدموه مقابل خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعودة اللاجئين لديارهم وحق تقرير المصير والمساواة الكاملة لأبناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة لا يعني بحال من الأحوال إسقاط الرواية الوطنية، وإنما التجذر فيها، والتمسك بحذافيرها والموت دفاعا عنها.
ما تقدم على تماس مع ما عاد مجددا الاتحاد الأوروبي يضرب على وتره، وهو التحريض الصهيوأميركي على المنهاج المدرسي الفلسطيني، ويستقي معلوماته من معاهد صهيونية معادية للسلام والرواية الفلسطينية كـ"معهد جورج إيكرت" المفوض من الاتحاد الأوروبي (GEI) و"معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي (IMPACT-SE)، اللذين ادعيا أن المنهاج الفلسطيني "أظهر روايات معادية للسامية وتمجيدا للعنف، على الرغم من الوعود التي قطعت للدول المانحة بمراجعة الكتب المدرسية" إلا أن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية أعادت طبع الكتب المدرسية ذاتها مع القضايا نفسها، التي أثارها الاتحاد الأوروبي، ليس هذا فحسب، بل إن الوزارة كتبت آلاف الصفحات من المواد الجديدة، أي تقريبا ما يعادل حجم جميع الكتب المدرسية في المناهج الدراسية". وفق ما نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية يوم السبت الموافق 5 آذار/ مارس الحالي.
وادعت الصحيفة "أن المادة الجديدة تحتوي على محتوى أسوأ من الكتب المدرسية الحالية أو السابقة مع عدد أكبر من الدروس التي تحرض بشكل مباشر على العنف وتنشر معاداة السامية بشكل علني". كما زعمت الصحيفة نقلا عن المعهدين الصهيونيين المذكورين، اللذين أشارا في تحريضهما من خلال الرسالة الموجهة للبرلمان الأوروبي إلى أن "المواد الجديدة تربط بين الإسرائيليين والشيطان"، وتدعو الطلاب إلى الموت كشهداء وتحرير المسجد الأقصى، وتعلم الطلاب قتل الكفار مقابل مكافآت مالية كبيرة".
وأشارت الصحيفة لتأخر وصول ملايين اليوروهات المقدمة من الاتحاد الأوروبي لمساعدة موازنة دولة فلسطين المحتلة لمكاتبه في القدس نتاج مواصلة النقاش داخل أروقة الاتحاد ما إذا كان سيتم ربط أجزاء من المساعدة الخارجية بإلاصلاحات في الكتب المدرسية. وحسب جيروزاليم بوست أيضا، فإن مجموعة من المشرعين في الاتحاد الأوروبي دعت عبر الأحزاب إلى تقليص الأموال المخصصة للسلطة الوطنية بسبب فشل إصلاح الكتاب المدرسي. ليس هذا فحسب، إنما طالب أولئك المشرعون بأن يكون التمويل مشروطا بالإصلاح.
وتعقيب سريع على ما حملته رسالة المعهدين للبرلمان الأوروبي, فهي لا أساس لها من الصحة، وكاذبة ومزورة. ليس هذا فحسب، بل إن المعهدين الصهيونيين لم يتطرقا للمنهاج الإسرائيلي، ولا للقوانين العنصرية، ولا للفتاوى الدينية الصهيونية المتواصلة الداعية لقتل الفلسطينيين، ولم تشر من قريب أو بعيد لرفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة خيار السلام، ولم تنبس ببنت شفة عن الحروب والاجتياحات المتواصلة للمحافظات والمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، وعن قتل الأطفال والنساء والشباب بشكل يومي وهمجي ودون سبب يذكر، ولم تتوقف عن نسف وتدمير واحتلال البيوت، ولا عما يجري في أحياء العاصمة الفلسطينية القدس خاصة حي الشيخ جراح وعمليات التطهير العرقي، ولم تشر إلى ما يجري في النقب والجليل والمثلث والمدن المختلطة من عمليات قتل ورفض لإعادة النظر في المخططات الهيكلية، ولا عن سياسات الأسرلة وغيرها، وعدم الاعتراف بالقرى الفلسطينية، وإقامة مدن جديدة على أراضي المواطنين في النقب. مجددا يمكن الجزم لدول الاتحاد الأوروبي ومعهم ومن قبلهم الإدارة الأميركية، الشعب والقيادة الفلسطينية لن يقبلوا لي الذراع السياسية مقابل المال؛ لأن ما تدفعونه من مال ليس حبا في فلسطين والشعب الفلسطيني، وإنما مقابل دعم خيار السلام الممكن والمقبول، وإن نكثتم بدوركم وعهدكم والتزاماتكم، فأنتم الخاسرون، وليس الشعب أو القيادة الفلسطينية. لذا راجعوا حساباتكم جيدا، ولا تغرقوا في شبر ماء التحريض الصهيوني الكاذب والمفبرك، والذي لا أساس له من الصحة. وإما أن تقبلوا الفلسطينيين شعبا وقيادة كما هم، أو ابحثوا لكم عن بديل آخر، ولن تجدوا من يساوم على حبة تراب من فلسطين والحقوق السياسية والقانونية.