ابراهيم ابراش - النجاح الإخباري - قد يقول قائل من السابق لأوانه الحديث عن حرب عالمية ثالثة فبالاحرى عن تداعياتها المحتملة على منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً على القضية الفلسطينية، فجميع أطراف الأزمة الأوكرانية، عدا واشنطن، متخوفة من الحرب ولا تريدها، كما أن ميدان الحرب بعيد عن منطقتنا ولدى الفلسطينيين ما يكفي من هموم ومشاكل داخلية ولا يملكون قوة تأثير على مجريات الصراع…
قد يكون في هذا القول الكابح للاهتمام بأزمة أوكرانيا وتداعياتها المحتملة بعض الصحة لو كنا أمام احتمالات حرب تقليدية، ولكننا أمام جيل جديد من الحروب عابرة للقارات ومتعددة التأثيرات، كما أن الاهتمام والخوف من احتمالات حرب عالمية قادمة سواء كانت شاملة أو محدودة جغرافياً يأتي في سياق التفكير الاستراتيجي الاستشرافي واستلهاماً لنظرية أو علم الاحتمالات، وآخذاً بعين الاعتبار تداعيات الحربين العالميتين السابقتين على العالم العربي والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص حيث غيرتا في جيوبوليتيك المنطقة.
ومن يتابع الصحافة الإسرائيلية سيلاحظ أن إسرائيل مهتمة بما يجري على جبهة أوكرانيا وشكلت طواقم بحث من سياسيين ومفكرين استراتيجيين للبحث في دور إسرائيل وانعكاسات الحرب عليها وكيفية توظيف التوتر بمستواه الحالي أو تحوله لحرب عالمية لصالح دولتهم وخصوصا من جهة هجرة يهود أوكرانيا لإسرائيل.
ربما لا تصل الأمور لدرجة حرب عالمية، ولكن إن حدث ذلك فستكون تداعياتها أكثر خطورة من الحربين العالميتين السابقتين، ليس فقط بسبب تعدد أطرافها وثِقل الدول المشارِكة فيها وتوفر غالبيتها على كميات هائلة من الأسلحة، بل لأنها ستكون الحرب العالمية الأولى التي تندلع بين دول تملك أغلبها كم هائل من الأسلحة النووية والبيولوجية والصواريخ عابرة القارات وتندلع في زمن العولمة حيث العلاقات البينية بين الدول كثيرة ومتعددة المجالات والاتفاقات والمعاهدات الدولية متعددة المجالات من الاقتصاد إلى البيئة والمناخ إلى المحيطات والفضاء الخارجي وتنظيم الفضاء السيبراني الخ .
عندما ندعو للاهتمام بما يجري من تطورات للأزمة الأوكرانية التي تحولت لأزمة بين الدول الكبرى والتفكير بتداعيات أي حرب عالمية محتملة، فلأن فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط لن يكونا بعيدين عن هذه الحرب وحتى إن تجاهَل الفلسطينيون ودول المنطقة الحرب فتداعيات الحرب ستصل لهم وتؤثر عليهم.
الزعم بأن المنطقة العربية بعيدة عن ميدان الحرب يفنده ما جرى في الحربين العالميتين السابقتين اللتين غيرتا في جيوبوليتيك الشرق الأوسط، فانهارت وزالت دول وظهرت دول جديدة. في الأولى (1914-1918) استغلت الحركة الصهيونية الناشئة الحرب وكان وعد بلفور 1917 وقبله بعام كان اتفاق (سايكس- بيكو) بين الفرنسيين والإنجليز على تقسيم بلاد الشام والذي مهد بدوره لوعد بلفور ، وفي نهاية الحرب الثانية (1939-1945) قامت دولة الكيان الصهيوني، وما كان لهذا الكيان أن يكون بدون هاتين الحربين وبدون استغلال الحركة الصهيونية لهما ونسجها تحالفات مع أطرافها حتى إنها تواصلت سراً مع النازيين لتهجير اليهود من ألمانيا وأوروبا إلى فلسطين.
وفي نفس السياق ما زالت الذاكرة واعية ما جرى على إثر انهيار المعسكر الاشتراكي ونهاية نظام الثنائية القطبية حيث تفككت دول وظهرت دول جديدة، وبانهيار المعسكر الاشتراكي نهاية الثمانينيات إنهار النظام الإقليمي العربي مع حرب الخليج الثانية وبسبب هذه الأخيرة تم محاصرة منظمة التحرير الفلسطينية وتجفيف مواردها المالية بتهمة ممالأة صدام حسين، وبانهيار المعسكر الاشتراكي والنظام الإقليمي العربي تُرِك الفلسطينيون وحدهم في الميدان وكان مؤتمر مدريد 1991 وبعده اتفاق أوسلو 1993 ثم الحالة الراهنة للقضية الفلسطينية. حتى ما يسمى (الربيع العربي) ما هو إلا حرب إقليمية أو دولية مصغرة، وتأثيراتها كانت وبالاً على شعوب المنطقة وعلى الشعب الفلسطيني الذي لم يكن طرفا رئيسا فيها.
غالباً لن تكون دول وشعوب المنطقة طرفا رئيساً أو فاعلاً في مجريات الحرب بل مفعول بها وستتورط في الحرب دون إرادتها أو كتابع لهذا الطرف أو ذاك، حيث ستستعمل أمريكا والدول الكبرى المشاركة في الحرب قواعدها العسكرية المتواجدة في دول المنطقة كما أن الحرب ستؤدي لأزمات اقتصادية كبرى وستكون الدول العربية الأكثر تضرراً ومعاناة في هذا المجال سواء تعلق الأمر بارتفاع أسعار المواد الغذائية وخصوصاً القمح أو ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وزيادة نسبة البطالة الفقر، وستفقد الأنظمة القدرة على ضبط الأمن مما سيسمح للجماعات المتطرفة بتعزيز وجودها وربما تقدم خدماتها لهذا الطرف أو ذاك من الدول المتحاربة، كما ستكون فرصة مواتية لواشنطن لاستكمال مخططها حول (الفوضى الخلاقة) الذي لم يتخلى عنه الحزب الديمقراطي الحاكم.
أما بالنسبة لإسرائيل الصديقة لكل الأطراف الرئيسة في هذه الأزمة الدولية فإن كانت ستجد نفسها في موقف مُحرج إذا ما انحازت لطرف على حساب الأطراف الأخرى إلا أنها قد تستغل انشغال العالم بالحرب لتفرض أمراً واقعاً جديداً في فلسطين، سواء على جبهة غزة بحرب كبيرة تقضي على ترسانة المقاومة من الصواريخ وتدمير الأنفاق وربما دفع الآلاف للنزوح لسيناء وإنهاء دور حركة حماس وتنصيب سلطة بديلة في غزة، أو على جبهة الضفة الغربية كالإسراع في عمليات الاستيطان والضم الرسمي لمزيد من الأراضي وهو الإجراء الذي كان سيُقدِم عليه نتنياهو ثم أجله، وقد تصل الأمور لتهجير جماعي للفلسطينيين من منطقة إلى أخرى داخل فلسطين أو إلى الأردن، وقد تقوم إسرائيل بعدوان على لبنان ضد مواقع لحزب الله وربما تضرب إيران.
نتمنى ألا تقع الحرب وتسقط كل تحليلاتنا وتخوفاتنا، ولكن حتى وإن كانت احتمالات الحرب محدودة فعلى القائد السياسي الذكي الأخذ بعين الاعتبار كل الاحتمالات حتى الأكثر سوءاً، وحتى بدون الحرب العسكرية فما يجري عودة للحرب الباردة ولكنها في هذه المرة أكثر سخونة وليست على أساس أيديولوجي بل محركها الاقتصاد والتجارة، والشرق الأوسط وخصوصاً العالم العرب حلقة مركزية في الاقتصاد والتجارة العالمية .